التسهيل الكمي لم يمت لكنه في حالة سبات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التسهيل الكمي لم يمت لكنه في حالة سبات

    في عام 1958، كان جون كينيث جالبرايث، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، يبحث عن مصطلح لوصف بعض الأفكار السائدة على نطاق واسع، المقبولة فكرياً، لكنها مع ذلك معيبة في أساسها. ولتعريف مثل هذه المنظورات الخاطئة كتب: ''سأشير إلى هذه الأفكار من الآن فصاعداً على أنها الحكمة التقليدية''.

    وبصفتي مديراً للأصول، توصلت إلى أن الحكمة التقليدية هي الطريق المؤدي بالتأكيد إلى ضعف الأداء الاستثماري. ويمكن للمرء أن يعدّل حتى المثل القديم في وول ستريت بحيث يصبح: المتفائلون يحققون الأرباح، والمتشائمون يحققون الأرباح، لكن الحكمة التقليدية تقود إلى المذبح. وإجماع الرأي يكون في العادة علامة على التقدم إلى الجانب الآخر من الصفقة.

    ولاحظت في الفترة الأخيرة كتلة حيوية مهمة من التفكير الجمعي تتشكل حول مسألة انتهاء برنامج الاحتياطي الفيدرالي لشراء الأصول، المسمى التسهيل الكمي 2. فبعد أن ضاعف ميزانيته ثلاث أمثال خلال عامين ونصف، فإن الحكمة التقليدية الآن ترى أن فترة التسهيل الكمي يجب أن تخلي السبيل لفترة من التضخم. ولذلك النتيجة الحتمية هي أن أسعار الفائدة الأمريكية سترتفع، وأن أداء السندات سيتراجع بدرجة كبيرة.

    وبينما أقرُ بإمكانية ارتفاع أسعار الفائدة، لا أعتقد أن إنهاء التسهيل الكمي 2 هو الحافز الذي يعتقد أغلب الناس أنه كذلك. والواقع أنني أعتقد أن على أسعار الفائدة الأمريكية يفترض أن تظل قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية لفترة مطولة من الوقت. وأجد من المفاجئ أن أغلبية مراقبي الأسواق التائهين في هوس إنهاء التسهيل الكمي 2، استبعدت بشكل سريع احتمال اللجوء إلى التسهيل الكمي رقم 3.

    وللتدليل على ذلك أنظروا إلى قاعدة تايلور، وهي معادلة اقتصادية يستخدمها الاحتياطي الفيدرالي لوضع أنموذج ملائم لسعر الفائدة على الأموال الاتحادية. وفي ظل المعدلات الحالية للبطالة والتضخم، تقول قاعدة تايلور إن سعر الفائدة يجب أن يكون 1.65 في المائة (في السالب)، الذي هو بالطبع ليس عملياً. ومع كون سعر الفائدة المستهدف من الاحتياطي الفيدرالي عند نقطة الصفر فعليا، فإن ذلك يفيد بأن بن برنانكي قد يحتاج إلى مزيد من الإجراءات في وقت ما بعد انتهاء التسهيل الكمي 2. وعلى الأقل، ذلك يعني أن على الاحتياطي الفيدرالي الامتناع عن أية زيادات في أسعار الفائدة إلى أن تتراجع البطالة إلى ما دون 7 في المائة (من 9 في المائة في الوقت الراهن)، أو أن يزيد تضخم الأسعار غير المبرر إلى أكثر من الضعف.

    إن مبرر تمديد فترة أسعار الفائدة المنخفضة، بل وحتى اللجوء إلى التسهيل الكمي 3، يزداد قوة في ظل التراجع الحاد الأخير في أسعار قطاعي الزراعة والطاقة. وإذا ثبت أن الضغوط الناجمة عن أسعار الغذاء والطاقة مؤقتة، كما يتوقع برناكي، فمن المتوقع تخفيف التوقعات التضخمية بحلول نهاية العام. ومن المؤكد أن تراجعاً في معدل التضخم سيجعل مقايضة المخاطرة/الجائزة بتسهيل كمي ثالث أكثر جاذبية في نظر رئيس الاحتياطي الفيدرالي.

