فائدة وتنبيهاً في الحج والعمرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فائدة وتنبيهاً في الحج والعمرة

    أبرز موضوعات الرسالة:
    • صفة الحج والعمرة.
    • فوائد وتنبيهات مهمة للحجاج والمعتمرين.
    • صلاة المسافر.
    • صلاة الجنازة.

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعــد .

    فقد لحظت ولحظ غيري من طلاب العلم كثرة أسئلة الناس في العمرة، وتكثر كذلك المخالفات الشرعية في أدائهم للنسك أو أثناء بقائهم في مكة، فرأيت من المناسب إعداد هذه الرسالة لتتضمن صفة الحج والعمر، وما يحتاجه الحاج حال بقائه في مكة، مع التنبيه على كثير من الأخطاء والمخالفات الشرعية التي يقع فيها بعضهم، مع ذكر بعض الطرق والوسائل للدعاة وأهل الخير في كيفية الاحتساب عليها.
    ويمكن أن آتي عليها في الآتي :

    1. فضل الحج المبرور
    قال تعالى:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ( البقرة 197 ) .(الرفث: هو الجماع ودواعيه. والفسوق:هو المعصيـة . والجدال: هو الجدال بالباطـل، أو الجدال الـذي لا فائدة فيه، أو الـذي ضرره أكثر من نفعه).
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ" متفق عليه.
    وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" متفق عليه من حديث . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"متفق عليه.
    وشرط الحج المبرور البعد عن الرفث والفسوق والجدال في الحج، فليحذر الحاج أن يقع في المعصية كبيرةً كانت أو صغيرة؛ وأعظمها الشرك بالله، كدعاء غير الله، ومن الفسوق الابتداع في الدين كالذهاب إلى المزارات البدعية والتبرك والتمسح بها، ومن الفسوق: تأخير الصلاة عن وقتها، والغيبة، والنميمة، والسب والشتم، وسماع الغناء، وحلق اللحية، والتدخين، والنظر إلى الحرام في الشارع والتلفاز، وإسبال الثياب في حق الرجال، وعلى المرأة تغطية جميع بدنها بالحجاب الشرعي والبعد عن التبرج.
    ومع كثرة الناس وشدة الزحام والتعب قد يبتلى الإنسان بالجدال المنهي عنه في الحج؛ مع رجل المرور أو سائق الحافلة، أوفي زحام الطواف والجمرات. فاحذر من استدراج الشيطان وحبائله، وكن حليماً، صابرا، معرضاً عن الجاهلين، لا يخرج من لسانك إلا الكلمة الطيبة.

    2.أنواع نسك الحج ثلاثة : تمتع، وقِران، وإفراد.
    وأفضلها التمتع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به، وهو أن يحرم بالعمـرة وحدهـا في أشهر الحج (وأشهر الحج هي شوال وذو العدة وعشر من ذي الحجة) وبعد الانتهاء من العمرة يحرم بالحج يوم التروية.
    والإفراد: أن يحرم بالحج فقط؛ فإذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، ويشرع له أن يسعى سعي الحج بعد طواف القدوم.
    والقران : أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً، وعمل القارن كالمفرد إلا في أمرين:
    1- النية؛ فالمفرد ينوي الحج فقط، والقارن ينوي العمرة والحج.
    2- الهدي؛ فالقارن يلزمه هدي والمفرد لا يلزمه وإنما يستحب فقط.

    3.ملخص صفة الحج (نسك التمتع)
    أن يحرم من الميقات (ويسن أن يغتسل ويتطيب ويحرم في رداء وإزار) ويجتنب محظورات الإحرام، ثم يطوف بالكعبة سبعة أشواط، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، الذهاب شوط، والعودة شوط، ثم يحلق أو يقصر، والتقصير أفضل ليجعل الحلق في الحج. وبهذا تنتهي من العمرة.
    ثم يلبي بالحج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة، ويجتنب محظورات الإحرام، ويذهب إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع، ثم يذهب من منى إلى عرفة ضحى يوم عرفة، ويقف بها بعد أن يصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً ويجتهد بالدعاء رافعاً يديه، فإذا غربت الشمس ذهب إلى مزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان وإقامتين، فإذا صلى الفجر ذكر الله ودعا حتى يسفر الصبح وقبل طلوع الشمس، ثم يسير إلى منى فيأتي بأعمال يوم النحر وهي : رمي جمرة العقبة بسبع حصيات متتابعات ويكبر مع كل حصاة، ونحر الهدي ويذكر اسم الله عليه قبل النحر، وحلق الرأس، وطواف الإفاضة، وسعي الحج للمتمتع، أما المفرد والقارن فيسعيان أيضاً إذا لم يسعيا مع طواف القدوم.
    ويبقى بعد ذلك ثلاثة أعمال في الحج: المبيت بمنى أيام التشريق، ورمي الجمار فيها، وطواف الوداع.
    فيبيت لليلة الحادي عشر، والثاني عشر، هذا للمتعجل، والثالث عشر للمتأخر.
    ويرمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر: الأولى، ثم الوسطى، ثم العقبة، كل واحدة بسبع حصيات متتابعات ويكبر مع كل حصاة، ويسن أن يدعو مستقبل القبلة رافعاً يديه بعد رمي الجمرة الأولى، وبعد الثانية، أما العقبة فلا يقف عندها.
    ويفعل مثل ذلك في اليوم الثاني عشر، ويخرج من منى قبل غروب الشمس، هذا للمتعجل، أما المتأخر فيبيت بمنى ويرمي الجمار في اليوم الثالث عشر.
    ثم يطوف طواف الوداع، ويجعله آخر أعماله قبل سفره.
    هذا ملخص العمرة والحج ليكون المبتدئ على تصور للحج قبل الدخول في تفاصيل الأعمال والفوائد والتنبيهات.

    4. صفة الحج حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه.
    أطول حديث في باب الحج هو حديث جابر رضي الله عنه، الذي أخرجه مسلم في صحيحه، وقد وصف تفاصيل حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك سنبدأ به، وحري بكل من أراد الحج ومعرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج أن يقرأ هذا الحديث:
    عَنْ محمد بن علي بن الحسين بن علي قال: قلت لجابر بن عبدالله رضي الله عنه: أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي. فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ. وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَتَهُ. قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ.
    حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ – قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ.
    ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لِأَبَدٍ أَبَدٍ.
    وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: بِالْعِرَاقِ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَ :صَدَقَتْ صَدَقَتْ. مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ ؟ قَالَ :قُلْتُ :اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلُّ.
    قَالَ :فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً، قَالَ :فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ.
    فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ :إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا :نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.


    ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ .
    حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، أَبْيَضَ، وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ يَصْرِفُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ، يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى.


    حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.
    ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ :انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ ". أخرجه مسلم.

    5.صفة العمرة:
    أولاً: الإحرام من الميقات : تجرد من المخيط، والبس رداءً وإزاراً والأفضل أن يكونا أبيضين، ويسن لك أن تغتسل، وأن تُطيِّبِ بدنك كالرأس واللحية، ولا تطيب لباس الإحرام فإن أصابه طيب فاغسله، أما الشمسية والنظارة والخاتم والساعة والحزام جائزة للمحرم.
    أما المرأة فإنها تغتسل ولو كانت حائضاً وتلبس ما شاءت؛ بشرط أن يتوافر فيه جميع شروط الحجاب فلا يظهر منها شيء، ولا تتبرج بزينة، ولا تتطيب، ولا تتشبه بالرجال.
    فإن لم يتيسر أن تقـف عنـد الميقات -كالمسافر بالطائرة - فاغتسل من بيتك فإذا حاذيت الميقات فأحرم، وقل: "لبيك عمرة".
    والأدلة على ما سبق متعددة، ومن أهمها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال :"قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ، فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ، وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ" أخرجه البخاري ومسلم بنحوه دون الجملة الأخيرة" ولا تنتقب..الخ" فقد أخرجها البخاري دون مسلم.
    وإن خفت أن لا تتمكن من إكمال النسك لمرض أو نحوه؛ فاشترط وقل: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" ودليل جواز الاشتراط في الإحرام حديث عائشة رضي الله عنها قالت :"دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: حُجِّى وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي" أخرجه مسلم. فإذا اشترط ومنعه مانع من إكمال نسكه تحلل ولا شيء عليه.
    ثم ابدأ بالتلبية حتى تصل مكة. والتلبية سنة مؤكدة للرجال والنساء، ويسن للرجال رفع الصوت بالتلبية. وصِفة التلبية: هي الثابتة في حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ. لاَ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ" متفق عليه.
    وعن بكر بن عبد الله المزني قال:" كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَلَبَّى حَتَّى أَسْمَعَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ" أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما قال ابن حجر في الفتح(3/477).
    وعن عبد العزيز بن رفيع عن ابن عمر رضي الله عنهم قال:" ارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالتَّلْبِيَةِ. وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، مِثْلُ ذَلِكَ"أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح.
    وعن سعيد بن جبير قال :" سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: الْعَجُّ، وَالثَّجّ" أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح. والعجُّ: رفع الصوت بالتلبية، والثجُّ: نحر الهدي.
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :"لَا تَصْعَدُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَة" أخرجه الدارقطني بإسناد صحيح.

    ثانياً: السنة عند دخول المسجد الحرام، كالسنة عند دخول سائر المساجد، ومما ثبت في ذلك حديث أبي أُسيد رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ" أخرجه مسلم.

