موسوعه الصحابة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    رد: موسوعه الصحابة

    الحِب بن الحِب
    أسامة بن زيد
    إنه الصحابي الجليل أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، وهو ابن مسلمين كريمين من أوائل السابقين إلى الإسلام، فأبوه زيد بن حارثة، وأمه السيدة أم أيمن حاضنة رسول الله ( ومربيته.
    كان شديد السواد، خفيف الروح، شجاعًا، رباه النبي ( وأحبه حبًّا كثيرًا، كما كان يحب أباه فسمي الحِبّ بن الحبّ، وكان النبي ( يأخذه هو والحسن ويقول: (اللهم أحبهما فإني أُحِبُّهما) [أحمد والبخاري].
    وكان أسامة شديد التواضع، حاد الذكاء، يبذل أقصى ما عنده في سبيل دينه وعقيدته.
    وخرج أسامة مع النبي ( (عام الفتح إلى مكة راكبًا خلفه ( على بغلته، ودخل النبي ( الكعبة ليصلي فيها ركعتين، ومعه أسامة وبلال، ووقع أسامة على الأرض فجرحت جبهته؛ فقام النبي ( مسرعًا ليمسح الدم الذي يسيل منها حتى وقف النزيف.
    وذات يوم تلقى أسامة من رسول الله ( درسًا لا ينساه أبدًا، يقول أسامة: بعثنا رسول الله ( إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمح حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي ( فقال: يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ قلت كان متعوذًا، فما زال يكررها الرسول ( حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. ثم قال أسامة للرسول (: إني أعُطى الله عهدًا، ألا أقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله أبدًا، فقال النبي (: (بعدى يا أسامة؟) قال: بعدك. [متفق عليه].
    وقد حمل أسامة كل صفات ومواهب القائد الشجاع، مما زاد من إعجاب النبي ( به، فجعله قائدًا لجيش المسلمين لغزو الروم، وجعله الرسول ( أميرًا على جيش فيه كبار الصحابة، كأبي بكر وعمر، فاستكثر بعض المسلمين على أسامة كل هذا، وتكلموا في ذلك، ولما علم النبي ( صعد المنبر وحمد الله ثم أثنى عليه وقال: (إن تطعنوا في إمارته (أي إمارة أسامة)؛ فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله، إن كان لخليقًا للإمارة لجديرًا بها، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ (يقصد زيد بن حارثة)، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده) [متفق عليه].
    ويموت النبي ( قبل أن يتحرك جيش أسامة إلى غايته التي حددها الرسول ( وهى قتال الروم، (وقبل أن يموت النبي ( أوصى أصحابه أن يسارعوا بتحريك جيش أسامة فقال لهم: (أنفذوا بعث أسامة، أنفذوا بعث أسامة) [ابن حجر في الفتح].
    ويتولى أبو بكر الخلافة بعد رسول الله (، ويصر على إنجاز وصية الرسول (، فيقول له عمر: إن الأنصار ترى أن يتولى قيادة الجيش من هو أكبر سنًّا من أسامة، فيغضب أبو بكر -رضي الله عنه- ويقول: ثكلتك أمك يابن الخطاب، استعمله رسول الله ( وتأمرني أن أنزعه، والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تخطفني؛ لأنفذت بعث أسامة.
    ويخرج القائد أسامة من المدينة بجيشه، ويخرج معه أبو بكر مودعًا، وبينما أسامة راكب على فرسه، إذا بأبي بكر يسير على قدميه، فيستحي أسامة من هذا الموقف، ويقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله (، والله لتركبن أو لأنزلن. فيقول أبو بكر: والله لا نزلت، والله لا ركبتُ، وما عليَّ أن أغبر
    قدمي في سبيل الله ساعة، ثم يستأذن أبو بكر من أسامة أن يبقى معه عمر في المدينة ليعينه على أمور الحكم فيعطي أعظم قدوة في استئذان القائد مهما كان صغيرًا.
    وانطلق جيش أسامة إلى البلقاء، ليهاجم القرى التي حددها له رسول الله ( وخليفته أبو بكر، فينتصر عليهم ويأسر منهم الكثير، ويجمع الغنائم، ويعود إلى المدينة منتصرًا بعد أن لقن الروم درسًا لا ينسى، ويعود الجيش بلا ضحايا فيقول المسلمون يومئذ: ما رأينا جيشًا أسلم من جيش أسامة.
    وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عندما يقسم أموال بيت المال على المسلمين، يجعل نصيب أسامة منها ثلاثة آلاف وخمسمائة، في حين يعطي ابنه
    عبد الله ثلاثة آلاف، فيقول ابن عمر لأبيه: لقد فضلت عليَّ أسامة، وقد شهدت مع رسول الله ( ما لم يشهد، فيرد عليه عمر قائلاً: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله ( منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله ( من أبيك._[الترمذي وابن سعد].
    وعندما نشبت الفتنة بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- وقف أسامة محايدًا مع حبه الشديد لعلي، وبعث له رسالة قال فيها: يا أبا الحسن إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد (فمه) لأخذت بمشفره الآخر معك حتى نهلك جميعًا أو نحيا جميعًا، فأما هذا الأمر الذي أنت فيه فوالله لا أدخل فيه أبدًا، ولزم أسامة داره فترة النزاع حتى لا يقتل مسلمًا.
    وكان -رضي الله عنه- كثير العبادة، محافظًا على صوم يوم الاثنين والخميس مع كبر سنه وضعف جسمه؛ تأسيًا برسول الله ( ، وتوفي أسامة
    -رضي الله عنه- في خلافة معاوية بن أبي سفيان سنة (54هـ)، وقد روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين.

