ما من خيار لليابان سوى الاقتراب أكثر من الصين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما من خيار لليابان سوى الاقتراب أكثر من الصين

    فيما تستمر المفاعلات النووية في محطة فوكوشيما في إفشال جهود السيطرة عليها، فإن كارثة اليابان الثلاثية تشكل مرآة تكبير لأوجه الخلل في البلاد. وقد أبلغت شركة كهرباء طوكيو التي تدير محطة فوكوشيما، وهي واحدة من أقوى الشركات في اليابان، الأمة اليابانية المنكوبة بأن هناك حاجة إلى ما يراوح بين ستة وتسعة أشهر لتحقيق الاستقرار في هذه المرافق، الأمر الذي يزيد من مخاوف انقطاع إمدادات الطاقة.

    في هذه الأوقات التي نتعرض فيها للاختبار هناك كثير من التحديات التي تواجه الحكومة وتقدم أسباباً كثيرة لليأس الياباني. فقد بدأت أسواق السندات بالحشرجة فعلياً، بسبب التراجع الشديد في أسعار سندات الشركات. وهناك مخاوف في الوقت الراهن من انتشار هذا التراجع بحيث تنهار أسعار سندات الحكومة اليابانية. لكن كما يظهر تاريخ العالم الأزمة يمكن أن تلد الفرصة. وخلال عشاء في الفترة الأخيرة، عرض قادة مرموقون في قطاع الأعمال الياباني سيناريو متطوراً لتعافي اليابان – إن لم يكن إعادة إحيائها: هذه هي لحظة اليابان للتخلي عن الماضي والاقتراب أكثر من الصين.

    وفي حين يمكن أن يبدو الحديث عن ثورة صناعية جديدة أمراً متفائلاً، علينا أن نتذكر أن بعض أشهر الشركات اليابانية، بما فيها باناسونيك، وشارب، وتويوتا، أرست أسس نشاطها الصناعي على الأنقاض التي خلفها زلزال كانتو الكبير عام 1923. وحتى يتكرر ذلك، فإن المفتاح ربما يكون هو الصين.

    وخلال ذلك العشاء قال تنفيذي تعرضت سلسلة إمداداته إلى الانقطاع، إنه لم يكن أمامه من خيار سوى توسيع نشاطه وقاعدة تصديره في الصين. ومن المحتمل أن يحث مزوديه على التوجه إلى الصين بعدما تعرضت بعض مصانعهم للدمار. وعلق آخر على ذلك قائلا: ''صحيح، عدم اليقين بخصوص إمدادات الطاقة هو الجانب السلبي هنا. عليك أن تبقي على إنتاجك كي تظل في القطاع. والتوسع في الصين وسيلة لتحقيق ذلك، سواء أحببت الأمر أم لا''.

    وانقطاع سلسلة الإمدادات الذي سببه الانقطاع المفاجئ للإنتاج من مراكز الإنتاج ومن مزودي قطع الغيار المتمركزين في المناطق المتأثرة بالكارثة، هو التحدي الكبير بالفعل. ووجدت هوندا وميتسوبيشي لصناعة السيارات أن مصانعهما في الصين تعطلت بنقص الإمدادات المفاجئ في أشباه الموصلات من منطقة طوكيو، واضطرتا بالتالي إلى تقليص عملياتهما الصناعية في الصين.

    هذه لحظة عصيبة للشركات اليابانية. فالأسواق والمصانع الصينية تمثل عنصراً متزايد الأهمية لأنشطتها العالمية. ويسعى كثير من هذه الشركات لتنويع سلاسل الأمداد الخاصة بقطع الغيار، وفي بعض الحالات لنقل العمليات إلى الصين. وفي الوقت نفسه لا تخفي الصين طموحاتها للحاق باليابان، أو حتى الحلول محلها، في السوق عبر الحصول على التكنولوجيا المغرية من شركات صنع قطع الغيار اليابانية التي أصبحت مدمرة الآن. وبحسب جوو دونجبنع، نائب مدير معهد الدراسات الدولية في جامعة فودان، متطلبات تعافي اليابان ستكون ''عامل تعزيز للصين'' ويمكن أن تشكل ''نقطة تحول في النمو الاقتصادي والتجاري للصين واليابان''.