    ثالثاً : ثم ابدأ بالطواف من الحجر الأسود؛ فاستقبله وقل: (الله أكبر)، واستلمه بيمينك وقبله. فإن لم يتيسر التقبيل فاستلمه بيدك أو بغيرها وقبل ما استلمته به، فإن لم يتيسر فلا تزاحم الناس وأشر إليه بيدك مرة واحدة (ولا تقبل يدك). وتفعل ذلك في بداية كل شوط من أشواط الطواف.
    ثم تطوف سبعة أشواط جاعلاً البيت عن يسارك؛ ترمل في الأشواط الثلاثة الأولى وتمشي في الباقي. (الرَّمَل: سرعة المشي مع تقارب الخطى).. والرمل مختص بالرجال ومختص بالطواف الأول؛ أي طواف العمرة أو طواف القدوم للقارن والمفرد في الحج.
    فإذا وصلت إلى الركن اليماني فاستلمه بيدك - إن تيسّر ذلك - ولا تقبّله، فإن لم يتيسر فلا تشر إليه.
    وذكر الله تعالى بالدعاء والاستغفار والتهليل والتسبيح وقراءة القرآن من أفضل الأعمال الصالحة، ولا شك بأنها خير من الصمت في الطواف وغيره.
    ومن أدلة ما سبق: حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال :"قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ" متفق عليه.
    وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال:"رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلاَثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا"متفق عليه، واللفظ لمسلم.
    وعن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما في صفة حجة الوداع وفيه:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ، فَرَمَلَ ثَلاَثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا" أخرجه مسلم.
    وعن نافع عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ذكر:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَسْتَلِمُ إِلاَّ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِىَ" أخرجه مسلم.
    وعن الزبير بن عربي رحمه الله قال :" سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ رضى الله عنهما عَنِ اسْتِلاَمِ الْحَجَرِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ؟ قَالَ: اجْعَلْ أَرَأَيْتَ بِالْيَمَنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ" أخرجه البخاري.
    فإن لم يتيسر تقبيل الحجر استلمه بيده وقبَّل، فعن نافع رحمه الله قال :" رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ، وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ" أخرجه مسلم.
    وعن أبي الطفيل رضي الله عنه يقول :"رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ، وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ" أخرجه مسلم. المِحْجَنٍ : عصاً منحنية في أعلاها.
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما :"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهْوَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَىْءٍ فِى يَدِهِ وَكَبَّرَ" أخرجه البخاري.
    وعن هلال ابن أبي ميمونة قال :" رَأَيْتُ أَنَسًا يَطُوفُ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى الْحَجَرِ كَبَّرَ، وَيَفْتَتِحُ بِهِ، وَيَخْتِمُ بِهِ" أخرجه ابن أبي شيبة(ح15099) قال حدثنا وكيع عن ابن أبي ميمونة به وهذا إسناد صحيح.
    وأثر أنس هذا صريح في التكبير في نهاية الشوط السابع، ويدل عليه ظاهر حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق وفيه :"كلما أتى على الركن أشار..الحديث" فهذا يعم إتيانه للركن في نهاية الطواف، والله تعالى أعلم.
    وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يزيد البسملة على التكبير عند الركن، فعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما :" كَانَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ قَالَ:"بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ" أخرجه عبد الرزاق (ح8894) عن معمر عن أيوب عن نافع به وهذا إسناد صحيح.
    أما حديث عبدالله بن السائب رضي الله عنه قال :"سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ :رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" فقد أخرجه أحمد وأبو داوود بإسناد رجاله ثقات إلا عبيد مولى السائب فمختلف فيه، قال عنه ابن حجر في التقريب "مقبول" وقال في التهذيب :"وذكره في الصحابة: ابن نافع وابن منده وأبو نعيم"اهـ. وذكره ابن حبان في الثقات وقال :" له صحبة".
    وقد صحح الحديث ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، واحتج به ابن حزم في حجة الوداع، ووصفه ابن القيم في زاد المعاد (2/208) بأنه محفوظ فقال :"حُفِظَ عَنْهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: رَبَّنَا آتِنَا.."اهـ. وحسنه من المعاصرين الألباني رحمهم الله جميعاً، وأبو إسحاق الحويني في تحقيق منتقى ابن الجارود، وضعف إسناده النووي وابنُ كثير، والله أعلم بالصواب.
    وعلى وجه العموم فإن هذا الدعاء هو من أفضل الأدعية، وقد ثبت في فضله حديث أنس رضي الله عنه قال :" كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" أخرجه البخاري.

    رابعـاً: إذا انتهيت من الشوط السابع عند محاذاة الحجر الأسود فاذهب إلى مقام إبراهيم إن تيسر، واقرأ قوله تعالى: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" (البقرة : 125) واجعل المقام بينك وبين الكعبة إن تيسر، وصلِّ ركعتين، والأفضل أن تقرأ في الأولى بعد الفاتحة:"قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ"، وفي الثانية : "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ".
    ثم إن تيسر فارجع إلى الحجر الأسود، واستلمه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
    ثم توجه إلى الصفا فإذا دنوت منه فاقرأ قوله تعالى:" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ" (البقرة : 158). وقل:" نبدأ بما بدأ بما بدأ الله به". واصعد الصفا، واستقبل الكعبة، وكبر ثلاثاً، ولا تشر بيدك، وقل : "لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". كرر هذا الذكر ثلاث مرات، وادع بين كل مرة وأخرى بما شئت من الدعاء.
    ثم انزل لتسعى بين الصفا والمروة، وإذا كنت بين العلمين الأخضرين فاسع بينهما سعيا شديداً (والسعي الشديد خاص بالرجال دون النساء إذا كانت ترى من الرجال) فإذا وصلتَ إلى المروة فاصعد عليها واستقبل الكعبة، وقل كما قلت على الصفا، وهكذا تصنع في باقي الأشواط، الذهاب شوط والعودة شوط؛ حتى تكمل سبعة أشواط؛ فيكون نهاية الشوط السابع بالمروة. وليس للسعي ذكر مخصوص، فأكثر مما شئت من الذكر والدعاء.
    فإذا انتهيت من السعي فاحلق رأسك أو قصِّره، والحلق أفضل للمعتمر، إلا أن يكون الحج قريباً فالتقصير أفضل؛ ليكون الحلق في الحج، ولا يكفي تقصير بعض الشعر من مقدمة الرأس ومؤخرته، كما يفعله بعض الناس، بل لابد من تقصير جميع الرأس أو أكثره. وبعض الناس يتوهم أن التقصير يجب أن يكون على الصفا وهذا غير صحيح، إضافة إلى ما يترتب عليه من اتساخ المكان وتأذي المعتمرين منه.
    *أما المرأة فتجمع شعرها وتأخذ منه قدر الأنملة، وإذا كان شعرها متفاوت الطول فتأخذ من كل أطواله، حتى تعم الرأس كله أو أكثره.
    فإذا فعلت ذلك فقد تمت عمرتك بحمد الله.
    ومن أدلة ماسبق:
    حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج وفيه:" حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلاَثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَقَرَأَ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَكَانَ أَبِى يَقُولُ: وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقْرَأُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ، فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ، وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ، قَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا مَشَى، حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ، وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً.. فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ" أخرجه مسلم.
    وفي قوله:"أبدأ بما بدأ الله به" جاء رواية أخرى عند الخمسة ومالك ب(النون) :"نبدأ بما بدأ الله به" رواها جمعٌ من الحفاظ عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر، منهم الإمام مالك، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، رحمهم الله جميعاً.
    وعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ، سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ" متفق عليه.
    وعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال:" اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ.." أخرجه البخاري.
    وعن نافع : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يَكَرَهُ قَرْنَ الطَّوَافِ، وَيَقُولُ:"عَلَى كُلِّ سَبْعٍ رَكْعَتَانِ وَكَانَ هُوَ لَا يَقْرِنُ بَيْنَ سَبْعَيْنِ" أخرجه عبد الرزاق (9012) قال : أخربنا معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر به، وهذا إسناد صحيح.
    وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما :" أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَعِدَ عَلَى الصَّفَا اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ، ثُمَّ يَدْعُو قَلِيلاً، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَيَكُونَ التَّكْبِيرُ إِحُدَى وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَمَا يَكَادُ يَفْرُغُ حَتَّى يَشُقَّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ شَبَابٌ" أخرجه ابن أبي شيبة (14717) قال حدثنا ابن نُمير عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر به وهذا إسناد صحيح.
    وليس للسعي ذكر مخصوص، فأكثر مما شئت من الذكر والدعاء وقراءة القرآن.

    6.محظورات الإحرام (بإيجاز).
    إذا أحرم المسلم بالحج أو العمرة حرم عليه أحد عشر شيئاً حتى يتحلل من إحرامه وهي:
    1- إزالـة الشعـر. 2- تقليم الأظافر. 3- استعمال الطيب. 4- قتل الصيد (البري أما البحري فجائز).
    5- لبس المخيط (على الرجال دون النساء). والمخيط هو المفصَّل على البدن كالثوب والفانيلة والسراويل والقميص والبنطلون والقفاز والجوارب. أما ما فيه خياطة ولم يكن مفصلاً فلا يضر المحرم؛ كالحزام أو الساعة أو الحذاء الذي فيه خيوط. وكذلك الإزار المغلق الذي يسمى بالإزار المخيط فالراجح جوازه؛ لأن الأصل الحل ولا دليل صريح على منعه.
    6- تغطية الرأس بملاصق (على الرجال) كالطاقية والغترة والعمامة والقبعة وما شابه ذلك، ويجوز الاستظلال بالشمسية والخيمة والسيارة، ويجوز حمل المتاع على الرأس إذا لم يقصد به التغطية.
    7- لبس النقاب والقفازين (على المرأة) فإذا كانت أمام رجال أجانب وجب ستر الوجه واليدين بغير النقاب والقفاز، كسدل الخمار على الوجه وإدخال اليدين في العباءة.
    8 - عقد النكاح. 9 - الجمــاع. 10 - المباشرة لشهوة. 11- إنزال المني باستمناء أو مباشرة.
    وقد فصلت الكلام في محظورات الإحرام وأدلتها وكفارتها في كتاب آخر يسر الله نشره.
    قال ابن المنذر في كتابه الإجماع (ص17) :"وأجمعوا على أن المحرم ممنوع من الجماع، وقتل الصيد، والطيب، وبعض اللباس، وأخذ الشعر، وتقليم الأظفار"اهـ.

    7. فاعل المحظور له ثلاث حالات:
    أ- أن يفعل المحظور وهو معذور بنوم أو نسيان أو جهل أو إكراه؛ فلا إثم عليه ولا فدية.
    ب- أن يفعل المحظور لحاجة، ففعل المحظور جائز، أما الفدية ففيها تفصيل سيأتي ذكره إن شاء الله.
    ج- أن يفعل المحظور بلا عذر؛ فهو آثم وعليه التوبة، أما الفدية ففيها تفصيل سيأتي ذكره إن شاء الله.