    تعليق


    • #32
      رد: موسوعه الصحابة

      صاحب الصوت الجميل
      أسيد بن حضير
      إنه أسيد بن حضير بن عبد الأشهل الأنصاري -رضي الله عنه-، فارس قومه ورئيسهم، فأبوه حضير الكتائب زعيم الأوس، وواحد من كبار أشراف العرب في الجاهلية.
      وكان أسيد أحد النقباء الذين اختارهم الرسول ( ليلة العقبة الثانية، فقد أسلم أسيد بعد بيعة العقبة الأولى، عندما بعث النبي ( مصعب بن عمير إلى المدينة، فجلس هو وأسعد بن زرارة في بستان، وحولهما أناس يستمعون إليهما، وبينما هم كذلك، كان أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ زعيما قومهما يتشاوران في أمر مصعب بن عمير الذي جاء يدعو إلى دين جديد.
      فقال سعد لأسيد: انطلق إلى هذا الرجل، فازجره، فحمل أسيد حربته وذهب إليهما غضبان، وقال لهما: ما جاء بكما إلى حيِّنا (مدينتنا)، تسفهان ضعفاءنا)؟ اعتزلانا، إذا كنتما تريدان الحياة. فقال له مصعب: أَوَ تَجْلِس فتسمع، فإن رضيت أمرًا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره؟ فقال أسيد: لقد أنصفت، هاتِ ما عندك. فأخذ مصعب يكلمه عن الإسلام ورحمته وعدله، وراح يقرأ عليه آيات من القرآن، فأشرق وجه أسيد بالنور، وظهرت عليه بشاشة الإسلام حتى قال من حضروا هذا المجلس: والله (لقد عرفنا في وجه أسيد الإسلام قبل أن يتكلم، عرفناه في إشراقه وتسهله.
      ولم يكد مصعب ينتهي من حديثه حتى صاح أسيد قائلاً: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين؟ فقال له مصعب: تطهّر بدنك وثوبك، وتشهد شهادة الحق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم تصلي.
      فقام أسيد مسرعًا فاغتسل وتطهر ثم صلى ركعتين معلنًا إسلامه. وعاد أسيد إلى سعد بن معاذ، وما كاد يقترب من مجلسه، حتى قال سعد لمن حوله: أقسم، لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به، ثم قال له سعد: ماذا فعلت؟ فقال أسيد: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسًا، وقد نهيتهما، فقالا لي: نفعل ما أحببت، ثم قال أسيد لسعد بن معاذ: لقد سمعت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وهم يعلمون أنه ابن خالتك، فقام سعد غضبان وفي يده حربته، ولما وصل إلى مصعب وأسعد وجدهما جالسين مطمئنين، عندها أدرك أن هذه حيلة من أسيد لكي يحمله على السعي إلى مصعب لسماعه، واستمع سعد لكلام مصعب واقتنع به وأعلن إسلامه، ثم أخذ حربته، وذهب مع أسيد بن حضير إلى قومهما يدعوانهم للإسلام، فأسلموا جميعًا.
      وقد استقبل أسيد النبي ( لما هاجر إلى المدينة خير استقبال، وظل أسيد يدافع عن الإسلام والمسلمين، فحينما قال عبد الله بن أبي بن سلول لمن حوله من المنافقين أثناء غزوة بني المصطلق: لقد أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير دياركم، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فقال أسيد: فأنت والله يا رسول الله تخرجه منها إن شاء الله، هو والله الذليل، وأنت العزيز يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز (حبات يطرز بها التاج) ليتوجوه على المدينة ملكًا، فهو يرى أن الإسلام قد سلبه ملكًا.
      وذات ليلة أخذ يقرأ القرآن، وفرسه مربوطة بجواره، فهاجت الفرس حتى كادت تقطع الحبل، وعلا صهيلها، فسكت عن القراءة فهدأت الفرس ولم تتحرك، فقرأ مرة ثانية فحدث للفرس ما حدث لها في المرة الأولى، وتكرر هذا المشهد عدة مرات، فسكت خوفًا منها على ابنه الصغير الذي كان ينام في مكان قريب منها، ثم نظر إلى السماء فإذا به يرى غمامة مثل الظلة في وسطها مصابيح مضيئة، وهى ترتفع إلى السماء.
      فلما أصبح ذهب إلى الرسول ( وحدثه بما رأى، فقال له النبي (: (تلك الملائكة دنت (اقتربت) لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم) [البخاري].
      وعاش أسيد -رضي الله عنه- عابدًا قانتًا، باذلا روحه وماله في سبيل الله، وندم أسيد على تخلفه عن غزوة بدر، وقال: ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه غزو ما تخلفت. [ابن سعد]، وقد جرح أسيد يوم أحد سبع جراحات، ولم يتخلف عن غزوة بعدها قط.
      وبعد وفاة النبي ( اجتمع فريق من الأنصار في سقيفة بني ساعدة على رأسهم سعد بن عبادة، وأعلنوا أحقيتهم بالخلافة، وطال الحوار، واشتد النقاش بينهم، فوقف أسيد بن حضير مخاطبًا الأنصار قائلاً: تعلمون أن رسول الله ( كان من المهاجرين، فخليفته إذن ينبغي أن يكون من المهاجرين، ولقد كنا أنصار رسول الله، وعلينا اليوم أن نكون أنصار خليفته.
      وكان أبو بكر -رضي الله عنه- لا يقدم عليه أحدًا من الأنصار، تقول السيدة عائشة: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد منهم يلحق في الفضل، كلهم من بني
      عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. [ابن هشام].
      وتوفي أسيد -رضي الله عنه- في عام (20 هـ)، وأصرَّ أمير المؤمنين
      عمر بن الخطاب أن يحمل نعشه على كتفه، ودفنه الصحابة بالبقيع بعد أن صلوا عليه، ونظر عمر في وصيته، فوجد أن عليه أربعة آلاف دينار، فباع ثمار نخله (البلح أو التمر) أربع سنين بأربعة آلاف، وقضى دينه. [البخاري وابن سعد].

      تعليق


      • #33
        رد: موسوعه الصحابة

        خادم الرسول
        أنس بن مالك
        إنه الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنه-وأمه الرميصاء أم سليم بنت ملحان الأنصارية -رضي الله عنها- وكانت أمه قد أتت به وهو ابن عشر سنين إلى النبي ( في المدينة، وقالت له: هذا غلام يخدمك. فقبله النبي (، وكنَّاه أبا حمزة، ولازم الغلام رسول الله ( ملازمة شديدة، ما فارقه فيها أبدًا. وخدم أنس النبي ( عشر سنين، وشهد معه ثماني غزوات، وصلى معه إلى القبلتين.
        وامتلأ قلب أنس بحب النبي (، فها هو ذا يقول: ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي (يقصد رسول الله (). وقد أحبت أسرة أنس رسول الله ( حبًّا شديدًا، وكانت لأسرته في قلب رسول الله ( منزلة خاصة، فأمه أم سليم، وخالته أم حرام بنت ملحان، وعمه أنس بن النضر بطل أحد، وعمته الربيع بنت النضر.
        وكان أنس يحفظ سر رسول الله (، فها هو ذا -رضي الله عنه- يقول: أسر إليَّ رسول الله ( سرًا فما أخبرت به أحدًا بعد، ولقد سألتني عنه أم سليم فما أخبرتها به. وكان النبي ( يحب أنسًا ويقربه إليه ويمازحه، فلقد قال له يومًا: (ياذا الأذنين) [أبو داود والترمذي].
        واشتهر أنس -رضي الله عنه- بالعلم والفقه والتبحر في علوم الدين، وروى كثيرًا من أحاديث الرسول ( ، وما يدل على علمه الغزير أنه قال لثابت البناني: يا ثابت خذ عني، فإنك لن تأخذ عن أحد أوثق مني، إني أخذته عن رسول الله ( عن جبريل، وأخذه جبريل عن الله.
        وشارك أنس -رضي الله عنه- في حروب الردة في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وقد استخدمه أبو بكر -رضي الله عنه- في جمع الصدقات، فدخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فاستشاره أبو بكر فقال عمر: ابعثه فإنه لبيب كاتب. وكان -رضي الله عنه- ممن حضر موقعة اليمامة، وشهد الفتوحات في عهد عمر، وعثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم-.
        وكان لأنس بن مالك -رضي الله عنه- فضائل كثيرة، فقد روى ثابت البناني قوله: كنت مع أنس فجاء قهرمانه (حاجبه) فقال: يا أبا حمزة، عطشت أرضك، فقام أنس فتوضأ وخرج إلى البرية، فصلى ركعتين ثم دعا، قال ثابت: فرأيت السحاب تلثم ثم أمطرت حتى ملأت كل شيء، فلما سكن المطر بعث أنس بعض أهله فقال له: انظر أين بلغت السماء؟ فنظر فلم تجاوز أرضه إلا يسيرًا، وكان ذلك في الصيف.
        وكان يحب الستر على المسلمين، فيروى أن صالح بن كرز جاء بجارية له زنت إلى الحكم بن أيوب، وبينما هو جالس إذ جاء أنس بن مالك -رضي الله عنه- فجلس فقال: يا صالح ما هذه الجارية معك؟ فقال صالح: جارية لي بغت فأردت أن أرفعها إلى الإمام ليقيم عليها الحد، فقال: لا تفعل، رد جاريتك، واتق الله، واستر عليها، فقال صالح: ما أنا بفاعل، فقال أنس: لا تفعل وأطعني، فلم يزل يراجعه حتى ردها.
        وفي عهد عبد الملك بن مروان، لقى أنس بعض الأذى من الحجاج بن يوسف الثقفي، فاشتكاه أنس إلى عبد الملك وقال: لو أن اليهود رأوا خادم نبيهم لأكرموه، وأنا خدمت رسول الله ( عشر سنين، فبعث
        عبد الملك بن مروان إلى الحجاج يعنفه ويزجره، ويأمره أن يذهب إلى أنس ويقبل يديه ورجليه.
        وقد ضعف أنس في آخر أيامه، ولم يعد يستطيع الصوم فأحضر طعامًا وأطعم ثلاثين مسكينًا، ولما مرض سأله أهله أن يأتوا له بطبيب فقال لهم: الطبيب أمرضني. وقال وهو يحتضر: لقنوني لا إله إلا الله.
        وتوفي أنس -رضي الله عنه- بالبصرة في أوائل التسعينيات من القرن الأول الهجري، وعمره يقترب من المائة، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله ( بالبصرة، ولما مات قال أهل البصرة: ذهب اليوم نصف العلم، وذلك لأنهم كانوا يرجعون إليه في كل ما اختلفوا فيه من حديث رسول الله (.

