دفاعاً عن حرية التعبير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دفاعاً عن حرية التعبير

    تقاليد بريطانيا في حرية الصحافة يتم التبجح بها كثيرا، وسبب ذلك وجيه: إنها تجعل الصحف راغبة في انتقاد الحكومة والكشف عن أخطاء الشخصيات العامة، وهي أداة رقابة فعّالة على السلطة غير المقيدة.

    لكن حرية الصحافة يمكن أن يكون لها جانب مظلم يتعلق بخوض المحررين في نميمة متلهفة حول الحياة الخاصة للمشاهير. ومع أن مثل هذه القصص مشوقة للقراء بلا جدال، إلا أن دورها في خدمة الصالح العام مشكوك فيها.

    وفي حين أن حرية الصحافة تظل راسخة بشدة في بريطانيا، إلا أنها تتعرض للتآكل. وحدث التغير الكبير مع تبني الحق القانوني في الخصوصية. ومنذئذ، والقضاة يتدخلون بشكل متزايد لتكميم الصحافة.

    وتحل الخصوصية محل القذف ملاذا اختياريا لأولئك الذين لا يريدون من الصحافة تغطية نشاطاتهم. ويشكل هذا مفهوما أكثر تهديداً لحرية الصحافة من التشهير، لأنه ينص على أن هناك بضعة أشياء ينبغي ألا تُنشر ببساطة لأنها خاصة. هذا التطور حركته سلسلة من الأحكام القضائية المستندة إلى المادة 8 من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، التي وُضعت أصلاً لحماية حياة الفرد الخاصة من تغوّل الحكومة.

    باستخدام هذه الأسس القانونية، ابتدع القضاة أداة قانونية تتعلق بالخصوصية. وهذا يضع قيودا على الصحافيين عند كتابة تقاريرهم حول حدث ما.

    وعند تحديد ما إذا كانوا سيصدرون أوامر متعلقة بالخصوصية، من المفترض في القضاة أن يحققوا توازنا بين احترام الخصوصية والمادة 10 من الميثاق، المُعدة لحماية حرية التعبير. ومن المستحيل على القضاة تحقيق هذا التوازن من حيث المبدأ والتطبيق.

    وفي الأسابيع الأخيرة تم الكشف عن بعض القصص موضع الحديث على موقع تويتر للتراسل الاجتماعي. وكثير من هذه القصص يتعلق بطيش جنسي لممثلين ورياضيين معروفين، وهو أمر ربما لا تكون علاقته بالصالح العام واضحة. لكن حتى حياة المرء الجنسية يمكن أن تشكل اهتماما مشروعاً للجمهور، مثلا عندما يكون المرء مُذنباً بالنفاق وترويج صورة نظيفة عن نفسه لكسب ثناء المقترعين، أو المستهلكين.

    إن بعض أوامر الاحتراز أخرست أجهزة الإعلام في مسائل لا جدال في أنها من الصالح العام. فمن المستحيل، مثلا، تبرير قرار منح أمر تكميم لـ''ترافيجورا''، المؤسسة متعددة الجنسيات، هدد حتى قدرة البرلمان البريطاني على مناقشة تقرير حول نشاطاتها في غربي إفريقيا.

    الحُكم ينبغي أن يصدر ليميز بين الصالح العام المشروع والتطفل المجاني. ولا يمكن للقضاة أن يفعلوا ذلك بيسر؛ لأن القانون الذي يستندون إليه في الاستدلال لا يوفر إلا إرشاداً محدوداً حول موضع هذا التمييز. كما أن هناك مسألة مدى نفاذ مفعول الأوامر القضائية في التقاطعات الاجتماعية. فحظر النميمة على الإنترنت، أو في الحانات ـــ حتى لو كان ممكناً ـــ لن يكون مرغوباً.

    ربما يُعتقد أن هذا يمكن أن يفضي إلى طلب قانون خصوصية أكثر وضوحاً. هذه الصحيفة ثمنت في الماضي مزايا قانون الخصوصية الكبرى، لكن ليس من الواضح أن ذلك التشريع يمثل الإجابة هو الآخر.

    ولسبب ما، فإن العمل التشريعي الذي استعاد التوازن بين القانون القائم لصالح التعبير الحر يمكن أن يكون في حد ذاته عُرضة لطعون حقوق الإنسان. وفوق ذلك، ليس من الواضح ما إذا لدى الساسة الحافز لتمكين صحافة يرون أن نفوذها كبير بالفعل. فبعدما صعقوا بالفضائح الأخيرة مثل قضية النفقات، ربما يحاولون فقط توظيف قانون الخصوصية لحماية أسرارهم الخاصة.

    وتُظهر الولايات المتحدة أن الأمر لا يتطلب بالضرورة قانون خصوصية متشددا للحماية ضد التطفل الجسيم. إن النظام حتى لو كان إباحياً يمكن أن يعمل إذا ما تصرفت الصحافة بمسؤولية وعرفت أين يوجد الخط الفاصل بين المسموح وغير المسموح.

    ويبدو مفيداً للذات أن تجادل صحيفة ما بذلك، لكن التنظيم الذاتي السليم للصناعة هو الأقل سوءا ضمن الخيارات المتاحة. وعلى أي حال ينبغي تحسين النظام الحالي ليعمل بشكل أفضل، والصحف نفسها يجب أن تتخذ تدابير لتقييد التجاوزات. ولا بد أن يتم منح هيئة الشكاوى الصحافية صلاحيات أكثر تشددا للعقاب كي تفرض الانصياع على المحررين المشاكسين. وأي شركة إعلامية كبيرة إلى الحد الذي يجعلها غير منصاعة لقوانين المنافسة ينبغي ألا يُسمح لها بأن تكون خارج إشراف هيئة الشكاوى الصحافية.

    من الصعب أن يكون ذلك حلاً مثالياً، لكن البديل ينطوي على خطر أعظم، ألا وهو ترك بريطانيا في أسوأ وضع في العالم. وضع يجعل الصحافة خاضعة إلى قيود متزايدة من القضاة، لكنها لا تحول دون التطفل غير المبرر.





يعمل...
X