أزمة اليورو والقرار السياسي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أزمة اليورو والقرار السياسي

    أزمة اليورو والقرار السياسي

    تساءلت صحيفة أميركية عن الوضع الذي كانت ستؤول إليه أوروبا بدون الاتحاد النقدي.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وقالت واشنطن بوست في مقال كتبه جون كورنبولم إن نهاية الحرب الباردة عام 1990 لم تكن بالنسبة للسياسيين الأوائل الذين طالبوا باتحاد نقدي، مدعاة للاحتفال بقدر ما كانت مدعاة للقلق.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    فقد كان ماضي أوروبا الدموي لا يزال يطاردهم، ومن المؤكد أن في أذهانهم طرحت تساؤلات عما إذا كانت أوروبا الجديدة -خاصة إعادة توحيد ألمانيا- سيذكي الشعور القومي القديم ويزيد خطر الحرب في القارة.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وقد رأى المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول والرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران -كما أصبح رأي زعماء أوروبيين كثر فيما بعد- أن الوحدة النقدية الأوروبية مشروع سياسي جوهري يستهدف تعزيز الوحدة الأوروبية ودرء مثل هذا الخطر.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    فبالنسبة لهؤلاء، كان العالم بدون اليورو مهددا بالنزاع وربما بالحرب.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ولهذه الأسباب -طبقا لكورنبولم- تم الدفع إلى الأمام بمشروع اليورو دون اتفاقية أساسية حول المؤسسات السياسية التي كان يجب أن تحول القارة إلى منطقة اقتصادية موحدة. وهكذا جاءت النتيجة أن كل دولة بقيت تحدد سياساتها الاقتصادية، فاليونان تنفق بينما ألمانيا تعكف على الترشيد. <o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    أما بالنسبة للأسواق فما كان عليها إلا أن تركز على الحلقات الضعيفة في منطقة اليورو بحيث وجهت ضغوطها إلى دول مثل اليونان والبرتغال لدفعها إلى حافة الإفلاس.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    إذكاء القومية<o:p></o:p>
    واستشهد كورنبولم بما قاله الاقتصادي بجامعة هارفرد مارتن فيلدستاين عام 1997 من أن إدخال اليورو سيؤدي إلى خلافات رئيسية بين دول الاتحاد الأوروبي، إذ إن مشكلات المحافظة على العملة الموحدة بين دول متعددة سيؤدي إلى مواجهات وإلى ولادة جديدة للشعور بالقومية.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ويقول إن فيلدستاين كان محقا فيما ذهب إليه، إذ إن أزمة اليورو خلقت خلافات بين الأوروبيين دفعتهم ليصبحوا أكثر عدوانية، بل وأكثر قومية مرة أخرى.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وقد تحولت نغمة اللباقة التي حافظ عليها الشركاء الأوروبيون لعدة عقود إلى حملة من تبادل الشتائم.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وصل ذلك إلى حد وصف الألمان لليونانيين بأنهم كسالى وفاسدون, وبوضوح أكثر: أغبياء.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وأصبحت وسائل الإعلام الألمانية تبتهج بالإشارة إلى أثرياء اليونانيين بأنهم يتهربون من الضرائب ويحالون إلى المعاش في سن الخمسين، بينما تمتلئ موانئ اليونان بيخوت كسالى الأثرياء.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    واقترح المسؤولون الألمان على اليونان بيع بعض الجزر لتسديد الديون.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    في المقابل، لجأ اليونانيون إلى تاريخ ألمانيا النازي فاتهموا الألمان بأنهم مدينون لليونان بمليارات الدولارات كتعويضات للحرب.