        تعليق


        • #34
          رد: موسوعه الصحابة

          المجاهد
          أبو أيوب الأنصاري
          إنه أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد -رضي الله عنه-، حفيد مالك بن النجار، وأمه هند بنت سعيد، آخى الرسول ( بينه وبين مصعب بن عمير، شهد بيعة العقبة الثانية.
          وعندما وصل رسول الله ( إلى أرض النصرة والإيمان مختتمًا رحلته الطويلة التي هاجر فيها من مكة إلى المدينة، وصار وسط جموع المسلمين التي خرجت لاستقباله، وتزاحم الناس حول زمام ناقته، كل يريد أن يستضيف رسول الله (، والنبي ( يقول لهم: (خلوا سبيلها، فإنها مأمورة) [البيهقي].
          ويمضي موكب رسول الله ( ويصل إلى حي بني ساعدة، فحي بني الحارث، فحي بني عدي، ويخرج من كل حي من يعترض طريق الناقة آملاً أن يسعدوا بنزول رسول الله ( في ديارهم، وفي كل مرة يجيبهم النبي ( (خلوا سبيلها، فإنها مأمورة) [البيهقي].
          إن قدر الله -عز وجل- هو الذي يتحكم في اختيار مكان نزول النبي ( حيث سيكون لهذا المكان مكانته العظيمة، ففوق أرضه سيقام المسجد الذي تنطلق منه أشعة الهدى والنور؛ لتضيء الدنيا بأسرها، وبجوار هذا المسجد سيقيم النبي ( في حجرات متواضعة.
          وأمام دار مالك بن النجار بركت الناقة، ثم نهضت وطوَّفت بالمكان، ثم عادت إلى مكانها الأول، ونزل رسول الله ( متفائلا، وتقدم أحد المسلمين، وقد عمرت الفرحة قلبه، فحمل متاع الرسول ( وأدخله بيته، ثم دعا رسول الله ( للدخول.
          وكان بيت أبي أيوب مالك بن دينار طابقين، فاختار رسول الله ( الطابق الأسفل ليكون محل إقامته، وصعد أبو أيوب إلى الدور العلوي ولكنه لم ينم تلك الليلة، لأنه لم يستطع أن يتخيل نفسه وهو نائم في مكان أعلى من المكان الذي ينام فيه الرسول (. وفي الليل سال الماء في غرفته، فقام هو وزوجته أم أيوب ينظفانه خشية أن يصل إلى رسول الله ( منه شيء.
          وفي الصباح ذهب أبو أيوب إلى النبي ( وأخذ يلح عليه ويرجوه أن ينتقل إلى الطابق العلوي، فاستجاب النبي ( لرجائه، وظل الرسول ( في بيت أبي أيوب حتى انتهى من بناء المسجد، وبناء حجرة له بجواره.
          وكان -رضي الله عنه- محبًّا للجهاد في سبيل الله، فمنذ أن حضر بيعة العقبة الثانية وحتى منتصف القرن الأول الهجري وهو يعيش في جهاد متواصل، لا يغيب عن حرب، ولا يتكاسل عن غزو، وشهد مع رسول الله ( بدرًا وأحدًا والخندق، والغزوات كلها، وحتى بعد وفاة النبي ( لم يتخلف عن غزوة كُتب للمسلمين أن يخوضوها إلا غزوة قد أمَّر فيها على الجيش شاب لم يقنع أبو أيوب بإمارته، فقعد ولم يخرج معهم، ولكنه ما لبث أن ندم على موقفه هذا وقال: ما خبرني مَنْ استُعمِلَ عليّ؟ ثم خرج فلحق بالجيش.
          ورغم أن عمره تجاوز الثمانين عامًا إلا أنه ما كاد يسمع منادى الجهاد يحثُّ المسلمين على الخروج لفتح القسطنطينية (إستامبول الآن) حتى حمل سيفه على عاتقه قائلا: أمرنا الله -عز وجل- أن ننفر في سبيله على كل حال، فقال تعالى: {انفروا خفافًا وثقالاً} [التوبة: 41].
          وفي هذه المعركة أصيب أبو أيوب، فذهب قائد الجيش يزيد بن معاوية يعوده، وقال له: ما حاجتك أبا أيوب؟ فقال: إذا أنا مت فاحملوني إلى أرض العدو ثم ادفنوني، ثم قال لهم: أما إني أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله ( سمعته يقول: (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) [متفق عليه]. وبالفعل كان له ما أراد، فلما كان الصباح قالت الروم للمسلمين: لقد كان لكم الليل شأن عظيم، فقالوا: هذا رجل من أكابر أصحاب نبينا (، وأقدمهم إسلامًا، قد دفناه حيث رأيتم، والله لئن نُبِشَ قبره لا يُضْرَب لكم ناقوس أبدًا (شعائر عبادتهم) في أرض العرب ما كانت لنا دولة، فكان الروم يتعاهدون قبره، ويزورونه.
          وكان -رضي الله عنه- زاهدًا ورعًا لا يحب البذخ أو الترف، فقد دخل يومًا بيتًا من بيوت المسلمين فوجد أصحابه قد زينوه بالستائر فطأطأ رأسه ناكرًا لفعلهم، وتركهم وقفل راجعًا، وكان واحدًا من رهبان الليل وفرسان النهار، عشق الجهاد، وتمنى الشهادة.
          وظل هكذا حتى لقى ربه بعد حياة طويلة شاقة قضاها جنديًّا من جنود الله الذين لم يرضوا لأنفسهم الركون إلى الدنيا، وخرجوا بأنفسهم وأموالهم فاتحين بلاد المشرق والمغرب، ليُخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وليسعدوا جميعًا بالإسلام في الأرض.

          1

          تعليق


          • #35
            رد: موسوعه الصحابة

            ساقي الحرمين
            العباس بن عبد المطلب
            إنه العبَّاس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- عم رسول الله (، كان من أكرم الناس وأجودهم، قال عنه رسول الله (: (هذا العباس أجود قريش كفًّا، وأوصلها) [أحمد]. ويروى أنه أعتق عند وفاته سبعين عبدًا.
            وكان النبي ( يحبه حبًّا شديدًا، ويقول (: من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه (أي مثل أبيه)) [الترمذي]. وقد كان العباس أكبر سنًّا من النبي (، فقد ولد قبله بثلاث سنين، ومن حسن أدبه أنه لما سُئل: أأنت أكبر أم رسول الله؟ قال: هو أكبر، وأنا ولدت قبله) [الطبراني].
            وكان العباس من سادة قريش، وكان يتعهد المسجد الحرام، فيسقي الحجاج ويقوم بخدمتهم، وقد ورث ذلك عن أبيه عبد المطلب، وكان قبل إسلامه شديد الحب لرسول الله (، ويقف بجانبه، ويدفع عنه أذى المشركين، وحضر مع النبي ( بيعة العقبة الثانية، ليطمئن عليه ( وهو لم يعلن إسلامه بعد، فلما التقوا، وتواعدوا على أن يكون اللقاء في اليوم التالي، كان العباس أول من أتى، فبايع الأنصار رسول الله ( على النصرة والبيعة، والعباس آخذ بيده. [ابن سعد].
            فلما كانت غزوة بدر، أمر الرسول ( المسلمين بأن لا يقتلوا العباس لأنه خرج مستكرهًا، وبعد المعركة استطاع أبو اليسر -رضي الله عنه- أن يأسر العباس، فلما أحضره إلى النبي ( سأله رسول الله كيف أسرته؟ قال أبو اليسر: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد هيئته كذا، فقال رسول الله (: (لقد أعانك عليه ملك كريم).
            [ابن هشام وابن سعد].
            وقد خشى النبي ( على عمه، وخاف أن يقتله الأنصار، فأمر عمر أن يأتيهم ويأتي بالعباس إليه، فلبَّتْ الأنصار أمر نبيهم، وتركوا العباس، فقال العباس: يا رسول الله، إني كنت مسلمًا. فنزل قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم} [الأنفال: 70].
            ويروى أن رجلا من الأنصار سبَّ أبا للعباس كان في الجاهلية، فغضب العباس ولطمه، فجاء الأنصاري إلى قومه، فقالوا: والله لنلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح. فبلغ ذلك النبي ( فصعد المنبر، وقال: (أيها الناس، أي أهل الأرض أكرم على الله؟) قالوا: أنت. قال: (فإن العباس مني وأنا منه، لا تسبُّوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا). فجاء القوم فقالوا: نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله. [أحمد وابن سعد والحاكم].
            وقد أسلم العباس -رضي الله عنه- قبل فتح مكة، وحضر الفتح، وهو الذي طلب الأمان لأبي سفيان بن حرب، وكان سببًا في إيمانه، واشترك -رضي الله عنه- بعد ذلك في فتوح المسلمين، وكان يوم حنين ممسكًا بلجام بغلة النبي (، وكان ممن التفَّ حول الرسول ( يدافع عنه بعد أن فرَّ أغلب المسلمين، وأخذ العباس ينادى مع رسول الله ( على المسلمين حتى ثبتوا، وأنزل الله عليهم سكينته، وكان النصر العظيم في ذلك اليوم. [مسلم].
            وعندما خرج الرسول ( ومعه أصحابه إلى أهل الطائف، عسكر بجيشه في مكان قريب منها، ثم بعث إليهم حنظلة بن الربيع -رضي الله عنه- ليكلمهم، فلما وصل إليهم خرجوا وحملوه ليدخلوه حصنهم ويقتلوه، فلما رأى الرسول ( ذلك، خاف على حنظلة، ونظر إلى أصحابه يحثهم على إنقاذه، وقال: (مَن لهؤلاء؟ وله مثل أجر غزاتنا هذه) [ابن عساكر]. فلم يقم أحد من الصحابة إلا العباس الذي أسرع ناحية الحصن حتى أدرك حنظلة، وقد كادوا أن يدخلوه الحصن، فاحتضنه وخلصه من أيديهم فأمطروه بالحجارة من داخل الحصن، فجعل النبي ( يدعو له حتى وصل إليه ومعه حنظلة، وقد نجا من هلاك محقق.
            وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أجدبت الأرض وأصابها الفقر الشديد، فخرج الناس إلى الصحراء ومعهم عمر والعباس، فرفع عمر بن الخطاب يديه إلى السماء، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإن نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. [البخاري].
            فلما استسقى عمر بالعباس، قام العباس ورفع يديه إلى ربه وقال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث. ولم يكد العباس ينهي دعاءه حتى امتلأت السماء بالغيوم والسحاب، وأنزل الله غيثه، فانطلق الناس يهنئون العباس، ويقولون له: هنيئًا لك ساقي الحرمين.
            وكان للعباس مكانة كبيرة في قلوب المسلمين، وعظماء الصحابة، فيروى أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- كان جالسًا بجانب النبي ( فرأى العباس مقبلاً، فقام أبو بكر له وأجلسه مكانه بجوار رسول الله (، فقال النبي ( لأبي بكر: (إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهلُ الفضل) [ابن عساكر].
            وكان أبو بكر إذا قابل العباس نزل من على دابته، وسار معه احترامًا وإكرامًا له حتى يصل العباس إلى المكان الذي يريده، وكان علي بن أبي طالب يقبل يد العباس ويقول له: يا عم، ارض عني.
            وقد كان للعباس ولدان، هما عبد الله بن عباس حَبرْ الأمة، وعبيد الله بن عباس. وتوفي العباس سنة (32هـ)، ودفن بالبقيع، وكان عمره (88) عامًا، وصلى عليه عثمان -رضي الله عنه-.

