العسكريون محقون في القلق بخصوص ليبيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العسكريون محقون في القلق بخصوص ليبيا

    يتعلق الحلفاء الذين يهاجمون ليبيا بأمل أن معمر القذافي الذي يواجه باستنزاف قواته سيختار المنفى، بدلاً من أن تكون راغبة في أن يجد كل الأبواب مغلقة في وجهه، فإن واشنطن ولندن متحمستان لفكرة أن يجد بلدا يقدم له ملاذاً. ويقول لاعب بريطاني: "لا نريد فأراً محاصراً. نريد فأراً أمامه مكان ما يهرب إليه".

    وتحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، هذا الأسبوع عن إشارات إلى أن المرتبطين بالقذافي يبحثون عن أماكن لجوء له في الخارج، على الرغم من أن من المستحيل معرفة ما إذا كانت هذه التقارير تكشف عن انهيار أعصاب الزعيم الليبي، أو أنها مجرد خلافات في بلاطه.


    وبعد نحو أسبوع من الإجراءات العسكرية من جانب التحالف، تم ضرب البنية التحتية الدفاعية للعقيد القذافي بشدة وجرى تدمير سلاحه الجوي. ولقي أسلوب رجل الدولة الذي يعالج به رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، هذه الأزمة، ترحيباً حاراً في بريطانيا، بالذات من جانب حزبه. وفي حين من المحتمل أن يكون بمقدور القوة الجوية الغربية التعجيل بإطاحة القذافي، إلا أن ذلك ليس مؤكداً. ويثبت المتمردون في الشرق أنهم بطيئون وربما غير مهيئين لاستغلال ضعف الحكومة وشن هجوم باتجاه طرابلس.


    وأشار الرئيس باراك أوباما إلى شكوك خاصة بأن حالة من التوقف قد تبرز، على الأقل في الأجل القصير. ولن يكون ذلك عاملاً مساعداً، لأن صبر شعوب الديمقراطيات الغربية قصير. ومن المهم في الشرق الأوسط ألا تغذي إجراءات الحلفاء الارتياب الإسلامي. ففي باكستان بالذات، حيث يعتقد كثيرون أن هجمات 11 أيلول (سبتمبر) على الولايات المتحدة كانت مؤامرة من جانب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ربما يكون من المؤذي للغاية أن تعزز فكرة أن الهجوم الجوي على ليبيا جزء من حملة غربية مفترضة ضد الإسلام، بدلاً من أن تكون محاولة للتخلص من طاغية مكروه.


    وظهر بعض الوزراء البريطانيين متحمسين بشدة لقتل العقيد القذافي. ومع أن من الواضح أن تغيير النظام هو الهدف من هذه العملية، إلا أن التحدث عنه علنا يهدد الدعم الدولي الهش الذي تحظى به. إن عدم الارتياح الأمريكي للتدخل في ليبيا متجذر جزئياً في مخاوف من أنه يمكن أن يدمر فرص السعي إلى تحقيق مصالح أكثر أهمية استراتيجية في مواقع أخرى. وكلما طال الصراع ازدادت مخاطر مثل هذا التآكل.


    ويظل الأمريكيون واعين لحقيقة أنهم تم دفعهم إلى المشاركة في مغامرة محفوفة بالمخاطر يجبرون فيها على القيام بمعظم الجهد، لأن من يصفقون لهذه العملية من البريطانيين والفرنسيين يفتقرون إلى قوة النيران المطلوبة. ومن أمثلة ذلك أنه من بين 112 صاروخ كروز أطلقت على ليبيا ليل الأحد، لدى بدء الهجوم، كانت ثلاثة صواريخ فقط بريطانية، علق واحد منها في أنبوب الإطلاق.


