تجاهل التضخم غير المبرر يمكن أن يبقي الخطر بعيدا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تجاهل التضخم غير المبرر يمكن أن يبقي الخطر بعيدا



    أظهرت أرقام أخيرة أن تضخم منطقة اليورو تباطأ قليلا خلال أيار (مايو) الماضي. لكن مع كون زيادات الأسعار الأخيرة حول العالم حية في ذاكرتنا، فإن أهمية إبقاء عين يقظة على التضخم لا تزال قوية كما كانت عليه دائماً. ومع ذلك، وحتى بينما دفعت الأزمة المالية الاقتصاديين إلى إعادة النظر في الأساليب التي يستخدمونها لتفسير وتوقع الاتجاهات الاقتصادية، فإن مفهوماً واحداً يبدو عصيّاً على الإزالة: التضخم غير المبرر.

    يختلف التضخم غير المبرر في الأسعار عن التضخم غير المعدل، لأن حسابه يتم باستثناء منتجات الغذاء والطاقة من سلة البضائع والخدمات التي تمثل إنفاقاً نمطياً للأسر. وربما يبدو هذا الاستثناء غريباً، لأن أعضاء الأسر النمطية في أوروبا والولايات المتحدة معروفون بالسفر في مركبات تستهلك الوقود وباستخدام أنظمة التدفئة – وبالتالي شراء منتجات الغذاء والطاقة. ومن المؤكد أن الزيادات الأخيرة في أسعار هذه المنتجات – التي تشكل نحو 30 في المائة من معدل السلة العادية من البضائع في أوروبا – تقلص القوة الشرائية، ولذلك يبدو من الغريب تكوين مقياس يتجاهلها عمداً.

    إن مبرر استثناء الطعام والطاقة، على أية حال، هو أنهما يميلان إلى التذبذب الحاد كما شهدنا في الارتفاع والتراجعات الأخيرة في سعر النفط. ويتم تمرير التذبذب بعد ذلك إلى المؤشر العام للأسعار، الأمر الذي يجعل من الصعب تفسير الاتجاه العام. ولأن بيانات التضخم غير المبرر أقل تذبذباً، فإن مؤيديه يدّعون أنه يتيح استكشافاً أفضل للاتجاهات المستقبلية.

    لكن حتى يكون التضخم غير المبرر أساساً جيداً لتوقع التضخم غير المعدل، فإن تغييرات أسعار المنتجات الزراعية ومنتجات الطاقة يجب أن تكون مؤقتة وألا تختلف في معدلها عن الأسعار الأخرى. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن التضخم غير المبرر ليس تقديراً جيد للتضخم غير المعدل، ولا هو توقع جيد للتضخم المستقبلي. ولذلك من الأمور البسيطة للبحث أن نرى إذا كانت سلسلة البيانات المتعلقة بالمنتجات الزراعية ومنتجات الطاقة تحقق هذه المتطلبات، ثم التساؤل عما إذا كانت خصائص سلسلة التضخم غير المبرر المتوقعة تمثل تحسناً في التضخم غير المعدل كمحصلة.

    وتدقيق البيانات منذ عام 1999 يُظهر أنه بعيداً عن انكماش 2008 – 2009، وأشهر قليلة من عام 2002، فإن التضخم غير المعدل يكون على الدوام أعلى من التضخم غير المبرر في كل من أوروبا والولايات المتحدة، حيث كان الفرق التجميعي في العقد الماضي نحو 6 في المائة في منطقة اليورو والولايات المتحدة، و9 في المائة في المملكة المتحدة. وسبب ذلك بسيط، وهو أنه منذ عام 1999 كانت الزيادة في المؤشر العالمي لأسعار الطاقة والمواد الخام أكثر من الضعف، شأنها في ذلك شأن الزيادة في أسعار الغذاء. ولم تكن فترات هذه الزيادة قصيرة على الإطلاق وكان لها أثر دائم.

    يبدو لنا من خلال استخدام التحليل الإحصائي لتحديد العلاقة بين الإثنين، أنه لم تكن هناك علاقة سببية خلال العقد الماضي من مؤشرات التضخم غير المبرر إلى مؤشرات التضخم غير المعدل. وبدلاً من ذلك كان الاتجاه الآخر هو القائم في كل من منطقة اليورو والولايات المتحدة. وإذا أردنا مزيداً من التبسيط، فإن التضخم غير المبرر لم يكن مؤشراً جيداً لتوقع التضخم غير المعدل، بل العكس هو الصحيح.

    في ظل هذه النتائج ربما يتساءل المرء لماذا استمر التضخم غير المبرر في السنوات الأخيرة، واستمر استخدامه بيسر. وسبب ذلك بسيط. كان التضخم غير المبرر في الثمانينيات والتسعينيات يلبي المتطلبات المذكورة أعلاه، ولذلك كان وسيلة جيدة لتوقع التضخم غير المعدل. لكن العقد الماضي شهد تغيراً هيكلياً، زاد بموجبه النمو القوي في البلدان الناشئة الطلب العالمي على المواد الخام بطريقة لم يسبق لها مثيل. وفي غياب زيادة بالسرعة ذاتها في العرض، أدى ذلك إلى تغير دائم في شروط التجارة.

    إذا نظرنا إلى المستقبل، وإذا تأكدت الاتجاهات الأخيرة، يمكن توقع ارتفاع أسعار الغذاء وسلع الطاقة بمعدل أعلى من ارتفاع أسعار المواد المصنعة والخدمات. ويعني هذا الأمر أن التضخم غير المعدل سيميل إلى أن يكون أعلى بكثير من التضخم غير المبرر في كل من البلدان المتقدمة والناشئة.

    ويعني ذلك بالنسبة إلى البنوك المركزية حول العالم أن التضخم غير المبرر لم يعد مؤشراً مفيداً للغاية للسياسة النقدية، وربما يفترض التخلي عنه. وقد يكون إدراك هذا الأمر استغرق فترة من الزمن، لكن كما اعتاد الرومان القول: الخطأ من طبيعة البشر، لكن الإصرار عليه أمر شيطاني.



    الكاتب عضو في المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي


يعمل...
X