            تعليق


            • #36
              رد: موسوعه الصحابة

              حكيم الأمة
              أبو الدرداء الأنصاري
              إنه الصحابي الجليل أبو الدرداء عويمر بن قيس بن عامر الخزرجي الأنصاري
              -رضي الله عنه-، أسلم في غزوة بدر، وقيل إنه آخر مَنْ أسلم من الأنصار.
              ومما يروى في قصة إسلامه، أنه كان عنده صنم في داره، وذات يوم دخل عليه عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة، فشاهدا الصنم فكسراه إلى قطع صغيرة، فبدأ أبو الدرداء يجمع القطع المتناثرة من أحجار الصنم، وهو يقول للصنم: ويحك! هلا امتنعت ألا دافعت عن نفسك؟ فقالت زوجته أم الدرداء: لو كان ينفع أو يدفع عن أحد لدفع عن نفسه ونفعها.
              فقال أبو الدرداء أعدي لي ماءً في المغتسل، ثم قام فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي (، فنظر إليه ابن رواحة مُقبلا، فقال: يا رسول الله، هذا أبو الدرداء، وما أراه إلا جاء في طلبنا. فأخبره رسول الله ( أن أبا الدرداء إنما جاء ليسلم، وأن الله وعد رسوله بأن يسلم أبو الدرداء، وبالفعل أعلن أبو الدرداء إسلامه، فكان من خيرة الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-.
              وشهد أبو الدرداء مع رسول الله ( غزوة أحد وغيرها من المشاهد، وعرف -رضي الله عنه- بالعفو والسماحة، ويحكى أن رجلا قال له ذات مرة قولاً جارحًا، فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه، فعلم بذلك
              عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فغضب وذهب إلى أبي الدرداء وسأله عما حدث فقال: اللهم غفرانًا، أوكل ما سمعنا منهم نأخذهم به (أي نعاقبهم ونحاسبهم عليه)؟!
              وكان أبو الدرداء تاجرًا مشهورًا، فلما أسلم تفرغ للعلم والعبادة، وقال: أردت أن أجمع بين التجارة والعبادة، فلم يستقم، فتركت التجارة وأقبلت على العبادة. ووصف بالشجاعة، حتى قيل عنه: نعم الفارس عويمر. وكان ينطق بالحكمة، فقيل عنه: حكيم الأمة عويمر.
              وكان لأبي الدرداء ثلاثمائة وستون صديقًا، فكان يدعو لهم في الصلاة، ولما سئل عن ذلك قال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به مَلَكيْن يقولان، ولك بمثل، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة؟!
              وحفظ أبو الدرداء القرآن في حياة الرسول (، وكان ابن عمر يقول لأصحابه: حدثونا عن العاقلين: معاذ بن جبل وأبي الدرداء.
              وكان من العابدين الزاهدين، وقد زاره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في بيته فلم ير فيه غير فراش من جلد، وكساء رقيق لا يحميه من البرد، فقال له: رحمك الله، ألم أوسع عليك؟ فقال له أبو الدرداء: أتذكر حديثًا حدثناه رسول الله (؟ قال عمر: أي حديث؟ قال: (ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب) [الترمذي]. قال: نعم، قال أبو الدرداء: فماذا فعلنا بعده يا عمر؟
              وحرص أبو الدرداء -رضي الله عنه- على العلم، وكان حرصه على العمل بما يعلم أقوى وأشد، وكان ملازمًا للنبي ( حتى قال عنه الصحابة: أتْبَعُنَا للعلم والعمل أبو الدرداء.
              وكان يقول: لن تكون عالمًا حتى تكون متعلمًا، ولن تكون متعلمًا حتى تكون بما علمت عاملاً، إن أخوف ما أخاف إذا وقفت للحساب أن يقال لي: ما عملت فيما علمت؟، وقال: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات.
              وكان -رضي الله عنه- يعلِّم الناس القرآن الكريم وسنة رسول الله (، ويحثهم على طلب العلم، ويأخذ بأيديهم إلى الصواب، فيقول لهم: ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهَّالكم لا يتعلمون؟! تعلموا فإن العالم والمتعلم شريكان في الأجر.
              وذات يوم مرَّ أبو الدرداء على أناس يضربون رجلاً ويسبونه، فقال لهم: ماذا فعل؟ فقالوا: أذنب ذنبًا، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في بئر أكنتم تستخرجونه منها؟ قالوا: نعم نستخرجه، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم، فقالوا له: ألا تبغضه وتكرهه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
              ويروى أنه كان مع المسلمين في قبرص، ففتحها الله على المسلمين، وغنموا خيرًا كثيرًا، وكان أبو الدرداء واقفًا مع جبير بن نفير، فمرَّ عليه السبي والأسرى، فبكى أبو الدرداء، فقال له جبير: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟! فقال أبو الدرداء: يا جبير، بينما هذه الأمة قاهرة ظاهرة إذ عصوا الله فلقوا ما ترى! ما أهون العباد على الله إذ هم عصوا!
              ويحكى أن يزيد بن معاوية تقدم ليخطب ابنة أبي الدرداء فردَّه، فأعاد يزيد طلبه، فرفض أبو الدرداء مرة ثانية، ثم تقدم لخطبتها رجل فقير عرف بالتقوى والصلاح، فزوجها أبو الدرداء منه، فتعجب الناس من صنيعه، فكان رده عليهم: ما ظنَّكم بابنة أبي الدرداء إذا قام على رأسها الخدم والعبيد وبهرها زخرف القصور، أين دينها يومئذ؟! وكان يقول: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك، وأن تبارى (تنافس) الناس في عبادة الله تعالى.
              وعاش أبو الدرداء حياة بسيطة يملؤها الزهد والتواضع حتى جاءته ساعة الموت، فقال عند احتضاره: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ وكان يقول: من أكثر ذكر الموت قل فرحه، وقل حسده. وقد توفي سنة
              (32هـ) في خلافة عثمان بن عفان.