    أما السلوك الفرنسي فينظر إليه على أنه تافه بصورة واضحة. فقد شاركت طائرات الرئيس نيكولا ساركوزي في نشاطات أحادية يبدو أنها مصممة لتعزيز مصالحه السياسية الخاصة، بدلاً من القضية المشتركة للتحالف. ويريد الأمريكيون، لأسباب محلية وسياسية عالمية، أن ينسحبوا إلى الصف الخلفي بأسرع ما يمكنهم. لكن الحلفاء عالقون بحقيقة أن الولايات المتحدة وحدها، على الرغم من ارتدائها قبعة حلف الناتو، هي التي تمتلك الموارد لإدارة عمليات عسكرية كبرى ومعقدة.


    وحتى إذا رحل العقيد القذافي تظل هناك شكوك حول ما يمكن أن يحدث بعده. ويسخر وزراء بريطانيون من المتشككين الذين يثيرون هذه القضية، مجادلين بأن سقوط الطاغية سيكون إنجازاً كافياً وبعدها يمكننا أن نكون مشاهدين حميدين، بينما يقرر الشعب الليبي مصيره.


    يبدو هذا الأمر خيالاً ساحراً ـ وينظر إليه كذلك من جانب القادة العسكريين على جانبي الأطلسي. ولم تساورهم الشكوك قط في أنه بمجرد أن يشن الغرب تدخلاً عسكرياً في ليبيا، فإنه يكون قد تحمّل مسؤولية عن هذا البلد سيكون من الصعب عليه الوفاء بها ـــ ولا سيما دون مشاركة قوات أرضية، وهو أمر لا يريد أي غربي عاقل حدوثه.


    في الأيام الأولى من أزمة المغرب العربي تحدثت هيلاري كلينتون عن مخاوف من أن تصبح ليبيا صومالاً عملاقاً. ولن يكون في مصلحة أحد نشوب صراع قبلي طويل وغير حاسم. وفي وضع تتسم فيه الاستخبارات بضعف شديد للغاية، لا أحد يملك فكرة متسقة حول من يمكن أن يدير ليبيا ما بعد القذافي، أو كيف يتحقق استقرار هذا البلد.


    من الأمور المهمة أن كاميرون بكل ما لديه من مشاكل محلية خطيرة، اختار أن يقدم على المخاطرة الكبرى في قيادة الحملة ضد العقيد القذافي، متبنيا أمرا كان أوباما متردداً في الإقدام عليه. ومن الواضح أن ما يدفعه إلى ذلك هو قناعة أخلاقية، لكن ذلك انغماس خطير لزعيم يواجه عدداً كبيراً من التحديات الخطيرة محلياً.


    إن احتمالات الفشل في ليبيا، وكذلك تبادل الاتهامات الخطيرة بين الحلفاء الغربيين إذا فشل التدخل في التوصل إلى نتيجة واضحة وسريعة نسبياً، تظل كبيرة. وعلى رسل الشؤم في وسائل الإعلام، من أمثالي، أن يحذروا من الميل إلى الرغبة في حدوث النتيجة غير المسيطر عليها التي توقعناها. وإذا رحل القذافي وجاءت بعده ليبيا مستقرة إلى حد ما، فإن كاميرون سيستحق تماماً الأكاليل التي ستوضع على جبينه، نظراً لشجاعته وقناعاته. وسيبرر النجاح كل شيء، وسيتعين على المشككين أن يبتلعوا قطعة متواضعة من الحلوى.


    لكن رأي العسكريين رزين. ويدرك القادة العسكريون أن السياسيين، ولا سيما في بريطانيا، استجابوا إلى تصاعد في المشاعر يتمثل في الاعتقاد "بأنه لا بد من فعل شيء ما"، بينما كانت قوات القذافي تذبح الثوار الليبيين. وهم قلقون من أن الحكومات المتحالفة أخفقت في اجتياز الاختبار الرئيسي قبل إطلاق أي عملية عسكرية: تحديد أهداف واضحة وقابلة للتحقيق. وستوجه لطمة خطيرة إلى الصدقية الغربية، إذا أخفق الحلفاء في إسقاط القذافي بعد أن تحركوا لإزاحته. لكن حتى النجاح في إنجاز ذلك سيمثل نقطة البداية لرحلة نحو المجهول.
يعمل...
X