    ما الذي يمكن أن يشكل حافزا لبرنانكي لتحمل التداعيات السياسية للتخفيف الكمي 3؟ الحافز نفسه الذي كان وراء التسهيل الكمي 1 والتسهيل الكمي 2، أي تحفيز النمو للمساعدة على تقليص البطالة. وإذا تعثر النمو الاقتصادي، فسيكون ذلك هو الحافز الرئيسي لدى رئيس الاحتياطي الفيدرالي. وإذا نظرنا إلى المستقبل، فإن انتهاء التخفيضات الضريبية عام 2011، وبرنامج تخفيض العجز الحكومي (المتوقع أن يبدأ في فترة قريبة ربما أوائل عام 2012) سيكونان بالفعل بمثابة رياح معاكسة للنمو. وهنالك على قمة ذلك حقيقة أن عام 2012/2013 يمكن أن يشهد نهاية الجانب التوسعي من دورة الأعمال، وإن ما يتبقى هو وصفة لتباطؤ اقتصادي خطير، أو حتى حالة انكماش أخرى. وما لم يقدم الاحتياطي الفيدرالي مزيدا من إكسيره النقدي، فإن ذلك يجعلني أعتقد أن نهاية التسهيل الكمي 2 في حزيران (يونيو) ما هي إلاّ وقفة لمراقبة ما يحدث في الاقتصاد الحقيقي. وعلى الرغم من أن برنانكي قلل من احتمال أي توسيع لميزانيته، إلا أنه كان حريصاً خلال مؤتمره الصحافي الأخير على عدم إقفال الباب تماماً في وجه التسهيل الكمي 3.

    وهناك مخاوف من أن ميزانية الاحتياطي الفيدرالي كبيرة للغاية بالفعل، لكن ذلك لا يتطابق مع تجربة اليابان. وبرقمها البالغ 2600 مليار دولار في الوقت الراهن، تمثل ميزانية الاحتياطي الفيدرالي نحو 18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. وبالمقارنة نجد أن ميزانية بنك اليابان تمثل 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الياباني. وإذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيحتفظ بكثير من الأصول على أساس نسبي، فبإمكانه تقديم 1800 مليار دولار إضافية من التسهيل الكمي. ويمكن أن يشكل ذلك التسهيل الكمي 3، و4، و5، بالحجم ذاته الذي كان عليه التسهيل الكمي 2 حتى نكون في الوضع الذي تعيشه اليابان حاليا. وإذا تعطل نمو الاقتصاد الأمريكي، فإن برنانكي الخبير في كل الأمور الانكماشية، يمكن أن ينظر إلى اليابان كسابقة غير كاملة، لكنها ذات علاقة من أجل التسهيل الكمي.

    قال الدكتور جالبرايث في أفكاره الاستنتاجية حول الحكمة التقليدية ''العدو النهائي للحكمة السائدة هو الواقع الظرفي''. والظرف المفاجئ لعام 2011 ربما يكون أسعار الفائدة الأدنى، بينما تصعد سندات الخزانة الأمريكية وأوراق الدخل الثابت وسط عدم يقين متزايد. وإذا اعتدلت ضغوط الأسعار في قادم الأيام، واستمر تباطؤ البطالة على طريق التعافي، وتصاعدت الرياح المالية المعاكسة، عندها سيجد برنانكي سبباً موجباً لإطلاق طباعة الأوراق المالية مرة أخرى. وفي ذلك الحين، مثل نهاية سلسلة أفلام هوليوودية سيئة، ربما ينتهي بنا الأمر إلى الحديث عن تكملة للتسهيل الكمي 1 والتسهيل الكمي 2. بكلمات أخرى، التسهيل الكمي ليس ميتاً، بل إن من المحتمل أنه يقضي فترة من السبات.



    الكاتب كبير مسؤولي الاستثمار لدى Guggenheim Parteners





يعمل...
X