    8.هل تجب الفدية بفعل المحظور؟.
    الجواب: فيه تفصيل:
    1- إذا كان المحظور عقد النكاح؛ فإنه محرم ولا فدية فيه.
    2- وإذا كان المحظور قتـل الصيد؛ فهو محرم و فيه الجزاء إذا قتله متعمداً ، كما في قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ" (المائدة95).
    3- و إذا كان المحظور الجماع (وهو أعظم المحظورات) فإن جامع متعمداً قبل التحلل الأول فالذي يظهر من مجموع فتاوى بعض الصحابة أنه يترتب عليه خمسة أمور:
    ( 1- الإثم . 2- فساد الحج. 3- وجوب إتمام الحج. 4- وجوب قضاء الحج من العام القادم. 5-وجوب الفدية؛ وهي: بدنة تذبح في القضاء ) .
    4- والمحظور إذا كان إزالة شعر، أو تقليم أظافر، أو استعمال طيب، أو مباشرة لشهوة، أو لبس الرجل للمخيط أو تغطية رأسه، أو لبس المرأة للنقاب أو القفاز؛ فالراجح أنه لا فدية فيها، وإنما الفدية في حلق الرأس كله أو أكثره، لأن الفدية جاءت في حلق الرأس، وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لبس السراويل لمن لم يجد إزاراً، والخف لمن لم يجد نعلين، ولم يأمرهم بفدية، كما في حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال:" خَطَبَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ" متفق عليه واللفظ للبخاري. وثبت أنه احتجم في رأسه ولم يفدِ، كما في حديث عبدالله بن بحينة رضي الله عنه :"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ بِلَحْىِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهْوَ مُحْرِمٌ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ" متفق عليه واللفظ للبخاري. وحجامة الرأس تستلزم عادة إزالة بعض شعر الرأس.
    ومن حلق رأسه ففديته على التخيير بين ثلاثة أشياء، يختار فاعل المحظور واحداً منها، ويسميها أهل العلم ب(فدية الأذى) وهي:
    1 - ذبح شاة (يوزعها على الفقراء ولا يأكل منها شيئاً).
    2- إطعام ستـة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام (ونصف الصاع كيلو ونصف من الأرز تقريباً).
    3- صيام ثلاثة أيام.
    قال الله تعالى :"فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة196). وقد نزلت في كعب بن عجرة رضي الله عنه، فعنه رضي الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ" متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي رواية لهما واللفظ للبخاري :"أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ".

    ومن التنبيهات التفصيلية للمحرم:

    9. يعتقد بعض الناس أن ثوب المرأة للإحرام محدد باللون الأخضر أو الأسود أو الأبيض؛ وهذا غير صحيح؛ فإنه لم يثبت في تحديد لون الثوب شيء.

    10. يجوز للمرأة لبس شراب القدم؛ لأنه ليس من محظورات الإحرام، بل يجب عليها لبسه إذا كانت تنكشف قدمها بدونه أمام الرجال الأجانب.

    11. يجوز للمحرم أن يستعمل الصابون، ووسائل النظافة الأخرى، والمرهم؛ لأنها ليست من محظورات الإحرام، بشرط : أن لا تكون معطرة.

    12. يجوز للمحرم أيضاً أن يستعمل السواك وفرشاة ومعجون الأسنان. أما النكهة الطيبة التي تصاحب معجون الأسنان كرائحة النعناع مثلاً فلا تضر؛ لأنها ليست طيباً.

    13. التلبية الجماعية بصوت واحد - التي يفعلها بعض الحجاج - بدعة، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه. والصواب أن يلبي كل حاج أو معتمر بصوت منفرد.

    14. لا يلـزم أن يستمر المحرم (رجـلاً كـان أو امـرأة) في الثوب الذي أحرم فيـه طيلة النسك، بل يجوز أن يغيره مـتى شـاء، ويجوز له أن يغتسل للتنظف؛ لأن ذلك ليس من محظورات الإحرام.

    15. يجوز للمرأة أن تمشط شعرها، وأن تحك بدنها؛ بشرط أن لا تتعمد إزالة الشعر؛ لأن ذلك ليس من محظورات الإحرام.

    16. القادمون للعمرة بالطائرة إلى جدة: الواجب عليهم أن يحرموا في الطائرة إذا حاذوا الميقات. وإذا رغب القادم للعمرة أن يمكث في جدة يوماً أو يومين ثم ينزل إلى مكة، فالأفضل في حقه أن يبادر بالعمرة ثم يرجع إلى جدة، فإن لم يفعل مكث في جدة بإحرامه ثم يكمل عمرته. أما إذا قدم قاصداً جدة قبل العمرة؛ كمن جاء إليها منتدباً من عمله، أو لإجابة دعوة، أو لحضور دورة أو غير ذلك، فإنه إذا أراد العمرة بعد ذلك أحرم من جدة كأهل مكة.

    17. من سافر إلى جدة وهو لم يرد العمرة، أو كان متردداً في العمرة، ثم عزم على العمرة وهو في جدة: أحرم من جدة لأنه لم يعزم على العمرة إلا منها، فأصبح حكمه حكم أهل جدة، وأهل جدة يحرمون منها لأنهم دون المواقيت؛ كما ثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : "وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا "متفق عليه واللفظ للبخاري.

    18. من فعل محظوراً من محظورات الإحرام ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه، لقوله تعالى: "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" ولما نزلت هذه الآية، قال الله: "قد فعلت" كما أخرجه مسلم عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما من قولهما، ومثل هذا لا يقال بالرأي فله حكم الرفع.

    19. على المحرم أن يحرص على ستر عورته؛ فإن بعض الرجال قد تنكشف عورته أمام الآخرين أثناء الجلوس أو النوم وهو لا يشعر. وأشد من ذلك تساهل بعض النساء بالنوم في الأماكن العامة فيراهن الرجال.

    20. الطهارة شرط لصحة الطواف عند أكثر العلماء، ولم أقف لهذا القول على دليل صريح صحيح، ولا أثر عن صحابي، وقد أفتى جمعٌ من علماء الكوفة بصحة الطواف بغير طهارة، وهم: الحكم بن عُتَيْبَة، وحمادُ بن أبي سليمان، ومنصور بن المعتمر، وسليمان بن مهران الأعمش، وكلهم من الأئمة في العلم والحفظ ومن طبقة صغار التابعين.
    وظاهر صنيع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم يطوفون على طهارة، لأنهم كانوا يصلون ركعتين خلف المقام بعد الطواف وظاهر الأدلة أنه دون إحداث وضوء، لكن طوافهم على طهارة لا يلزم منه الوجوب أو الشرطية، والأولى بالمؤمن أن يكون متطهراً اتباع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وخروجاً من الخلاف واحتياطاً للدين، والقول باستحباب الطهارة في الطواف هو ما نصره ابن تيمية رحمه الله.
    أما المرأة الحائض فإنها لا تطوف لثبوت النهي كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
    وأما السعي فلا تشترط له الطهارة باتفاق الفقهاء، ويجوز للمرأة المعذورة أن تسعى؛ لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم لها كان عن الطواف بالبيت فقط.
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "إذا طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة، فلتسعَ بين الصفا والمروة" أخرجه ابن أبي شيبة (14583) بإسناد صحيح كما قال ابن حجر في الفتح(3/590) أما إذا حاضت قبل الطواف فظاهر السنة وفهم الصحابة أنها لا تسعى؛ فعائشة لمَّا حاضت قبل الطواف لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تسعى بدون الطواف وهذا الذي يظهر من فهم ابن عمر رضي الله عنهما كما في قوله السابق.

    21. إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف، أو حضرت صلاة جنازة؛ فصلِّ معهم ثم أكمل الطواف من حيث توقفـت. ولا تنس تغطية العاتقين أثناء الصلاة؛ فإن تغطيتهما في الصلاة واجبة.

    22. إذا احتجت للجلوس قليلاً، أو لشرب ماء، أو للانتقال من الدور الأرضي إلى الدور العلوي، أو العكس أثناء الطواف فلا حرج.

    23. إذا شككت في عدد الأشواط فتحرَّ الصواب؛ فإن غلب على ظنك شيء فاعمل به، وإن لم يغلب على ظنك شيء فابن على اليقين : وهو الأقل ؛ فإذا شككت هل طفت ثلاثة أشواط أو أربعة فاجعلها ثلاثة، وهذا ما ثبت في السنة عند الشك في عدد ركعات الصلاة.

    24. الاضطباع في الطواف سنة عند أكثر العلماء، (والاضطباع: أن تجعل وسط ردائك تحت عاتقك الأيمن وطرفاه على عاتقك الأيسر) وجاء فيه حديثان وأثر، والأرجح أن كلها ضعيفة، ولذلك جزم الإمام مالك بعدم سنيته وأنه لم يسمع مَن قال بسنيته من علماء المدينة، قال ابن قدامة في المغني :"وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الِاضْطِبَاعُ بِسُنَّةٍ. وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يَذْكُرُ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ سُنَّةٌ" (المغني 3/339). فالاضطباع والرمل عملان ظاهران ومحلهما واحد وهو الطواف، لكن المحفوظ من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحَفِظَه التابعون عن الصحابة رضي الله عنهم هو الرمل وحده، دون الاضطباع.
    أما اعتقاد بعض المعتمرين أن الاضطباع سنة من أول لبس الإحرام حتى نهاية العمرة، فهذا لا أصل له.

    25. ركعتا الطواف يسن فعلهما خلف المقام. ومن الخطأ ما يفعله بعض المعتمرين من الصلاة خلف المقام في أوقات الزحام فيؤذون بذلك الطائفين، والصواب : أن يرجع إلى الخلف حتى يبتعد عن الطائفين فيجعل المقام بينه وبين الكعبة. وإن صلاها في أي موضع من الحرم أجزأت.

    26.ومن الأخطاء التي تؤذي الطائفين وتسبب الزحام والصدام: السير بعكس طريق الطائفين؛ كمن يريد الذهاب إلى محاذاة الحجر الأسود ليبدأ طوافه، أو كمن انتهى من الطواف فيخرج منه بشكل معترض أمام الطائفين، وتزداد المشكلة إذا كان السائرون جماعة متماسكة، والطريقة السليمة أن يسير مع الطائفين ولا يعاكسهم حتى يصل إلى بداية الطواف ولو زاد في المشي، وإذا أراد الخروج من المطاف إلى المسعى فيسير أيضاً في طريق الطائفين ولا يعترضهم ويتجه إلى طرف المطاف بالتدرج.

