صندوق النقد الدولي يكرر الأخطاء نفسها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صندوق النقد الدولي يكرر الأخطاء نفسها

    بالنظر إلى أن سقوط دومينيك ستراوس ـ كانْ من المجد جاء في أسوأ الأوقات بالنسبة لصندوق النقد الدولي، المنشغل بأزمتي اليونان والبرتغال، فقد كتب كثيرون عن مواهبه وتأثيره الكبير أثناء المفاوضات الأخيرة. لكن من المرجح أن يتذكره التاريخ بوصفه الرجل الذي وضع صندوق النقد الدولي على طريق التراجع، جراء معالجته غير الموفقة لأزمة الديون التي تواجهها منطقة اليورو.

    إن القرار الذي اتخذه ستراوس – كانْ لمعالجة الأزمة باعتبارها مسألة سيولة وليس ملاءة، قاد صندوق النقد الدولي لتجنب أية فكرة لإعادة هيكلة الدين، أو الخروج من منطقة اليورو، كحل لمشاكل القطاع العام في البلدان الطرفية ومشاكل الاختلالات الخارجية. وبدلاً من ذلك اختار سياسة التشدد المالي القاسية والإصلاحات الهيكلية المتطرفة علاجا لجميع المشاكل التي تعاني منها اليونان، وإيرلندا، والبرتغال.

    وكان ينبغي للخبرة مع هذه السياسات في الأرجنتين خلال الفترة 1999 – 2001، وفي لاتفيا في الفترة 2008 – 2009 أن تفيد صندوق النقد الدولي أن هذه السياسة في ظل اليورو – الذي يعتبر أكثر أنظمة أسعار الصرف ثباتاً – لا بد وأن تؤدي إلى أعمق حالات الركود الاقتصادي. وكان ينبغي على الصندوق أن يتوقع أيضاً أن تمحو حالات الركود العميقة القواعد الضريبية لتلك البلدان وتقوض استعدادها السياسي للسير في طريق التعديل.

    لذلك، الأداء الاقتصادي السيئ الذي يتضح الآن في اليونان وإيرلندا يهدد بتشويه سمعة صندوق النقد الدولي في أوروبا بالطريقة نفسها التي شوهت بها البرامج التي نفذها في آسيا وأمريكا اللاتينية سمعته هناك وجعلته منبوذاً في تسعينيات القرن الماضي. وفي الوقت نفسه تسببت البرامج الاقتصادية الخاصة بالبلدان الطرفية في أوروبا، التي كانت لها فرصة ضئيلة في استعادة قابلية الدين العام للاستمرارية، في تمزيق صدقية الصندوق في الأسواق المالية.

    ولتعقيد الأمور، وعن طريق دعم هذه البرامج بإقراض غير مسبوق، يثقل صندوق النقد الدولي ميزانيته العمومية بمبالغ هائلة من المطالبات المشكوك فيها على الدول المفلسة، التي سيبذل الصندوق جهوداً مضنية لتحصيلها في الأعوام المقبلة.

    والمفترض في برنامج ناجح لصندوق النقد الدولي أن يستعيد توازن ميزان المدفوعات لبلد ما بأدنى تكلفة على نموه وإمكاناته. ويقصد به أيضاً أن يستعيد ثقة السوق التي تترجم إلى تكاليف إقتراض أقل. لكن بعد مضي عام على حزمة القروض التي قدمها صندوق النقد الدولي، البالغة 150 مليار دولار، نجد أن برنامج التعديل الذي سارت عليه اليونان لم ينجح. فنمو اليونان في اتجاه نزولي لولبي ومعدل البطالة يزيد على 15 في المائة. ويمكن أن تقل الإيرادات الضريبية في 2011 عشرة مليارات دولار عما تصوره برنامج صندوق النقد الدولي.

    علاوة على ذلك، لم يتمكن البرنامج من استعادة الثقة. وفي واقع الأمر، يتعين على الحكومة اليونانية أن تدفع الآن أكثر من 25 في المائة على الاقتراض لمدة عامين، ما أجبر صانعي السياسات الأوروبيين على الاعتراف بأنه ليست أمام أثينا فرصة تمكنها من معاودة الوصول إلى الأسواق المالية في عام 2012 كما هو مخطط. وعلى نحو مشابه، فرغم الإعلان عن تقديم حزم دعم كبيرة من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لإيرلندا والبرتغال، فإن أسعار الفائدة على سنداتهما الحكومية هي الآن في أعلى مستوياتها منذ انضمامهما إلى اليورو.

    ومن أهم حالات الفشل التي مني بها صندوق النقد الدولي حتى الآن في اليونان، يبرز انتهاج السياسيات التي لم تكن لها فرصة للنجاح في ظل القيود التي يفرضها نظام سعر الصرف الثابت، الذي يعيق عملية خفض سعر الصرف كوسيلة لتعزيز نمو الصادرات باعتباره تعويضاً عن التشديد المتطرف للسياسة المالية. وربما كان بوسع المرء أن يتفهم ارتكاب صندوق النقد الدولي خطأً أساسياً على صعيد السياسات بالنسبة لليونان في أيار (مايو) 2010 في أوج الأزمة التي كانت تهدد بالانتشار إلى خارج حدود البلد. لكن الأمر الذي يصعب فهمه هو لماذا اختار صندوق النقد الدولي، في ظل الأداء الاقتصادي السيئ لليونان، أن يكرر الخطأ نفسه في برنامجه للتعديل الخاص بإيرلندا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 وفي برنامجه المقترح للبرتغال في الوقت الراهن.

    وما هو أصعب على الفهم حتى، لماذا يقترح صندوق النقد الدولي الآن أيضاً ضرورة تطبيق اليونان مزيدا من وصفات السياسة نفسها التي أدت إلى الحالة الخطرة الراهنة لاقتصادها.

    يجب على المرء أن يأمل في أن يعيد قائد جديد لصندوق النقد الدولي التفكير بصورة جوهرية في برامج الصندوق الاقتصادية الخاصة بالبلدان الأوروبية الطرفية، لأن من دون إعادة التفكير هذه، فإن صندوق النقد الدولي في خطر مرة أخرى أن يجعل من نفسه غير ذي قيمة في النظام المالي العالمي.



    الكاتب زميل مقيم في «أميركان إنتربرايز إنستتيوت».


يعمل...
X