              تعليق


              • #37
                رد: موسوعه الصحابة

                صاحب سر رسول الله
                حذيفة بن اليمان
                إنه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، كان يكنَّى أبا عبد الله، دخل هو وأبوه اليمان في دين الإسلام، وحاَلفَ أبوه بني عبد الأشهل من الأنصار، وعندما توجها إلى المدينة أخذهما كفار قريش، وقالوا لهما: إنكما تريدان محمدًا، فقالا: ما نريد إلا المدينة، فأخذ المشركون عليهما عهدًا أن ينصرفا إلى المدينة، ولا يقاتلا مع النبي (، فلما جاءت غزوة بدر أخبرا النبي ( بعهدهما مع المشركين، فقال لهما النبي (: (انصرفا نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم) [مسلم].
                وشارك حذيفة وأبوه في غزوة أحد، وأثناء القتال، نظر حذيفة إلى أبيه، فرأى المسلمون يريدون قتله ظنًّا منهم أنه من المشركين، فناداهم حذيفة يريد أن ينبههم قائلاً: أي عباد الله! أبي، فلم يفهموا قوله حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، وأراد النبي ( أن يعطيه دية لأبيه، ولكن حذيفة تصدق بها على المسلمين.
                وفي غزوة الأحزاب، حيث كان المشركون متجمعين حول المدينة، أراد الرسول ( أن يعرف أخبارهم، وطلب من الصحابة أن يقوم رجل
                منهم ويتحسس أخبارهم، قائلاً: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع، أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟) فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع وشدة البرد، قال حذيفة: فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله ( فلم يكن لي بد من القيام حيث دعاني، فقال: (يا حذيفة، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تُحْدِثَنَّ شيئًا
                حتى تأتينا).
                فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء، فقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه؟ قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، فارتحلوا إني مرتحل. وعاد حذيفة إلى النبي ( وأخبره بما حدث.
                وذات يوم دخل حذيفة المسجد فوجد الرسول ( يصلي، فوقف خلفه يصلي معه، فقرأ النبي ( سورة الفاتحة ثم البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة واحدة، وإذا مَرَّ النبي ( بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ استعاذ...)_[مسلم].
                وقد استأمنه الرسول ( على سرِّه، وأعلمه أسماء المنافقين، فكان يعرفهم واحدًا واحدًا، وكان عمر ينظر إليه إذا مات أحد من المسلمين، فإذا وجده حاضرًا جنازته علم أن الميت ليس من المنافقين فيشهد الجنازة، وإن لم يجده شاهدًا الجنازة لم يشهدها هو الآخر. وقال علي -رضي الله عنه-: كان أعلم الناس بالمنافقين، خَيَّرَه رسول الله ( بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة.
                ودخل حذيفة المسجد ذات مرة فوجد رجلا يصلي ولا يحسن أداء الصلاة، ولا يتم ركوعها ولا سجودها، فقال له حذيفة: مُذْ كم هذه صلاتك؟ فقال الرجل: منذ أربعين سنة، فأخبره حذيفة أنه ما صلى صلاة كاملة منذ أربعين سنة، ثم أخذ يعلِّمه كيف يصلي.
                وكان حذيفة فارسًا شجاعًا، وحينما استشهد النعمان بن مقرن أمير جيش المسلمين في معركة نهاوند، تولى حذيفة القيادة، وأخذ الراية وتم للمسلمين النصر على أعدائهم، وشهد فتوح العراق وكان له فيها مواقف عظيمة.
                وعرف حذيفة بالزهد، فقد أرسل إليه عمر مالاً ليقضي به حاجته، فقسم حذيفة هذا المال بين فقراء المسلمين وأقاربه، وأرسله عمر أميرًا على المدائن، وكتب لأهلها أن يسمعوا لحذيفة، ويطيعوا أمره، ويعطوه ما يسألهم، وخرج حذيفة متوجهًا إلى المدائن، وهو راكب حمارًا، وبيده قطعة من اللحم، فلما وصل إلى المدائن قال له أهلها: سلنا ما شئت. فقال حذيفة: أسألكم طعامًا آكله، وعلف حماري ما دمت فيكم. وظل حذيفة على هذا الأمر، لا يأخذ من المال قليلاً ولا كثيرًا إلا ما كان من طعامه وعلف حماره.
                وأراد عمر أن يرى حال حذيفة وما أصبح فيه، فكتب إليه يطلب قدومه إلى المدينة، ثم اختبأ في الطريق حتى يرى ماذا جمع؟ فرآه على نفس الحال التي خرج بها، فخرج إليه فرحًا سعيدًا يقول له: أنت أخي وأنا أخوك. وكان عمر يقول: إني أتمنى أن يكون ملء بيتي رجالا مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان أستعملهم في طاعة الله.
                وكان حذيفة -رضي الله عنه- يحب العزلة ويقول: لوددت أن لي مَنْ يصلح من مالي (يدير شئونه)، وأغلق بابي فلا يدخل عليَّ أحد، ولا أخرج إليهم حتى ألحق بالله.
                وذات مرة غضب الناس من أحد الأمراء، فأقبل رجل إلى حذيفة في المسجد فقال له: يا صاحب رسول الله ( ألا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فرفع حذيفة رأسه، وعرف ما يريد الرجل، ثم قال له: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحسن، وليس من السنة أن تشهر (ترفع) السلاح على أميرك. وقد سئل: أي الفتنة أشد؟ فقال: أن يعرض عليك الخير والشر، فلا تدري أيهما تركب. وقال لأصحابه: إياكم ومواقف الفتن، فقيل له، وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه. وتُوفي -رضي الله عنه- سنة (36هـ).

                تعليق


                • #38
                  رد: موسوعه الصحابة

                  صاحب العمامة الحمراء
                  أبو دجانة الأنصاري
                  إنه الصحابي الجليل أبو دجانة الأنصاري، واسمه سِمَاك بن أوس بن خرشة، أسلم وآمن بالله ورسوله (، وقد آخى الرسول ( بينه وبين عتبة بن غزوان، وكان شديد الحب لله ولرسوله (، كثير العبادة، اشترك في غزوة بدر وحضر المعارك مع رسول الله (، وأبلى فيها بلاء حسنًا.
                  وقف يوم أحد إلى جانب فرسان المسلمين، يستمع إلى رسول الله ( وهو يعرض عليهم سيفه، قائلا: (من يأخذ مني هذا؟) فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا ..أنا، فقال رسول الله (: (فمن يأخذه بحقه؟)، فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه أبو دجانة، ففلق به هام المشركين (أي شق رءوسهم) [مسلم].
                  وأخذ أبو دجانة عصابته الحمراء وتعصب بها، فقال الأنصار من قومه: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، ثم نزل ساحة المعركة، وهو ينشد:
                  أَنَا الذي عَاهَدَنِي خَلِيــلِي وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيــلِ
                  أَنْ لا أُقِيمَ الدَّهرَ في الكبُولِ أَضــْرِبُ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ
                  وأخذ يقتل المشركين، ويفلق رءوسهم بسيف الرسول ( حتى بدأ النصر يلوح للمسلمين، فلما ترك الرماة أماكنهم، وانشغلوا بجمع الغنائم، عاود المشركون هجومهم مرة أخرى، ففر كثير من المسلمين، وثبت بعضهم يقاتل حول رسول الله (، منهم أبو دجانة الذي كان يدفع السهام عن رسول الله ( بعدما رأى كتائب المشركين تريد الوصول إليه، فتصدى لهم بكل ما أوتى من قوة؛ أملا في الحصول على الشهادة.
                  ومات الرسول ( وهو راض عنه، فواصل جهاده مع خليفته
                  أبي بكر الصديق، وشارك في حروب الردة، وكان في مقدمة جيش المسلمين الذاهب إلى اليمامة لمحاربة مدعى النبوة مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة، وقاتل قتال الأسد حتى انكشف المرتدون، وفروا إلى حديقة مسيلمة، واختفوا خلف أسوارها وحصونها المنيعة، فألقى المسلمون بأنفسهم داخل الحديقة وفي مقدمتهم أبو دجانة، ففتح الحصن، وحمى القتال، فكسرت قدمه، ولكنه لم يهتم، وواصل جهاده حتى امتلأ جسده بالجراح، فسقط شهيدًا على أرض المعركة، وانتصر المسلمون، وفرحوا بنصر الله، وشكروا لأبي دجانة صنيعه من تضحية وجهاد لإعلاء كلمة الله.