    27. ينتشر بين بعض الناس في الطواف و السعي بدعتان :
    الأولى : التزام دعاءٍ معين لكل شوط، كما هو موجود في بعض الكتيبات.
    الثانية : دعاء مجموعة من الحجاج خلف قائد لهم بصوت واحد مرتفع.
    فعلى الحاج أن يحذر من هاتين البدعتين ؛ لأنه لم يثبت فيهما شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه رضي الله عنهم. وفيه أيضاً إيذاء وتشويش شديد على الطائفين.

    28. المحظور في حق المرأة مخيط الوجه واليدين؛ فلا يجوز أن تغطي وجهها بالنقاب، أو البرقع، أو اللثام، ويجب أن تغطي وجهها أمام الرجال الأجانب بغير ذلك كالغطاء العادي، ويجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم ونحوه لأن الراجح أن المحظور هو مخيط الوجه وليس تغطية الوجه.
    ولا يجوز أن تلبس القفازين، ولكن يجب أن تغطيهما أمام الرجال الأجانب بإدخال اليدين في العباءة ؛ لحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ".. ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " أخرجه البخاري.
    و يعتقد بعض النساء جواز كشف الوجه أمام الرجال ما دامت محرمة وهذا خطأ، والواجب تغطيته؛ ومن الأدلة على ذلك:
    قول فاطمة بنت المنذر رحمها الله :"كُنَّا نُخَمِّرُ وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ" أخرجه مالك عن هشام بن عروة بن الزبير عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير به، وهذا إسناد صحيح.
    وكثير من النساء القادمات للعمرة يكشفن وجوههن أثناء الإحرام وبعده، حتى أصبح كشف الوجه ظاهرة في الحرم، فلابد أن تعلم المرأة أن كشفها للوجه أمام الرجال الأجانب محرم شرعاً، وقد فصلت هذه المسألة بالأدلة في مبحث آخر، والواجب عليها التوبة إلى الله وستره أمام الرجال الأجانب.
    والنهي هنا للمُحْرمةِ عن لُبْس المخيط على الوجه واليدين، ومخيط الوجه كالنقاب، والبرقع، واللثام، ومخيط اليد كالقفاز، ويجوز لها أن تغطيهما بغير مخيط ولو كان ملامساً للوجه واليدين؛ لأن النهي عن النقاب والقفاز لا يعني النهي عن تغطية الوجه والكفين؛ كما أن النهي عن القميص للرجال لا يعني وجوب كشف الظهر والعاتقين؛ ويؤكد هذا الفهم قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت :" الْمُحْرِمَةُ تَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ مَا شَاءَتْ إِلاَّ ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ وَلاَ تَتَبَرْقَعُ وَلاَ تَلَثَّمُ وَتَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ شَاءَتْ" أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم، ووصله البيهقي وهذا لفظه بسندٍ صحيح كما قال الألباني في الإرواء(4/212).
    قال ابن تيمية رحمه الله في منسكه (مجموع الفتاوى 26/112-113) :"وأما المرأة فإنها عورة، فلذلك جاز لها أن تلبس الثياب التي تستتر بها، وتستظل بالمحمل، لكن نهاها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتقب، أو تلبس القفازين.. ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق، وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضاً.. وأزواجه صلى الله عليه وسلم كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة، ولم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إحرام المرأة في وجهها" وإنما هذا قول بعض السلف، لكن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها أن تنتقب، أو تلبس القفازين، كما نهى المحرم أن يلبس القميص والخف، مع أنه يجوز له أن يستر يديه ورجليه باتفاق الأئمة، والبرقع أقوى من النقاب، فلهذا ينهى عنه باتفاقهم ولهذا كانت المحرمة لا تلبس ما يصنع لستر الوجه كالبرقع ونحوه فإنه كالنقاب"اهـ.
    وقال أيضاً كما في مجموع الفتاوى (24/382) :"وكشف النساء وجوههن بحيث يراهن الأجانب غير جائز. وعلى ولي الأمرِ الأمرُ بالمعروف والنهى عن هذا المنكر وغيره، ومن لم يرتدع فإنه يعاقب على ذلك بما يزجره"اهـ.

    29. كثير من النساء لا يلبسن الجلباب، وتكتفي بلبس الثوب أو البنطال. والواجب على المؤمنة أن تلبس الجلباب (العباءة) إذا خرجت أمام الرجال، والدليل على ذلك قوله تعالى :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" (الأحزاب 59).
    والدليل الثاني على وجوب لبس الجلباب : حديث أم عطية رضي الله عنها قالت :"أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ (وهي المرأة التي لم تتزوج) فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلاَّهُنَّ، قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا" متفق عليه واللفظ للبخاري.

    صفة الحج

    30. يسـن للمتمتع أن يحرم بالحج في يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، من مكانـه الذي هو نازل فيه ، فيغتسـل ويتطيـب في بدنه، ويتجرد من المخيط، فيحـرم في رداء وإزار ونعلين. أما المرأة فتغتسل، وتلبس ما شاءت غير متبرجة بزينة، ولا تنتقب، ولا تلبس القفازين. وتستمر مشروعية التلبية ورفع الصوت بها إلى رمي جمرة العقبة من يوم النحر. و يسن المبيت هذه الليلة بمنى . وأن يصلي بها الظهر والعصـر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة، قصراً بلا جمع.

    31. إذا طلعت الشمس من يوم عرفة ( وهو اليوم التاسع من ذي الحجة ) سار الحاج من منى إلى عرفة، وهو يلبي أو يكبر، كما ثبت من فعل الصحابة رضي الله عنهم وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم : يلبي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه. فـإذا زالت الشمس صلى الظهر والعصـر جمعاً وقصراً بأذان وإقامتين، ويخطـب الإمـام قبل الصلاة خطبةً تناسب المقـام . ثم يتفرغ الحاج بعد الصلاة للذكر والدعـاء والتضرع إلى الله - عز وجل - فيدعـو الله رافعاً يديه مستقبلاً القبلة إلى غروب الشمس؛ كمـا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
    وينبغي على الحاج ألا يفرط في هذا الموقف العظيم ، فعليه أن يلح في الدعاء ، وأن يكثر من الدعاء والذكر والاستغفار، وعن عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثرَ من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ؟" أخرجه مسلم.
    وقد لا أذكر الأدلة في صفحة الحج اكتفاءً بحديث جابر الذي سبق ذكره بطوله.

    32. إذا كان الحاج في عرفة فعليه أن يتأكد أنه داخل حدود عرفة، وتعرف الحدود باللافتات الكبيرة حول عرفة .
    ومسجد نمرة ليس كله في عرفة؛ بل بعضه في عرفة (وهو الجزء الخلفي)،وبعضه خارج عرفة (وهو الجزء الأمامي).

    33. من المخالفات الشرعية ما يعتقده بعض الناس أن لجبل عرفة فضيلة؛ فتجدهم يصعدونه ويتزاحمون على صعوده، بل بعضهم يستقبل الجبل بالدعاء ولا يستقبل القبلة، وأشد من ذلك ما يحصل عند شاخص جبل عرفة من التمسح والتبرك به، وغير ذلك من البدع وذرائع الشرك.

    34. يتعجل بعض الحجاج فيخرج من عرفة إلى مزدلفة قبل غروب الشمس؛ وهذا مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والمشروع أن يبقى في عرفة حتى تغرب الشمس.

    35. يعتقـد بعض الناس أن حصى الجمار يؤخذ من حين وصولهم مزدلفـة، وهـذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، والتقاطها جائز من أي موضع.

    36. يحرم تأخـير العشاء عن وقتها، وهو نصف الليل ؛ لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ووقت العشـاء إلى نصف الليل " أخرجه مسلم . فإذا خشي خروج الوقت صلى المغـرب والعشـاء في أي مكان ولو في عرفـة.

    37. يظن بعض الناس أن نصف الليل هو الساعة الثانية عشرة، وهذا خطأ، والصواب أنه نصف مجموع ساعات الليل، ويمكن التوصل إليه بالعملية الحسابية الآتية: (مجموع ساعات الليل ÷ 2 + وقت الغروب = منتصف الليل) ؛ فإذا كانت الشمس تغرب الساعة السادسة مثلاً، والفجر يطلع الساعة الخامسة، فنصف الليل يكون: الساعة الحادية عشرة والنصف. (مجموع ساعات الليل 11 ÷ 2 +وقت الغروب 6 = الحادية عشرة والنصف).

    38. من المخالفات المؤلمة في هذه الليلة : أن كثيراً من الحجاج يصلّون الفجر قبل دخول الوقت، والصلاة لا تصح إذا فعلت قبل دخول الوقت .

    39. على الحاج أن يتأكد أنه داخل حدود مزدلفة، ويعرف ذلك باللافتات الكبيرة حول مزدلفة.

    40. الضعفة والنسـاء يجوز لهم الدفع إلى منى في آخر الليل لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَحَر من جَمع (مزدلفة) في ثَقَل نبي الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مسلم . والسَّحر : آخر الليل . وقد كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترتحل من مزدلفه بعد مغيب القمر ــ كما في الصحيحين وسيأتي إن شاء الله ــ ومغيب القمر يكون بعد مضي ثلثي الليل تقريباً.

    41. أعمال يوم النحر:
    1- رمي جمرة العقبة. 2- ذبح الهدي (على المتمتع والقارن). 3- الحلق أو التقصير والحلق أفضل. 4- طواف الإفاضة 5- سعي الحج ( للمتمتع، أما القارن والمفرد فيسعيان أيضاً إذا لم يسعيا مع طواف القدوم).
    هذا الترتيب هو السنة، فلو لم يرتب فلا حرج عليه؛ كمن قدم الطواف على الحلق ، أو قدم الحلق على الرمي ، أو قدم السعي على الطواف، أو غير ذلك.
    فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال :"رَأَيْتُ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَهُوَ يُسْأَلُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ قَالَ ارْمِ وَلاَ حَرَجَ قَالَ آخَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ قَالَ انْحَرْ وَلاَ حَرَجَ فَمَا سُئِلَ عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ" متفق عليه.
    وفي رواية لمسلم : "وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ إِنِّى أَفَضْتُ إِلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ قَالَ ارْمِ وَلاَ حَرَجَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ قَالَ افْعَلُوا وَلاَ حَرَجَ".
    وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ قَالَ لاَ حَرَجَ قَالَ آخَرُ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ لاَ حَرَجَ قَالَ آخَرُ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ قَالَ لاَ حَرَجَ" أخرجه البخاري.
    رمي جمرة العقبة يوم النحر.