    وليس معنى هذا التقليل من شأن العوائق الهائلة التي ينبغي أن يتم التغلب عليها. فهناك الخطر المتمثل في احتمال أن تفشل الزعامة السياسية اليابانية غير المستقرة، وغير الفاعلة، مرة أخرى في ترجمة الأزمة إلى فرصة. وما لم يتم اتخاذ إجراء حاسم في الاتجاه المعاكس، يمكن للكارثة أن تمهد الطريق للنظرات الضيقة بشأن مستقبل اليابان. وإذا سادت هذه الرؤية، فمن شبه المؤكد أن تهمش اليابان نفسها على الصعيد الدولي. وهذا أمر ينبغي تجنبه.

    سيظل التحالف القائم بين الولايات المتحدة واليابان محورياً للسلام والأمن الخاصين بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي الوقت نفسه، فإن علاقة أكثر استقراراً، مبنية على الثقة بين اليابان والصين، تعتبر أساسية لإعادة بناء اليابان. هذه هي لحظة الحقيقة بالنسبة لبقاء اليابان قوة عالمية من عدمه. وستمثل القرارات المستقبلية حول الميزانية الخاصة بمساعدات التنمية الرسمية اختباراً مهماً على هذا الصعيد.

    ومن الأمور بالغة الأهمية بالنسب لليابان قدرتها واستعدادها لإقامة علاقات اقتصادية استراتيجية مع الأسواق الناشئة، وبخاصة الصين. لقد سارعت الصين إلى الرد بعد وقوع الكارثة، وحتى عرضت إرسال سفينة مستشفى تابعة لأسطولها (وهو عرض رفضته اليابان في النهاية). ويمكن أن يعزى موقف الصين لدوافع مختلفة، منها الآثار الناتجة عن تحسن مركزها التجاري، والشعور بقابلية التأثر ''بثورة الياسمين'' والتضخم. ومهما كان الدافع، لا ينبغي إهمال إشارة الصين الواضحة بأنها تتحول نحو إقامة علاقة ثنائية أفضل بين البلدين.

    ولن يكون الطريق إلى تعميق الثقة المتبادلة بين اليابان والصين ممهداً. فإذا حدثت هجمات جديدة للاستثمار والقيام بعمليات اندماج واستحواذ بين البلدين، فمن الممكن أن تتسبب في حدوث نكوص مناهض للصين في أوساط الشعب الياباني. وما زال الحظر الذي فرضته الصين على تصدير المواد الخام والمعادن النادرة إلى اليابان ماثلاً في أذهان اليابانيين. إن انعدام الثقة المتبادل يجري عميقاً. ويحرص كبار المديرين التنفيذيين للشركات اليابانية على عدم ذكر كلمة الصين في الحديث عن خطط نقل عمليات الإنتاج والبحث والتطوير إلى الصين. وحذر أحد التنفيذيين في حفل العشاء من الإفصاح عما يجول في خاطرهم. وقال: ''سينزعج الناس عندما يسمعون أنك ستتخلى عنهم في وقت يواجهون فيه متاعب عميقة''.

    ويتعين على الزعامة السياسية في البلدين أن تستجمع الشجاعة لإعادة دعم العلاقة بين البلدين. إن العلاقات الأوثق تحقق الاستقرار للمنطقة، ومشروع اليابان الجديد لمعالجة تحديات السلامة النووية والطاقة الخضراء يسهم أيضاً في الاحتياجات الملحة داخل الصين وعلى الصعيد العالمي. وعبر دراسة التاريخ، فإن توجه اليابان السريع إلى الصين يبدو شبيهاً بمشهد تعافيها وإعادة إحيائها بعد حرب المحيط الهادئ. ففي ذلك الوقت، شكلت العلاقات الاقتصادية الجديدة لليابان مع الولايات المتحدة شرارة البدء في تعافي اليابان وإعادة إحيائها. لكن نجاح تلك المناورة كان يتوقف بشكل أساسي على القدرة على تطوير الاستقرار السياسي والثقة المتبادلة بين الولايات المتحدة واليابان. وفي هذه المرة، يجب أن تأتي الشرارة من الماكينة الصينية.

    الكاتب رئيس تحرير سابق لصحيفة ''أساهي شيمبون'' اليابانية
يعمل...
X