                  تعليق


                  • #39
                    رد: موسوعه الصحابة

                    أصغر النقباء
                    أسعد بن زرارة
                    إنه أبو أمامة أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنه-، أول من قدم المدينة بالإسلام، ويروى أنه أول من صلى الجمعة بها مع أربعين من أصحابه.
                    وكان قد خرج مع صاحب له يدعى ذكوان بن عبد القيس إلى مكة يتحاكمان إلى عتبة بن ربيعة وكانا قد اختلفا فيما بينهما، فلما وصلا إلى مكة، وسمعا برسول الله ( ذهبا إليه، فعرض عليهما الإسلام، وتلا آيات من القرآن الكريم، فأسلما، ولم يقربا عتبة بن ربيعة، ثم رجعا إلى المدينة فكانا أول من قدم بالإسلام إلى المدينة [ابن سعد].
                    شهد بيعة العقبة الأولى والثانية، وكان أول من بايع النبي (، واختاره رسول الله ( نقيبًا على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر سنًّا منه.
                    وعن أم زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة -قبل مقدم النبي (- يصلي بالناس الصلوات الخمس، يجمع بهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل ابني رافع. قالت: فانظر إلى رسول الله (، لما قدم في ذلك المسجد وبناه، فهو مسجده اليوم (أي مسجد الرسول () [ابن سعد].
                    وكان -رضي الله عنه- كريمًا، وقد استضاف مصعب بن عمير -رضي الله عنه- عندما بعثه الرسول ( إلى المدينة؛ ليعلم أهلها الإسلام، وجلس مصعب وأسعد في أحد بساتين بني عبد الأشهل، فالتفَّ حولهما الناس، وأخذا يدعوان الناس إلى الإسلام فأسلم على يديهما جمع كبير من بني عبد الأشهل ووقف أسعد ابن زرارة -رضي الله عنه- مواقف بطولية تدل على نبل أخلاقه، وصدق إيمانه، وعظمة حبه لله ورسوله (.
                    وعندما مرض أسعد بن زرارة، وعلم النبي ( بمرضه، ذهب يزوره، فوجده مريضًا بالذبحة (وجع في الحلق)، ثم مات -رضي الله عنه- في السنة الأولى للهجرة والرسول ( يبني مسجده، وصلى عليه الرسول ( وصحابته، ودفن بالبقيع، فكان -رضي الله عنه- أول صحابي من الأنصار يدفن بالبقيع. وقد أوصى أسعد ببناته إلى رسول الله (، وكن ثلاثًا، فكن في رعاية رسول الله ( وكفالته. [ابن سعد].

                    تعليق


                    • #40
                      رد: موسوعه الصحابة

                      الشهيد الصادق
                      أنس بن النضر
                      إنه الصحابي الجليل أنس بن النضر -رضي الله عنه-، عم أنس بن مالك خادم رسول الله (، وعلى اسمه يسمَّى، وينسب إلى بني النجَّار في المدينة.
                      وقد أحب أنس رسوله (، وظل مدافعًا عنه حتى آخر قطرة دم في جسده، ولم يعلم بخروج النبي ( لقتال المشركين يوم بدر، فحزن حزنًا شديدًا، ونذر نفسه للشهادة في سبيل الله ليعوض ما فاته من يوم
                      بدر.
                      وذهب إلى الرسول ( نادمًا أن فاتته غزوة بدر، فقال للنبي (: يا رسول الله، غبت عن قتال بدر، غبت عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين اللهُ ما أصنع، فلما كان يوم أحد، خرج أنس بن النضر مع المسلمين، وهو يتمنى أن يلقى الله شهيدًا في هذه الغزوة.
                      وبدأت المعركة وكان النصر حليف المسلمين إلى أن خالف الرماة أمر رسول الله (، وتحول النصر إلى هزيمة، وفر عدد كبير من المسلمين، ولم يثبت مع النبي ( سوى نفر قليل، فلما رأى أنس بن النضر
                      -رضي الله عنه- ذلك المشهد تذكَّر على الفور وعده لله تعالى، وقوله للرسول (: لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع.
                      فانطلق يشق صفوف المشركين قائلاً: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (يعنى أصحابه) وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء (يعنى المشركين)، ثم تقدم شاهرًا سيفه، فاستقبله سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد. وأخذ يقاتل ويضرب بسيفه يمينًا وشمالاً، حتى سقط شهيدًا على أرض المعركة، وبعد انتهاء القتال حكى سعد بن معاذ
                      -رضي الله عنه- للنبي ( ما صنعه أنس بن النضر، وقال: فما استطعت يا رسول الله ما صنع.
                      وقام الرسول ( وأصحابه ليتفقدوا شهداء أحد، ويتعرفوا عليهم، فوجدوا أنس بن النضر وبه بضعة وثمانون جرحًا ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وقد مثل به المشركون فلم يعرفه أحد إلا أخته الربيع بنت النضر بعلامة في أصابعه [البخاري]. وروى أن هذه الآية الكريمة {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23] نزلت في أنس بين النضر ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم.