    42. رمي جمرة العقبة يكون بسبع حصيـات متعاقبات، يرفع يده ويكبر عنـد رمي كل حصاة، والسنة أن يستقبل الجمرة ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، وتنتهي التلبية برمي جمرة العقبة.
    فعن ابن عباس رضى الله عنهما :"أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ الْفَضْلَ فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ" متفق عليه. وعن عبدالرحمن بن يزيد رحمه الله عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه :"أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَالَ هَكَذَا رَمَى الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم" متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي رواية للبخاري :"فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ" وعند مسلم :"فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ".

    43. يبدأ وقت رمي جمرة العقبة في حق الأقوياء بعد طلوع الشمس لظاهر فعل النبي صلى الله عليه وسلم. أمـا النساء والضعفاء فيجوز لهم الرمي مـن حين وصولهم إلى منى من آخر الليل لحـديث أسماء رضي الله عنها؛ فعن عبـد الله مولى أسماء، عن أسماء أنها نزلـت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي، فصلـّت ساعة ثم قالت: يا بُنَي هل غاب القمـر؟ قلت: لا. فصلت ساعةً ثم قالت: هـل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا، فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هَنَتاه، ما أُرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بُني، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظُّعْن" متفق عليه. (ومعنى قوله : يا هنتاه ..الخ أي يا هذه ما أظننا إلا قد رمينا بليل . والمراد بالظعن : النساء).
    ويدل الحديث على أن من جاز له الدفع ليلاً من مزدلفة إلى منى جاز له رمي جمرة العقبة ليلاً.

    44. ويمتد وقت رمي جمرة العقبة إلى الزوال (وقت أذان الظهر). وله أن يرميها بعد الزوال ولو في الليل إذا لم يتيسر رميها قبل الزوال ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، فَيَقُولُ: لاَ حَرَجَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ، وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ" أخرجه البخاري .

    45.رمي جمرة العقبة يكون بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده ويكبر مع رمي كل حصاة، والسنة أن يستقبل الجمرة ويجعل مكة عن يساره ومنىً عن يمينه، وإن رماها من أي جهة فلا حرج، ولم يثبت في تحديد الجمرة عمود ولا حوض ولكنها جهة معلومة، وعليه فإنه لا يشترط إصابة الشاخص أو الجدار، ولا وقوعها في الحوض، وإنما الواجب الرمي إلى هذه الجهة المعلومة، فكل من جاء إليها فرماها صح رميه وإن بعُد عنها بسبب الزحام، أو رماها من الأدوار العليا كذلك، لدفع ضرر الزحام عن الحجاج، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى الجمرة راكباً.

    46. السنة أن يبادر بذبح الهدي والحلق والطواف والسعي، وإن أخرها عن يوم النحر فلا حرج.

    47. ذبح الهدي واجب على المتمتع والقارن، أما المفرد فلا يجب عليه هدي. ومن لم يجد الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. قال الله تعالى { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (البقرة 196) .
    ولا يلزم أن يكون الذبح في منى بل يجوز في مكة وبقية الحرم، ويجوز أن يشترك سبعة في البدنة أو البقرة، والسنة أن يذبح بيده وإن وكّل غيره جاز.
    والسنة أن يضجع الهدي (البقرة أو الشاة) على جانبها الأيسر، ويستقبل بها القبلة، وأن يضع قدمه على صفحة العنق. أما الإبل فالسنة نحرها قائمةً معقولة اليد اليسرى، ووجهها إلى القبلة.
    ويشترط ذكر اسم الله عند الذبح، ويسن أن يزيد فيقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبل مني.
    ويستمر وقت الذبح إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر.

    48. الطواف بالبيت سبعة أشواط، كما سبق في طواف العمرة، ولكن دون رمل أو اضطباع، ثم يسن أن يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك ـ وقد سبق التنبيه إلى خطأ ما يفعله بعض الحجاج والمعتمرين من الصلاة خلف المقام في أوقات الزحام وإيذاء الطائفين بذلك، وأن الصواب: أن يرجع إلى الخلف حتى يبتعد عن الطائفين فيجعل المقام بينه وبين الكعبة، وإن صلاها في أي موضع من الحرم أجزأت.

    49. السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، وصفته كما سبق في سعي العمـرة. و القارن والمفرد يكفيهما السعـي الأول إن كانا قد سعيا مع طواف القدوم.

    50. التقصير لابد أن يعم جميع الرأس، والمرأة تجمع شعرها فتقص منه قدر أنملة، وإن كان شعرها متفاوت الطول أخذت من كل أطواله حتى تعم جميع الرأس أو أكثره.

    51. إذا رمى الحاج جمرة العقبة حل التحلل الأول (وهو حِلُّ جميع محظورات الإحرام إلا النساء) على الراجح من أقوال أهل العلم.
    أما اشتراط الحلق مع الرمي أو فعل اثنين من ثلاثة ومنها الطواف فلم أقف فيه على دليل صريح صحيح. قال ابن قدامة في المغني(5/310) :"وعن أحمد: أنه إذا رمى الجمرة فقد حلَّ…. وهذا قول عطاء ومالك وأبي ثور، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى" اهـ. وقد وردت أحاديث بهذا المعنى إلا أنها صريحة غير صحيحة أو صحيحة غير صريحة، لكن الحكم ثابت من فتاوى جمع من الصحابة وهم: عمر وابنه وعائشة وابن الزبير رضي الله عنهم وقد ذكرتها مفصلة في كتاب فقه الحج.
    ويسن له أن يتطيب قبل الطواف.
    فعن عائشة رضي الله عنها رضى الله عنها قالت :"طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَىَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا" متفق عليه واللفظ للبخاري. وفي رواية للبخاري :"طَيَّبْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِى لِحُرْمِهِ، وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ". وعنها رضي الله عنها قالت :" كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ" أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم عن عروة بن الزبير قال :"سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضى الله عنها بِأَىِّ شَىْءٍ طَيَّبْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ حِرْمِهِ؟ قَالَتْ: بِأَطْيَبِ الطِّيبِ".

    52. وإذا رمى ، وحلق أو قصر ، وطاف طواف الإفاضة ، حل التحلل الثاني (أي جاز له كل شيء حتى النساء).

    53.أيام التشريق والرخصة فيها
    مقدمة:
    الرخصة لها معنيان، معنى صحيح، ومعنى فاسد.
    أما الصحيح فهي الرخصة الثابتة بالكتاب أو السنة.
    أما الرخصة التي بالمعنى الفاسد، فهي الأخذ بأيسر أقوال العلماء إذا اختلفوا، وليس الأخذ بالدليل، وبعضهم يقول: مالم تكن المسألة إجماعية فللمسلم أن يختار من الأقوال ما يراه ملائماً له، وحقيقة الأخذ بالرخص بهذا المعنى هو اختيار الأحكام بالتشهي وليس بالدليل، وهذا المعنى هو الذي قال فيه بعض أهل العلم : من تتبع رخص العلماء تزندق.
    أيام التشريق ثلاثة؛ وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وينتهي اليوم الثالث عشر بمغيب الشمس.
    والمشروع للحاج أن يمكث بمنى هذه الأيام ولياليها، والليل آكد كما سيأتي في الأدلة إن شاء الله تعالى، وأن يرمي الجمار الثلاث كلَّ يوم بعد الزوال.
    فالنبي صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر، ثم نحر، ثم حلق، وهذا كله بمنى، وتطيب، ثم طاف طواف الإفاضة، ثم عاد إلى منى ظهراً من يوم النحر، ومكث بها، ورمى الجمار في كل يوم من أيام التشريق بعد زوال الشمس(والزوال هو بداية وقت صلاة الظهر) حتى رماها من اليوم الثالث بعد الزوال وخرج من منى قبل صلاة الظهر إلى المحَصِّب، ويسمَّى الأبطح، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد ثم صلى الفجر عند الكعبة وطاف طواف الوداع وخرج بعده من مكة إلى المدينة.
    والتحصيب(وهو المكث في المُحَصِّب ويسمى الأبطح بعد خروجه من منى وقبل الوداع) ليس نسكاً وإنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه.
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقصر الرباعية بمنى، ولم ينقل أنه أتم الرباعية حتى عاد إلى المدينة.