    توحيد ألمانيا<o:p></o:p>
    في تسعينيات القرن الماضي كانت هناك مخاوف من أن تؤدي إعادة توحيد ألمانيا إلى سيطرتها على القارة.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    في تلك الحقبة، كانت فرنسا تؤكد أنها ستؤيد إعادة توحيد ألمانيا إذا تخلت عن المارك، حيث إن اليورو سيجعل برلين أكثر ارتباطا بأوروبا.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ولا تزال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تردد نفس النغمة "إذا فشل اليورو فإن كل المشروع الأوروبي سيكون على المحك"، سواء عندما تطالب بحزمة أخرى للمساعدات لليونان أو للبرتغال أو لأي دولة أخرى في منطقة اليورو.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وفي واقع الأمر، حدث في العشرين سنة الماضية عكس ما كان متوقعا، فبدلا من أن تكون فرنسا هي المسيطرة على ألمانيا، استطاع الألمان أن ينهضوا باقتصادهم ليتصرفوا حاليا باستقلال عن فرنسا ويقودوا اتحادا بخمسائة مليون نسمة.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ويقول كورنبولم إنه حتى بدون اليورو فإن ألمانيا كانت ستبقى الدولة الأقوى في أوروبا، لكن اليورو ضاعف من قوتها في القارة.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    فاستخدام اليورو بالنسبة لألمانيا يمكن تشبيهه باستخدام الحد الأقصى لاستخدام الأميركيين لبطاقات التأمين، بمعنى أن إقبال الأوروبيين على الاقتراض بفائدة متدنية من البنوك الألمانية أدى إلى خلق فقاعات في السوق العقارية بإسبانيا وإيرلندا، كما ساهم في زيادة إسراف اليونانيين والبرتغاليين.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ويؤكد أن ألمانيا كانت أول المستفيدين من تبذير الأوروبيين الذين يستوردون 75 من مجمل صادراتها. <o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ولذلك فإنه بدون اليورو كان من الواضح أن الاستهلاك الأوروبي سيكون أقل، ولم تكن ألمانيا لتصبح القوة الاقتصادية الحالية.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    أوروبا والأزمة المالية<o:p></o:p>
    لكن كان يمكن أن يكون هناك نتيجة مهمة أخرى وهي أن أوروبا لم تكن لتسهم بصورة كبيرة في الأزمة المالية التي حدثت عام 2008.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    فقد اتجهت البنوك الأوروبية إلى الاستثمارات عالية المخاطر والتي تسببت في أزمة 2008، بعدما قدمت قروضا ضخمة لليونان والدول المحتاجة الأخرى في جنوب القارة.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    واليوم تتخبط البنوك الأوروبية في قروض لا يعرف مصيرها قدمتها لليونان. وهذا كان أحد أسباب التعهد الذي قدمه البنك المركزي الأوروبي والولايات المتحدة بضخ المزيد من السيولة في البنوك الأوروبية لمساعدتها في تسديد ديونها.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وحضر وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيثنر اجتماعا لوزراء المالية الأوروبيين الذين طلبوا منه أن يرتب بيته أولا. وكانت الغلطة التي ارتكبها أنه كان يتحدث عن العجوزات والنظام المصرفي، بينما كان الوزراء يفكرون في الأسباب التي تحدث عنها كول وميتران.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ويقول كورنبولم إن الاجتماع لم يكن حول كيفية التحرك، بل حول ما هي أفضل الطرق لعدم فعل أي شيء؟ وقد كان هذا أهم ما تمخض عن طريقة إنشاء اليورو.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    فبدلا من المحافظة على اليورو بعيدا عن السياسة كما كان الهدف من إنشائه، أصبحت عملية إدارة العملة الأوروبية الموحدة كرة قدم تتقاذفها أحقاد الدول الغنية والفقيرة في أوروبا.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    فالدول الفقيرة ترفض إجراءات التقشف التي تطلبها ألمانيا، بينما ترفض ألمانيا إنشاء هيكل اقتصادي حقيقي، والنتيجة هي المواجهة.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    وبدلا من اتخاذ إجراءات جوهرية، تتخذ الدول الأوروبية خطوات صغيرة لا تغير الموازين داخل الاتحاد.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    والخوف الكبير هذا من الصراع الداخلي هو إرث ورثته أوروبا من الحرب العالمية الثانية وبقي مع الاتحاد الأوروبي منذ بداية إنشائه عام 1957.
    السياسيون والمخاطرة<o:p></o:p>
    قد لا يكون الزعماء السياسيون الأوروبيون خبراء في الشؤون المالية، لكنهم يعرفون بالقطع اتجاهات الناخبين. إن عدم فعل شيء أفضل من المخاطرة بالسعي وراء استقرار يصعب الحصول عليه.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    فهل يمكن أن تكون أوروبا أفضل بغير اليورو؟<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    ربما.. لكن العولمة تكون قد دمرت اقتصاداتها الضعيفة، فحتى بدون مشكلة الديون في منطقة اليورو كانت الدول في جنوب القارة ستعاني من نوع من الأزمة الاقتصادية.<o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    لكن لو لم يستخدم اليورو لمصلحة مشروع سياسي أوروبي لم يكن بعد مستعدا لعملة موحدة، لكان الخبراء استطاعوا حل المسألة بسرعة. <o:p></o:p>
    <o:p> </o:p>
    أما الآن فلن يستطيعوا التوصل إلى حل للمسألة، إذ إن القرارات لا تزال متعلقة بالنزاع السياسي في أوروبا.
يعمل...
X