                      تعليق


                      • #41
                        رد: موسوعه الصحابة

                        قاتل المائة
                        البراء بن مالك
                        إنه البراء بن مالك بن النضر -رضي الله عنه- أخو أنس بن مالك خادم رسول الله (، وأحد الأبطال الأقوياء، بايع تحت الشجرة، وشهد أحدًا وما بعدها من الغزوات مع رسول الله (، عاش حياته مجاهدًا في سبيل الله.
                        وكانت كل أمانيه أن يموت شهيدًا، وقتل بمفرده مائة رجل في المعارك التي شارك فيها، فقد دخل عليه أخوه أنس مرة وهو يتغنى بالشعر، فقد منحه الله صوتًا جميلا، فقال له: يا أخي، تتغنى بالشعر، وقد أبدلك الله به ما هو خير منه القرآن؟ فقال له: أتخاف عليَّ أن أموت على فراشي، لا والله، ما كان الله ليحرمني الشهادة في سبيله، وقد قتلت مائة بمفردي سوى من شاركت في قتله.
                        وشارك في حروب الردة، وأظهر فيها بطولة فائقة، أبهرت عقول من رآه، وها هو ذا يوم اليمامة يقف منتظرًا أن يصدر القائد خالد بن الوليد أمره بالزحف لملاقاة المرتدين، ونادى خالد: الله أكبر. فانطلقت جيوش المسلمين مكبرة، وانطلق معها عاشق الموت البراء بن مالك.
                        وراح يقاتل أتباع مسيلمة الكذاب بسيفه، وهم يتساقطون أمامه قتلى؛ الواحد تلو الآخر، ولم يكن جيش مسيلمة ضعيفًا، ولا قليلا، بل كان أخطر جيوش الردة، وقد تصدوا لهجوم المسلمين بكل عنف حتى كادوا يأخذون زمام المعركة، وتحولت مقاومتهم إلى هجوم، فبدأ الخوف يتسرب إلى صفوف المسلمين، فأسرع خالد بن الوليد إلى البراء بن مالك قائلا له: تكلم يا براء، فقام البراء، وصاح في المسلمين مشجعًا، ومحفزًا لهم على القتال، فقال: يا أهل المدينة، لا مدينة لكم اليوم، إنما هو الله وحده والجنة. وركب فرسه واندفع نحو الأعداء، ومعه المسلمون يقاتلون قتالا شديدًا حتى رجحت كفة المسلمين، واندفع المرتدون إلى الوراء هاربين، واحتموا بحديقة لمسيلمة ذات أسوار عالية .
                        ووقف المسلمون أمام الحديقة يفكرون في حيلة يقتحمون بها الحصن، فإذا بالبراء بن مالك، يقول: يا معشر المسلمين، ألقوني إليهم. فاحتمله المسلمون وألقوه في الحديقة، فقاتلهم حتى فتحها على المسلمين، ودخل المسلمون الحديقة، وأخذوا يقتلون أصحاب مسيلمة، وانتصر المسلمون إلا أن حلم البراء لم يتحقق، لقد ألقى بنفسه داخل الحديقة آملا أن يرزقه الله الشهادة، ولكن لم يشأ الله بعد.
                        ورجع البراء بن مالك وبه بضعة وثمانون جرحًا ما بين ضربة بسيف أو رمية بسهم، وحمل إلى خيمته ليداوى، وقام خالد بن الوليد على علاجه بنفسه شهرًا كاملا.
                        وعندما شُفي البراء من جراحات يوم اليمامة، انطلق مع جيوش المسلمين التي ذهبت لقتال الفرس، وفي إحدى حروب المسلمين مع الفرس لجأ الفرس إلى وسيلة وحشية حيث استخدموا كلاليب من حديد معلقة في أطراف سلاسل ملتهبة محماة بالنار، يلقونها من حصونهم، فترفع من تناله من المسلمين، وسقطت إحدى هذه الكلاليب على أنس بن مالك، فلم يستطع أنس أن يخلص نفسه، فرآه البراء، فأسرع نحوه، وقبض على السلسلة بيديه، وأخذ يجرها إلى أسفل حتى قطعت، ثم نظر إلى يديه فإذا عظامها قد ظهرت وذاب اللحم من عليها، وأنجى الله أنس بن مالك بذلك.
                        وظل البراء -رضي الله عنه- يقاتل في سبيل الله معركة بعد أخرى متمنيًا أن يحقق الله له غايته، وها هى ذي موقعة تُسْتُر تأتى ليلاقي المسلمون فيها جيوش الفرس، وتتحقق فيها أمنية البراء.
                        لقد تجمع الفرس واحتشدوا في جيش كثيف، وجاءوا من كل مكان للقاء المسلمين، وكتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أميريه على الكوفة والبصرة أن يرسل كل منهما جيشاً إلى الأهواز، والتقى الجيشان القادمان من الكوفة والبصرة بجيش الفرس في معركة رهيبة، وكان البراء أحد جنود المسلمين في تلك المعركة، وبدأت المعركة بالمبارزة كالعادة، فخرج البراء للمبارزة، والتحم الجيشان وتساقط القتلى من الفريقين، وكاد المسلمون أن ينهزموا.
                        فاقترب بعض الصحابة من البراء قائلين له: يا براء، أتذكر يوم أن قال الرسول ( عنك: (كم من أشعث أغبر ذى طمرين (ثوبين قديمين)، لا يؤبه له (لا يهتم به أحد) لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك؟) [الترمذي]. ثم طلب الصحابة منه أن يدعو الله لهم، فرفع البراء يده إلى السماء داعيًا: اللهم امنحنا أكتافهم، اللهم اهزمهم، وانصرنا عليهم، اللهم ألحقني بنبيك.
                        ثم انطلق فركب فرسه، وهجم على الفرس، وقتل أحد كبارهم، وفتح الله على المسلمين وانتصروا على الفرس، واستشهد البراء بن مالك في هذه المعركة بعد رحلة جهاد طويلة، قدم فيها البراء كل ما يملك في سبيل دينه، وكانت وفاته في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سنة (20هـ) رضي الله عنه وأرضاه.

                        تعليق


                        • #42
                          رد: موسوعه الصحابة

                          شهيد اليمامة
                          زيد بن الخطاب
                          إنه زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- أخو عمر بن الخطاب لأبيه، وكان أكبر منه سنًا، وأسلم قبله واستشهد قبله، وقد آخى النبي ( بينه وبين معن بن عدي العجلاني، وظلا معًا حتى استشهدا في اليمامة، وكان إيمانه بالله وبرسوله ( إيمانًا قويًّا، فلم يتخلف عن رسول الله ( في غزوة أو مشهد، شهد بدرًا وأحدًا والخندق وشهد بيعة الرضوان بالحديبية، وفي كل مرة يقابل فيها أعداء الإسلام كان يبحث عن الشهادة.
                          رآه أخوه عمر يوم أحد، وقد سقط الدِّرع عنه، وأصبح قريبًا من الأعداء، فصاح قائلا: خذ درعي يا زيد فقاتل به، فردَّ عليه زيد: إني أريد من الشهادة ما تريده
                          يا عمر، وظل يقاتل بغير درع في فدائية، ولكن الله لم يكتب له الشهادة في تلك الغزوة.
                          وبعد وفاة الرسول (، ارتدت كثير من قبائل العرب، فرفع الصديق لواء الجهاد في وجوه المرتدين حتى يعودوا إلى الإسلام، وكانت حرب اليمامة من أشد حروب الردة، ودارت رحاها بين المسلمين وبين جيوش مسيلمة الكذاب، وكاد المسلمون أن ينهزموا بعد أن سقط منهم شهداء كثيرون، فلما رأى زيد ذلك، صعد على ربوة وصاح في إخوانه: يا أيها الناس، عضوا على أضراسكم، واضربوا عدوكم، وامضوا قدمًا، ثم رفع بصره إلى السماء
                          وقال: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة وأصحابه. ثم نذر ألا يكلم أحدًا حتى يقضي الله بين المسلمين وأعدائهم فيما هم فيه مختلفون، ثم قال: والله لا أتكلم اليوم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله، فأكلمه بحجتي.
                          ثم أخذ سيفه، وقاتل قتالا شديدًا، وعمد إلى الرجَّال بن عنفوة قائد جيوش مسيلمة وقتله، وكانت أمنيته أن يقتل هذا المرتد، وظل يضرب في أعداء الله حتى رزقه الله الشهادة.
                          فحزن المسلمون لموت زيد حزنًا شديدًا، وكان أشدهم حزنًا عليه أخوه عمر الذي قال حينما علم بموته: رحم الله زيدًا سبقني إلى الحسنيين، أسلم قبلي، واستشهد قبلي. وكان دائمًا يقول: ما هبت الصبا إلا وجدت منها ريح زيد، وها هو ذا يقول لمتمم بن نويرة: لو كنت أحسن الشعر لقلت في أخي زيد مثل ما قلت في أخيك مالك، وكان متمم قد رثى أخاه مالكًا بأبيات كثيرة، فقال متمم، ولو أن أخي ذهب على ما ذهب عليه أخوك ما حزنت عليه، فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به.