    وإليك أدلة ما سبق وتفصيل أحكامه.
    أولاً: المبيت بمنى والرخصة فيه.
    عن ابن عمر رضي الله عنهما :"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى" أخرجه مسلم، وأخرجه البخاري بنحوه معلقاً.
    وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :"صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلاَفَتِهِ" متفق عليه واللفظ للبخاري.
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت :"نُزُولُ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ" أخرجه مسلم.
    وعن ابن عمر أيضاً رضي الله عنهما قال :"اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضى الله عنه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِىَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ" متفق عليه.
    وفي رواية للبخاري :"رخَّص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ…"
    والرخصة لا تكون إلا من عزيمة فدل على وجوب المبيت بمنى. ومما رود عن الصحابة رضي الله عنهم في التأكيد على المبيت داخل حدود منى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:"لاَ يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنَ الْحَاجِّ لَيَالِىَ مِنًى مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ" أخرجه مالك (1/406) عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال به وهذا إسناد صحيح. قال ابن عبدالبر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (17/263) :"وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَبِيتَ مِنْ مؤكدات أمور الحج والله أعلم"اهـ.
    والقول بوجوب المبيت بمنى ليالي التشريق التشريق هو قول جمهور الفقهاء، والقول الآخر بالاستحباب وهو مذهب الحنفية وقولٌ للشافعي ورواية عن أحمد، وقال به من الصحابة رضي الله عنهم ابنُ عباس رضي الله عنهما فقد صح عنه أنه قال :" لا بأس أن يبيت الرجل بمكة ليالي منى، ويظل إذا رمى الجمار"أخرجه عبد الرزاق (كما نقله عنه ابن عبد البر في التمهيد 17/262) عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس به وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ :"إذا رميت الجمار رغبت حيث شئت" قال ابن أبي شيبة :حدثنا زيد بن الحباب، قال : أخبرنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس به وهذا لا بأس به من أجل زيد بن الحباب قال عنه ابن حجر في التقريب :"صدوق يخطئ في حديث الثوري". وقال عنه الذهبي في الكاشف :" الحافظ، لم يكن به بأس، قد يهم" وهو من رجال مسلم. قال ابن عبدالبر في التمهيد (17/262) :"لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِي الْمَبِيتِ عَنْ مِنًى لَيَالِيَ مِنًى لِلْحَاجِّ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَرِوَايَةً رَوَاهَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ"اهـ.
    ومما ورد في التوسعة في المبيت خارج منى عند الحاجة:
    حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه :"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِى الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ" أخرجه مالك (1/408) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ عَنْ أَبِيهِ به وهذا إسناد صحيح.
    وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ رَمْيَ الْجِمَارِ نَوَائِبَ بَيْنَ رِعَاءِ الإِبِلِ، يَأْمُرُ الَّذِينَ عِنْدَهُ فَيَرْمُونَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى الإِبِلِ، وَيَأْتِي الَّذِينَ فِي الإِبِلِ فَيَرْمُونَ، ثُمَّ يَمْكُثُونَ حَتَّى يَرْمُوهَا مِنَ الْغَدِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ" أخرجه ابن أبي شيبة (14312) قال: حدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ(وهو عبد الله بن نمير) عَنْ عُبَيدِ اللهِ(العمري) عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ به وهذا إسناد صحيح.
    وبهذا يظهر ثبوت الرخصة في ترك المبيت بمنى عند الحاجة، وأولى بالرخصة من لم يجد مكاناً للمبيت في منى.
    ومع كثرة الحجاج وزيادة أعدادهم سنة بعد سنة، فإنه يعسر جداً أو يستحيل أن تستوعبهم منى وهي بهذه الحال، والواجب بذل الأسباب لاستيعاب الحجاج؛ بأفضل ما وصلت إليه الخبرة البشرية التقنية والهندسية والمعمارية وغيرها؛ كالأبراج العالية والجسور والطرقات ذات الأدوار المتعددة، وإزالة جبال منى والبناء عليها، وتهيئة الأراضي المجاورة لمنى بمساحات واسعة لمبيت الحجاج بها..الخ، فنحن لسنا متعبدين بالخيام أو بالمشاريع البدائية. وسأفرد بإذن الله تعالى الحديث عن توسعة المشاعر والمطاف والمسعى بإذن الله تعالى.

    54. رمي الجمار أيام التشريق.


    وصفتها كالآتي: يرمـي الحاج الجمرات الثلاث في كل يوم مـن أيام التشريق بعد الزوال، بسبع حصيـات متعاقبات لكل جمرة، ويكبر مع كل حصاة؛ فيكون مجموع الحصى الواجب رميه في كل يوم إحدى وعشرين حصاة. (وحجم الحصا أكبر من الحمص قليلاً). فيبدأ برمي الجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخيف، ثم يتقدم عن يمينه فيقوم مستقبلاً القبلة، فيقوم قياماً طويلاً، ويدعو، ويرفع يديه. ثم يرمي الجمرة الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيقوم مستقبلاً القبلة، فيقوم قياماً طويلاً، ويدعو، ويرفع يديه. ثم يرمي جمرة العقبة، والأفضل أن يستقبلها ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ولا يقف عندها. ثم يرمي في اليوم الثاني عشر والثالث عشر كذلك.
    ومن أدلة ذلك:
    حديث سالم بن عبدالله بن عمر :"أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضى الله عنهما كَانَ يَرْمِى الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلاً فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِى الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلاً فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِى الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِى وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا. وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ" أخرجه البخاري.

    55. ليس من السنة غسل حصا الجمار؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه.

    56. الرخصة في رمي الجمار.
    هكذا بوب الإمام مالك في موطأه (1/408) :"باب الرخصة في الرمي".
    وفي الرمي أكثر من رخصة.
    الأولى: التوكيل في الرَّمي .
    يجوز رمي الجمار عن الصبيان الذين لا يستطيعون الرمي باتفاق أهل العلم؛ فعن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال (أي نافع) :"كان يحج بصبيانه، فمن استطاع منهم أن يرمي رمى'، ومن لم يستطع رمى' عنه"أخرجه ابن أبي شيبة (14029) قال حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن عبيد الله بن عمر(العمري) عن نافع عن ابن عمر به وهذا إسناد صحيح.
    قال ابن المنذر في الإجماع صــ56 :"وأجمعوا على أن الصبي الذي لا يطيق الرمي أنه يُرمى عنه" اهـ.
    ويرى كثير من العلماء أن كل من عجز عن الرمي لمرضٍ أو غيره جاز الرمي عنه، وهو قول عطاء وطاووس ومجاهد والحسن، وهؤلاء من علماء التابعين، وأقوالهم مروية في مصنف ابن أبي شيبة.
    قال ابن تيمية (26/245):"من عجز عن الرمي بنفسه لمرض أو نحوه فإنه يستنيب من يرمي عنه، ولا شيء عليه، وليس من ترك الواجب للعجز كمن تركه لغير ذلك، والله أعلم"اهـ.
    والقاعدة الشرعية : أن كل واجب عجز عنه المكلف سقط عنه، قال الله تعالى :" فاتقوا الله ما استطعتم" (التغابن 16). وقال صلى الله عليه وسلم :"فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
    فإن تيسر للحاج العاجز عن الرمي أن ينيب غيره ليرمي عنه فهو أولى لأثر ابن عمر رضي الله عنهما الدال على جواز النيابة في الجملة حال العجز، وإن لم يتيسر ذلك سقط عنه واجب الرمي ولا شيء عليه .

    57.الرخصة الثانية في رمي الجمار : جمع رمي يومين في يوم واحد.
    أيام التشريق كلها محل للرمي؛ فمن فاته رمي جمرة العقبة لعذر رماها من الغد، وإن فاته رمي جمرة العقبة وأول أيام التشريق رماها كلها في اليوم الثاني من أيام التشريق، وإن فاته رميها فيها رماها في اليوم الثالث من أيام التشريق، فإن غربت شمس يوم الثالث عشر فقد انتهت أيام التشريق وانتهى معها وقت رمي الجمار.
    فإذا اجتمع له رمي أكثر من يوم فعليه أن يرتب الرمي فيبدأ برمي جمرة يوم النحر(العقبة) ثم اليوم الذي يليه الأولى ثم الوسطى ثم العقبة ثم اليوم الذي يليه الأولى ثم الوسطى ثم العقبة.
    والدليل على هذه الرخصة حديث عاصم بن عدي رضي الله عنه :"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ" أخرجه مالك(1/408) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ به وهذا إسناد صحيح.
    وقد فسر الإمام مالك هذا الحديث كما في الموطأ :" قَالَ مَالِكٌ: تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ الَّذِى أَرْخَصَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي تَأْخِيرِ رَمْىِ الْجِمَارِ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَى الْيَوْمُ الَّذِى يَلِى يَوْمَ النَّحْرِ رَمَوْا مِنَ الْغَدِ وَذَلِكَ يَوْمُ النَّفْرِ الأَوَّلِ فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمِ الَّذِى مَضَى ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِهِمْ ذَلِكَ لأَنَّهُ لاَ يَقْضِى أَحَدٌ شَيْئًا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَضَى كَانَ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ بَدَا لَهُمُ النَّفْرُ فَقَدْ فَرَغُوا وَإِنْ أَقَامُوا إِلَى الْغَدِ رَمَوْا مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّفْرِ الآخِرِ وَنَفَرُوا"اهـ.
    والقول بجواز تأخير الرمي في أيام التشريق هو مذهب الشافعية والحنابلة.
    وقد أفتى به من العلماء المعاصرين في حال العذر : محمد الأمين الشنقيطي وابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله تعالى.
    58.الرخصة الثالثة في رمي الجمار: الرَّمي ليلاً.
    لحديث:"الراعي يرمي بالليل ويرعى بالنهار"أخرجه البزار والبيهقي، والصحيح أنه مرسل، أرسله عطاء بن أبي رباح، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وكلاهما من أئمة التابعين، أما الموصول فقد أخرجه البيهقي وتفرد به عمر بن قيس عن عطاء عن ابن عباس، وابن قيس متروك الحديث كما قال أحمد، ووصف الألباني هذا الإسناد بشدة الضعف، إلا أنه حسَّن الحديث بشواهده في السلسلة الصحيحة (2477).
    وأخرجه مالك في موطأه (1/409) عن يحيى بن سعيد به عن عطاء بن أبي رباح :"أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ أُرْخِصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ يَقُولُ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ" وهذا إسناد صحيح.
    وعطاء من علماء التابعين وقد سمع من جمع من الصحابة رضي الله عنهم وهو"إمام الناس كلهم في المناسك" كما قال عنه ابن تيمية رحمه الله وكلامه هنا يبين أن الرخصة في الرمي بالليل للرعاة كان أمراً معهوداً عن العلماء الذين قبله.
    وقال ابن شهاب الزهري وهو من حفّاظ وعلماء التابعين :"الرِّعاء يرمون ليلاً ولا يبيتون" أخرجه ابن أبي شيبة(15558) قال : حدثنا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب عن الزهري به وهذا إسناد صحيح.
    والقول بالرخصة في الرمي ليلاً هو مذهب الحنفية، وقول ابن حزم، ووجه عند الشافعية، وقول عند الحنابلة، وصدرت فتاوى كثيرة من العلماء المعاصرين منهم ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله تعالى.