                          تعليق


                          • #43
                            رد: موسوعه الصحابة

                            خطيب قريش
                            سهيل بن عمرو
                            إنه الصحابي الجليل سهيل بن عمرو -رضي الله عنه-، كان من أشراف قريش وسادتها، وكان خطيبًا مفوهًا، يخطب في أهل مكة؛ ليحرضهم على عداوة النبي ( وأصحابه، وحارب سهيل في صفوف الشرك في غزوة بدر الكبرى، وهو الذي قال: لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضًا على خيل بلق (أي بها سواد وبياض)، بين السماء والأرض، معلمين، يقاتلون، ويأسرون، يقصد الملائكة التي أنزلها الله لتقاتل مع المسلمين مشركي قريش.
                            وظل سهيل بن عمرو على عناده وكفره حتى خرج النبي ( وأصحابه قاصدين الحج إلى بيت الله الحرام، وعندما علمت قريش انتدبت بعض رجالها ليفاوضوا النبي ( وكان آخرهم سهيل بن عمرو، وتم صلح الحديبية الذي كان فيه سهيل بن عمرو نائبًا وخطيبًا عن قريش، فلما رآه رسول الله ( قال للمسلمين: (قد سهل لكم من أمركم) [البخاري].
                            وقال سهيل للنبي (: هات اكتب بيننا وبينكم كتابًا. فنادى رسول الله ( علي بن أبي طالب وقال له اكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل: أما الرحمن، فوالله ما أدرى ما هي ولكن اكتب: باسمك اللهم، كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي (: (اكتب باسمك اللهم)، فكتبها عليُّ، ثم قال رسول الله (: (اكتب: هذا ما قاض عليه محمد رسول الله) فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال رسول الله (: (والله إني لرسول الله وإن كذبتموني)، وقال للكاتب: (اكتب محمد بن عبد الله) [البخاري].
                            وروى أنه لما فتح رسول الله ( مكة دخل سهيل داره وأغلق عليه بابه، ثم أرسل ابنه عبد الله بن سهيل -وكان مسلمًا- إلى النبي ( يطلب منه الأمان لأبيه، فذهب عبد الله إلى النبي ( وقال له: يا رسول الله: أبي تؤمنه؟ فقال رسول الله (: (نعم هو آمن بأمان الله، فليظهر)، ثم قال النبي ( لمن حوله من المسلمين: (من لقى منكم سهيلا فلا يشدُّ إليه النظر، فليخرج، فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام) [ابن عساكر].
                            ففرح بذلك عبد الله وأسرع عائدًا إلى أبيه يخبره بما قاله رسول الله ( فسرَّ سهيل بما سمع، وقال: كان والله برًّا صغيرًا وكبيرًا (يقصد النبي ()، ثم خرج من بيته يغدو ويروح لا يتعرض له أحد. وخرج سهيل مع رسول الله ( والمسلمين إلى حنين وهو مازال على شركه، واشترك معهم في القتال، وانتصر المسلمون، فلما عاد المسلمون أعلن إسلامه، فسعد بذلك الرسول ( والمسلمون، وأعطاه من غنائم حنين مائة من الإبل.
                            وقد حسن إسلامه، وأصبح كثير العبادة، وأصبح محبًا لله ورسوله، ومكث بمكة يقيم فيها شعائر ربه، ويرفع فيها راية الإسلام خفاقة عالية، حتى إذا جاء نبأ وفاة النبي ( هاج المسلمون في مكة، وهم بعضهم أن يرتد عن الإسلام، فتدارك سهيل بن عمرو الموقف، ووقف خطيبًا في أهل مكة، فتلا قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144]. ثم قال: من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، والله إني أعلم أن هذا الدين سيمتد امتداد الشمس من طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم، إن موت النبي ( حق، والله موجود حيٌّ لا يموت، والإسلام باقٍ ما بقِيَت السماء والأرض. فعاد أهل مكة إلى صوابهم، وتمسكوا بإسلامهم.
                            وتحققت نبوءة النبي ( حين قال له عمر عن سهيل حين أسر في غزوة بدر: دعني أنزع ثنتيه، فلا يقوم علينا خطيبًا، فقال (: (دعها فلعلها أن تسرك يومًا) [البيهقي في الدلائل].
                            وذات يوم أذن عمر بن الخطاب لأهل بدر في الدخول عليه، فأذن لبلال وعمار، بينما لم يأذن لمن حضر من سادة قريش، فكره أبو سفيان ذلك، وقال غاضبًا: ما رأيت كاليوم قط، إنه يأذن لهؤلاء العبيد، ونحن جلوس لا يلتفت إلينا ولا يأذن لنا، فقال سهيل: أيها القوم، إني والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضابًا فاغضبوا على أنفسكم، فقد دعي القوم (يقصد البدريين) ودعيتم إلى الإسلام، فأسرعوا وأبطأتم، أما والله لما سبقوكم به من الفضل فيما يرون أشد عليكم فوتًا من بابكم هذا الذي تنافسون عليه.
                            وكان سهيل -رضي الله عنه- شجاعًا، محبًّا للجهاد في سبيل الله، وكان يقول: والله لا أدع موقفًا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت على المسلمين مثلها، لعل أمري أن يتلو بعضه بعضًا.
                            وقد دخل سهيل على أمير المؤمنين عمر يسأله عن أمر يستدرك به ما فاته وما سبقه به إخوانه المسلمون، فأشار عليه عمر بالجهاد في سبيل الله على حدود الروم، فلم يتوان سهيل عن ذلك، وعزم على أن يقضى باقي عمره مجاهدًا لله ورسوله، ووقف سهيل يخطب في أشراف مكة، ويحثهم على الجهاد في سبيل الله، فقال لهم: والله إني لمرابط في سبيل الله حتى أموت ولن أرجع إلى مكة. وخرج سهيل بأهله إلى الشام، وظل مجاهدًا في سبيل الله عز وجل، حتى رزقه الله بالشهادة في معركة اليرموك.

                            تعليق


                            • #44
                              رد: موسوعه الصحابة

                              صاحب البيت الأموي
                              أبو سفيان بن حرب
                              إنه أبو سفيان صخر بن حرب -رضي الله عنه-، والد أم حبيبة زوجة النبي (، ووالد أمير المؤمنين معاوية -رضي الله عنه-، وواحد من أشراف العرب وسادتهم وحكمائهم، وكان يكبر النبي ( بعشر سنين، أسلم يوم الفتح، وشهد مع النبي ( غزوة حنين، وأعطاه ( من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية، فقال للرسول (: والله إنك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك الله خيرًا.
                              وروى ابن عباس قصة إسلامه؛ فقال: لما أتى به العباسُ يوم الفتح إلى رسول الله (، وطلب منه أن يأمنه، قال له الرسول (: (ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله)، فقال بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك، والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئًا بعد، فقال: (ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله)، فقال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا.
                              فقال له العباس: ويحك، أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن تضرب عنقك، فشهد وأسلم، فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر والذكر، فأكرمه الرسول ( بكرامة عظيمة، وقال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه على نفسه فهو آمن) [ابن إسحاق].
                              وفي يوم الطائف أصيبت عينه، فأتى النبي ( وقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال له النبي (: (إن شئت دعوت فردت عليك، وإن شئت فالجنة)، فقال أبو سفيان: الجنة. [ابن عبد البر].
                              وقاتل أبو سفيان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد، وسمعه أحد الصحابة وهو يقول: يا نصر الله اقترب، ثم وقف خطيبًا في الناس ويقول: أيها الناس الله الله إنكم ذادة (سادة) العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.
                              وكان أبو سفيان صادقًا حتى مع خصومه، فلم تمنعه خصومته للنبي ( قبل إسلامه من قول الصدق أمام هرقل وهو يسأله عن محمد (. ومات -رضي الله عنه- في خلافة عثمان بن عفان.

                              تعليق


                              • #45
                                رد: موسوعه الصحابة

                                صاحب المال الرابح
                                أبو طلحة الأنصاري
                                إنه أبو طلحة زيد بن سهل الخزرجي الأنصاري -رضي الله عنه-، أحد النقباء الاثني عشر الذين حضروا بيعة العقبة، وكان أبو طلحة يعبد شجرة قبل أن يسلم، فأراد أن يتزوج أم سليم -رضي الله عنها-، وكانت مسلمة، فقالت له: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي أن تعبد شجرة؟ إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقًا (مهرًا) غيره. قال: حتى أنظر في أمري، فذهب، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقالت لولدها أنس: يا أنس زَوِّج أبا طلحة، فزوجه.
                                وحضر أبو طلحة مع الرسول ( كل الغزوات، وكان ( في غزوة أحد إذا رمى أبو طلحة سهمًا يرفع بصره ينظر إلى أين يقع السهم، وكان يدفع صدر الرسول ( بيده لخوفه عليه، ويقول: يا رسول الله هكذا لا يصيبك سهم. [أحمد]. وكان يقول له: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء. وفي غزوة حنين قتل أبو طلحة عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم. [أبوداود والدارمي والحاكم].
                                وكان أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً، وكان أحب أمواله إليه (بيرحاء) وهى أرض بها نخيل، وكانت أمام المسجد، فكان النبي ( يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزل قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]، ذهب إلى النبي ( وقال له: إن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال (: (بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [متفق عليه].
                                وكان أبو طلحة كثير الصيام، وكان حريصًا على الجهاد رغم كبر سنه؛ لقوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالا}، فكان يقول لأبنائه: لا أرى ربنا إلا يستنفرنا شبابا وشيوخًا، يا بني جهزوني، فإني خارج معكم إلى الغزو، فيقول أبناؤه: يرحمك الله يا أبانا، قد غزوت مع الرسول ( حتى مات، وغزوت مع أبي بكر حتى مات، وغزوت مع عمر حتى مات، فدعنا نغزو عنك، ولكنه صمم على رأيه، ولبس ثياب الحرب، وخرج معهم، ومات أثناء غزوة في البحر، ولم يجد الصحابة جزيرة قريبة ليدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم تتغير رائحة جسده.
                                [ابن سعد]. وكان موته -رضي الله عنه- سنة (20 هـ).

                                تعليق

                                يعمل...
                                X