    59. الرخصة الرابعة: الرمي قبل الزوال يوم النفر عند الحاجة.
    فالنبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار أيام التشريق بعد الزوال كما سبق في حديث جابر في صحيح مسلم، واختلف العلماء هل فعله صلى الله عليه وسلم يدل على عدم صحة الرمي قبل الزوال، أو أن فعله دليل الاستحباب والأفضلية؟.
    فأصحاب الرأي الأول وهم أكثر العلماء قالوا: إن مجرد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحج دال على الوجوب حتى لو لم يصحبه أمر قولي لحديث جابر رضي الله عنه قال:" رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرْمِى عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ" أخرجه مسلم.
    والذين رأوا جواز الرمي قبل الزوال قالوا : إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج منها ما يدل على الجواز، ومنها ما يدل على الاستحباب، ومنها ما يدل على الوجوب، وتحديد الحكم فيها يكون بالقرائن، وفهم الصحابة رضي الله عنهم، ثم التابعون لهم بإحسان.
    فركوبه صلى الله عليه وسلم الدابة في رميه لجمرة العقبة يوم النحر، ومشيه للجمرات أيام التشريق، دائر بين الاستحباب والجواز.
    وكذلك الرَّمل في الطواف، وركعتي الطواف، وتقبيل الحجر الأسود، واستلامه، أو الإشارة إليه، والسعي الشديد بين الميلين الأخضرين في المسعى، والوقوف والدعاء واستقبال القبلة على الصفا والمروة، وفي عرفة، وعند المشعر الحرام بالمزدلفة، وعند الجمرتين أيام التشريق، وسوق الهدي، ونحر مئة من الإبل، وجعل طواف الوداع في فجر اليوم الرابع عشر من ذي الحجة.. الخ، فهذه أفعال كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ودلالتها لا تتجاوز الاستحباب، ولذلك جزم ابن حزم في المحلى بأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجرَّدة في الحج دالة على الاستحباب دون الوجوب وأنساك الحج منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب.
    والخلاف في مسائل الرمي قبل الزوال أيام التشريق قائم من زمن الصحابة رضي الله عنهم وما كان كذلك لم يكن قول أحدهم حجة على الآخر، فالمسألة مما يسوغ فيه الاجتهاد، فعبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وهو خليفة المسلمين مدة تسع سنين، وهو أمير الحج كان يرمي قبل الزوال، فعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: ذَهَبْتُ أَرْمِي الْجِمَارَ، فَسَأَلْتُ هَلْ رَمَى عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ [ص:299] اللهُ عَنْهُمَا؟ فَقَالُوا: لَا، وَلَكِنْ قَدْ رَمَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا , قَالَ عَمْرٌو: فَانْتَظَرْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا, فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ، فَأَتَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى فَرَمَاهَا، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا قَلِيلًا، فَوَقَفَ وُقُوفًا طَوِيلًا، ثُمَّ أَتَى الْوُسْطَى، فَرَمَاهَا، ثُمَّ قَامَ عَنْ يَسَارِهَا، فَوَقَفَ وُقُوفًا طَوِيلًا، ثُمَّ أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا، ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَقِفْ عِنْدَهَا" أخرجه الفاكهي (4/292) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ(العدني) قَالَ: ثنا سُفْيَانُ (بن عيينة)، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ به. وهذا إسناد صحيح فعمرو وسفيان من الأئمة الحفاظ، والعدني قال عنه ابن حجر في التقريب "صدوق" والأرجح أنه ثقة فهو من رجال مسلم في صحيحه، وخرج له البخاري في المتابعات، وقد وثقه يحيى بن معين، والدارقطني، ووصفه الذهبي في الكاشف بالحافظ.
    وعن وَبَرَةَ قَال: "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا" أخرجه البخاري وفي رواية ليست في البخاري وإنما أوردها ابن حجر في الفتح (3/678) أن وبرة قال :"فقلت له : أرأيت إن أخَّر إمامي؟".
    فالذي يظهر والله أعلم أن وبرة سأل ابن عمر عن وقت الرمي، وكان الحال المعهودة من الزبير الرمي قبل الزوال أجابه ابن عمر عن هذا الواقع فقال:"إذا رمى إمامك فارمه" فعاوده وَبَرَة في صورة أخرى غير المعهودة من ابن الزبير فقال :" فقلت له : أرأيت إن أخَّر إمامي" فأجابه ابن عمر :" كُنَّا نتحيَّن…" فقوله :"كُنَّا نتحيَّن" ليس صريحاً في الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من فعله أو إقراره، بخلاف حديث جابر فهو رضي الله عنه يصف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رميه كان بعد الزوال.
    قال ابن حجر في شرحه لحديث جابر وقول ابن عمر رضي الله عنهم (3/678) :"وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاووس فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقاً، ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال. وقال إسحاق : إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه" اهـ.
    فالذي يظهر والله تعالى أعلم : قوة القول بصحة الرمي قبل الزوال أيام التشريق، لما سبق من دلالة أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، خصوصاً مع اختلاف فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم لها.
    أما يوم النفر فالقول بالجواز فيه أظهر (وهو اليوم الثاني عشر للمتعجل والثالث عشر للمتأخر) لما في الرمي قبل الزوال من رفع الحرج عن الحجاج، وتخفيف ضرر الزحام حال الرمي، وعند الطواف، فمن احتاج للرمي قبل الزوال جاز له، ومن أخذ بالسنة ورمى بعد الزوال فهو الأفضل والأحوط للدين، والله تعالى أعلم ونصيحتي للحجاج: الأخذ بالسنة والانتظار حتى يخف الزحام الشديد عن الجمرات وعن المطاف؛ لأن مشكلة الاختناق فيه أكبر في هذا الزمان.

    60. من الخطأ ما يفعله بعض الناس: من السـب والشتم عند الجمرات، والرمي بالحذاء والشمسية والحجارة الكبيرة، واعتقاد أن الشيطان مربوط فيها.

    61. يجوز (للمتعجل) أن ينصرف من منى في اليـوم الثاني عشر، بعد رمي الجمار ويخـرج قبل غروب الشمس؛ فإن غربت وهـو بمنى لزمه المبيت والرمي من الغـد؛ إلا أن يكون قد استعد للانصراف وغربت عليه الشمس بمنى بسبب الزحام ونحوه؛ فيجوز له أن ينفر منها ولا شيء عليه.

    62. يجب على الحاج قبل السفر من مكة أن يطوف طواف الوداع، سبعة أشواط، ويسن أن يصلي بعده ركعتين خلف المقام. والحائض والنفساء ليس عليهما طواف وداع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :"أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِر عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ" أخرجه البخاري ومسلم.

    63. ملخص أركان وواجبات العــمــرة والحــج :
    أركان العمرة: 1 - الإحرام (وهو نية الدخول في النسك). 2 - الطواف. 3 - السعي.
    واجبات العمرة: 1 - الإحرام من الميقات. 2 - الحلق أو التقصير.
    أركان الحج: 1- الإحـرام. 2- الوقوف بعرفة. 3- طواف الإفاضة. 4- السـعــي (وفيه خلاف قوي).
    واجبات الحج: 1 - الإحرام من الميقات. 2 - الـوقـوف بعـرفة إلى الغـروب لمـن وقف نهاراً.
    3 - المبيت بمزدلفة. 4 - المبيت ليالي التشريق بمنى. 5 - رمي الجمار (جمرة العقبة يوم النحر، والجمار الثلاث أيام التشريق بالترتيب). 6 - الحلق أو التقصير. 7 - نحر الهدي (للمتمتع والقارن، دون المفـرد). 8 - طواف الوداع.

    64. بعض الناس يكتفي بتقصير جزء من شعر الرأس من الأمام والخلف، وهذا التقصير لا يكفي، والواجب أن يعمّ جميع الرأس بالحلق أو التقصير على الأرجح من أقوال أهل العلم، لقول الله تعالى :"مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ".

    65. المرأة الحائض يجوز لها أن تحرم بالعمرة ولكن لا تطوف بالبيت حتى تطهر. وإذا كانت تخشى أن يرجع أهلها من مكة وهي لم تطهر وهي مضطرة للرجوع معهم، فالحل هنا : أن تشترط في الإحرام "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني" فإذا رجع أهلها وهي لم تعتمر تحللت ورجعت معهم ولا شيء عليها، والحل الآخر: أن لا تحرم وتدخل مكة بدون إحرام، فإن رجع أهلها وهي لم تطهر رجعت معهم ولا حرج عليها؛ لأنها لم تحرم، وإن طهرت وهي في مكة أحرمت بالعمرة كأهل مكة من أدنى الحل كالتنعيم وطافت وسعت وقصرت ؛ لأنها تجاوزت الميقات وهي غير جازمة بالعمرة.
    أما إذا تجاوزت الميقات وهي عازمة على العمرة لكنها لا تريد أن تبقى محرمة عدة أيام قبل الطهر، فالواجب عليها أن ترجع إلى الميقات وتحرم منه ؛ لأنه وجب في حقها الإحرام من الميقات.
    وإذا أحرمت المرأة بالحج تفعل ما يفعل الحاج إلا الطواف بالبيت، فإذا طهرت طافت بالبيت طواف الإفاضة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت :" خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِى، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّى لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ، قَالَ: لَعَلَّكِ نُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ ذَلِكَ شَىْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِى مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِى بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِى" متفق عليه واللفظ للبخاري.
    وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم :"أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أَحَابِسَتُنَا هِىَ فَقُلْتُ إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَلْتَنْفِرْ" متفق عليه واللفظ للبخاري.

    66. لا يجوز المرور أمام المصلي إذا كان إماماً أو منفرداً. أما المأموم فيجوز المرور أمامه وبين الصفوف.
    وينبغي على المصلي أن يبتعد عن مكان مرور الناس في الحرم. وعليه إذا كان منفرداً أن يتخذ سترة يصلي إليها ويقرب منها كالجدار والعامود ورف المصاحف ونحو ذلك ولا يضره من مرّ وراء السترة، وأن لا يقل طول السترة عن ذراع تقريباً. فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَىْ أَحَدِكُمْ شَيءٌ وَهُوَ يُصَلِّى فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ" متفق عليه واللفظ للبخاري.
    وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّى فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاَتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ" أخرجه مسلم. ومرور الرجل أمام المصلي محرم لكنه لا يقطع الصلاة.
    (آخرة الرحل: الخشبة التي يستند إليها راكب البعير وطولها نحو ذراع).
    وأخرج مالك في الموطأ عن نافع :"أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ لاَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ وهو يصلي، وَلاَ يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ" وهذا من أصح الأسانيد.
    ولا فرق في أحكام السترة بين الحرم المكي وغيره على القول الراجح من قولي العلماء، فإذا كان المرور بين يدي المصلي في غير الحرم محرماً ففي الحرم من باب أولى.
    وقد جاء اتخاذ السترة في الحرم من فعل بعض الصحابة؛ فعن يحي بن كثير قال : " رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَرَكَزَ شَيْئًا أَوْ هَيَّأَ شَيْئًا يُصَلِّي عَلَيْهِ" أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (7/ 13) :"قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ" به، وهذا إسناد صحيح.
    وعن صالح بن كيسان قال :"رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ، وَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمرُّ بين يَدَيْه". أخرجه أبو زرعة الرازي في تاريخه الدمشقي (ص:526) قال :"حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ (الفضل بن دكين) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ" به. وهذا إسناد صحيح، وأخرجه أيضاً ابن أبي الجعد في مسنده (1/423) من طريق أبي سلمة عن ابن كيسان بمثله.
    أما حديث المطلب بن أبي وِداعة رضي الله عنه :"أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ سُتْرَةٌ" فضعيف. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة ومداره على كثير بن كثير بن المطلب أنه سمع بعض أهله يحدث عن جده المطلب بن أبي وداعة به، وأعله ابن رجب وابن حجر لأن في إسناده من لا يعرف، وضعفه من المعاصرين الألباني وابن باز رحمهم الله جميعاً.

    67. ما يفعله بعض الناس من تَكرار العمـرة إذا وصـل إلى مكة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يستحب تكرار الطواف سبعة أشواط وركعتان بعده بدون إحرام.

    68. من بدع بعض المعتمرين ذهابهم إلى غار حراء، وغار ثور، وجبل عرفة وشاخصه، والتبرك بها والدعاء أو الصلاة عندها، والكتابة عليها.
    ومن البدع أيضاً التبرك بالمكتبة الموجودة أمام ساحة المسعى أو الصلاة أو الدعاء عندها أو الكتابة عليها، بل بعضهم يستقبلها ويستدبر الكعبة، كل هذا ظناً منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيها، وهذا غير صحيح، ولو سلمنا جدلاً صحة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، فإن هذا لا يعني تخصيص هذا المكان بأي نوع من العبادة، فقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم واعتمر أصحابه ولم يذهبوا إلى غار حراء ولا إلى المكان المزعوم لمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان في الذهاب إلى هذه الأماكن فضل لسبقونا إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي رواية لمسلم :"مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ". ومن أحب النبي صلى الله عليه وسلم اتبعه ولم يبتدع في دينه.

    69. المسافر القادم للحج أو العمرة يسن له في الطريق القصر والجمع، أما أثناء بقاءه في مكة فيسن له أن يقصر فقط، أما الجمع فجائز له وتركه أفضل. فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال :" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ" متفق عليه واللفظ للبخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال :" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ"متفق عليه. وعن أنس رضي الله عنه قال :" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ" أخرجه البخاري.
    وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال :"خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلاَةَ؛ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلاَةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا" أخرجه مسلم.
    قال ابن قدامة معلقاً على حديث معاذ هذا في المغني (3/131) :"وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ، وَأَقْوَى الْحُجَجِ، فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ : لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ، مَاكِثٌ فِي خِبَائِهِ، يَخْرُجُ فَيُصَلِّي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى خِبَائِهِ.. وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ( مُتَعَيَّنٌ )؛ لِثُبُوتِهِ وَكَوْنِهِ صَرِيحًا فِي الْحُكْمِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ"اهـ.
    والمشروع في حقه أن يصلي الصلوات الخمس جماعة في المسجد، وإذا صلى في المسجد فيُتِمُّ الرُّباعية متابعة للإمام حتى لو لم يدرك منها إلا ركعة واحدة، هذا هو الأقرب، وهو ما أفتى به ابن عمر رضي الله عنهما، وتتابع عليه جمع من أئمة السلف، كما رواه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه، وأخرج ملك في موطأه قال :"أَخْبَرَنِي نَافِعُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يُقِيمُ بِمَكَّةَ عَشْرًا، فَيَقْصُرُ الصَّلاةَ إِلا أَنْ يَشْهَدَ الصَّلاةَ مَعَ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِصَلاتِهِمْ". وهذا من أصح الأسانيد.

    70. من المخالفات المؤلمة ظاهرة المعاكسات من قبل بعض الشباب، وظاهرة التبرج، وتزاحم الرجال والنساء الذين قدموا للحج والعمرة في الأسواق، وكذلك تساهل الآباء والأمهات مع بناتهم في لبس العباءة المتبرجة والذهاب إلى الأسواق بدون محرم، وقد حصل بسبب هذا التساهل مفاسد عظيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ" متفق عليه واللفظ للبخاري. والواجب على المرأة المسلمة أن تقر في بيتها أولاً، فإذا احتاجت للخروج فلابد أن تحتجب عن الرجال الأجانب بلبس الجلباب الواسع (عباءة الرأس الواسعة) ولا يبدو منها شيء؛ لا وجهها ولا يداها ولا قدماها، قال الله تعالى :"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" (الأحزاب59). وقد بسطت الأدلة في ذلك في رسالة أخرى.

    71. نشاهد أحياناً مع الأسف الشديد أن يصلي الرجل بجانب المرأة، أو خلفها في ساحات الحرم، وهذا خطأ كبير. والواجب أن يصلي الرجل مع الرجال، وأن تصلي المرأة مع النساء. فإن أقيمت الصلاة والمرأة بين الرجال ولم تجد طريقاً إلى مكان النساء، فإنها لا تصلي معهم، بل تنتظر حتى تنتهي الصلاة، ثم تذهب إلى مكان النساء. وقد ثبت في السنة تحري المباعدة بين الرجال والنساء في الصلاة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا" أخرجه مسلم.

    72. من الملحوظات التي نشاهدها في الحرم أيضاً : مسك الحذاء باليد اليمنى، ثم يصافح بها، ويأكل بها. والصحيح أن يكون مسك الحذاء باليد اليسرى، فاليد اليمنى لكل ما من شأنه التكريم، واليسرى على خلاف ذلك كالاستنجاء وإزالة الأذى وحمل الحذاء. وقد أخذ أهل العلم هذه الضابط من مجموع أدلة أهمها: حديث عائشة رضي الله عنها قالت :"كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِى شَأْنِهِ كُلِّهِ" متفق عليه، واللفظ للبخاري. والمراد بالتنعل أي البدء بالرجل اليمنى في لبس النعل. وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ" متفق عليه، واللفظ للبخاري.

    73. يكثر في المسجد الحرام الصلاة على الجنائز، وصفتها بإيجاز أن يكبر أربع تكبيرات وهو قائم ثم يسلم.
    ففي التكبيرة الأولى يرفع يديه ثم يقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يصلي بالصفة التي أمرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت والأفضل الدعاء بما ورد، ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة.

    ومن الأدلة على ذلك:
    حديث أبي هريرة رضي الله عنه :"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِىَّ فِى الْيَوْمِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ" متفق عليه.
    وعن طلحة بن عبدالله بن عوف رحمه الله قال :"صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، قَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ" أخرجه البخاري.
    وأخرج عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (3/489) (6428) عن مَعمر، عن الزهري، قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه، يُحدث ابنَ المسيب قال :" السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ أَنْ يُكَبِّرَ، ثُمَّ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ، وَلَا يَقْرَأَ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يُسَلِّمَ فِي نَفْسِهِ عَنْ يَمِينِهِ" وهذا إسناد صحيح.
    وأفضل صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي التي علَّمها النبيُ صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم، كما في حديث كعب بن عجرة؛ فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى رحمه الله، قال:"لَقِيَنِى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِى لَكَ هَدِيَّةً؟ إِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" متفق عليه.
    وأما الدعاء فمما ثبت منه: حديث عوف بن مالك رضي الله عنه يقول :"صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلاً خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ. قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ" أخرجه مسلم.
    وإن دعا له بغير ذلك فلا حرج إن شاء الله تعالى.

    74. أوصي نفسي وإخواني طلاب العلم في ذهابهم إلى العمرة أن ينشطوا في الأعمال الدعوية والاحتسابية؛ ومن الوسائل المقترحة:

    أ. الإكثار من توزيع الكتب والمطويات النافعة، فلا يذهب أحد إلى مكة إلا وقد حمل معه قدراً كبيراً من ذلك.
    ب. الانفتاح مع المسلمين القادمين من أطراف الدنيا والتعرف عليهم أثناء بقائه في الحرم، والحديث معهم بالدعوة إلى الخير والتنبيه على ما وقع فيه من مخالفات شرعية، وأهم من ذلك الحديث عن أصول الاعتقاد؛ كتحقيق التوحيد والولاء والبراء واتباع السنة، والتحذير من مظاهر الشرك والبدع والمنكرات. ومن الأعمال الصالحة إقامة حلقة لتصحيح التلاوة خصوصا الفاتحة، وصفة الوضوء والصلاة.. وإهداء الكتب أو المطويات النافعة، وكذلك الأخوات مع النساء فإذا ذهبت إلى المسجد الحرام أخذت معها عدد من المطويات أو الكتيبات أو الأشرطة، مع الحرص على الكتب المتضمنة لبيان التوحيد والسنة والتحذير من الشرك والبدع والمحرمات، فتعطي من حولها من هذه الكتب، أو تقيم حلقة لتصحيح التلاوة، أو تلقي درساً قصيراً في العقيدة أو الأحكام الفقهية المهمة..الخ.
    ج. وضع مظروف يشتمل على العباءة الإسلامية وغطاء الوجه والقفاز والشراب الأسود ومعها نشرة عن الحجاب بلغات مختلفة، ويتم توزيعه بأعداد كبيرة على النساء، وأوصي الجمعيات الخيرية بهذه الفكرة.
    د. النصح والإنكار الميداني من قبل طلاب العلم على مظاهر البدع والمخالفات الشرعية، وعلى المتبرجات، والسافرات، والمدخنين، وعلى المحلات التي تبيع المحرمات كالعباءات المتبرجة أو الدخان أو المجلات والصحف المحرمة، وأشد من ذلك الذين يتعاملون بالربا، وعلى الفنادق التي تعرض القنوات الفضائية المحرمة، وغير ذلك مما يرى في الحرم والطرقات والأسواق بالرفق واللين والإحسان والكلمة الطيبة.
    وهذا آخر الموضوع والحمد لله رب العالمين.




    فتح حساب فوركس اسلامي معنا المميزات و الخطوات
يعمل...
X