موسوعه أعلام المسلمين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    رد: موسوعه أعلام المسلمين

    ابن بطوطة
    في درب صغير بمدينة (طنجة) بالمغرب، كان يعيش فتى عربي مسلم يهوى قراءة كتب الرحلات، والاستماع إلى أخبار الدول والناس، وعجائب الأسفار من الحجاج والتجار الذين يلقاهم في ميناء (طنجة) أو من أصدقاء أبيه.. هذا الفتي هو
    (محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي) الشهير بـ(ابن بطوطة) ولد في (طنجة) في شهر رجب عام 703 هـ/1304م.
    كان أبوه فقيهًا يشتغل بالقضاء وكان يعد ولده ليكون خلفًا له، لذلك حفظ ابن بطوطة القرآن، ودرس العلوم الدينية، والأدب والشعر، فشبَّ تقيًّا، ورعًا، محبًّا للعلماء والأولياء، ولكنه لم يُتِمَّ دراسة الفقه بسبب رغبته في السفر والترحال؛ فكان خروجه إلى الحج، وهو في الثانية والعشرين من عمره، نقطة التحول في حياته، إذا ارتدى منذ ذاك الحين ثوب الترحال وأخذ يجوب أرجاء العالم الإسلامي، وحين خرج ابن بطوطة من (طنجة) سنة 725هـ/ 1325م قاصدًا الكعبة، وزيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم، لم يخرج مع قافلة الحج، بل خرج مع قوم لا يعرفهم، ولم يستقر مع جماعة منهم، فأخذ ينتقل من مركب إلى آخر، ومن قافلة إلى أخرى، فقد كان اهتمامه برؤية أصناف الناس، والغرائب التي يصنعونها هو شغله الشاغل.
    كان مما لاحظه ابن بطوطة أن أصحاب كل حرفة ينزلون ضيوفًا على أصحاب نفس الحرفة في البلاد الأخرى؛ فالقاضي ينزل على القاضي، والفقيه على الفقيه، لذلك فقد فرح ابن بطوطة عندما قدمه الناس على أنه من القضاة، ومنذ ذاك الحين أصبح ينزل على القضاة والفقهاء في كل بلدٍ يذهب إليه.
    ومن خلال رحلات ابن بطوطة، يظهر مدى ترابط الأمة الإسلامية وقوة وحدتها حيث إنه خرج لرحلته الطويلة بمال قليل ولكن ترابط الأمة وتآخيها عمل على معاونته في رحلته، وإمداده بما يريد، كانت رحلته الأولى من سنة 725هـ/1325م إلى 749هـ/1349م وقضى فيها 24 سنة، ومر فيها بمراكش والجزائر وتونس وطرابلس ومصر ثم إلى فلسطين ولبنان وسوريا والحجاز، فحج حجته الأولى ومن مكة غادر إلى بلاد العراق وإيران وبلاد الأناضول، ثم عاد إلى مكة فحج حجته الثانية، ثم غادرها إلى اليمن ثم إفريقية الشرقية، ثم زار عمان والبحرين والإحْساء، ثم رجع مكة فأدى مناسك الحج.
    خرج ابن بطوطة إلى الهند وخراسان وتركستان وأفغانستان وكابول والسند، وتولى القضاء في (دلهي) على المذهب المالكي، ولما أراد السلطان محمد شاه أن يرسل وفدًا إلى ملك الصين خرج ابن بطوطة فيه، وفي عودته مر بجزيرة (سرنديب) والهند والصين، ثم عاد إلى بلاد العرب عن طريق (سومطرة) سنة 748هـ/ 1347م، فزار بلاد العجم والعراق وسوريا وفلسطين ومنها لمكة فحج حجته الرابعة إلى بيت الله، ثم رأى أن يعود إلى وطنه فمر بمصر وتونس والجزائر ومراكش فوصل فاس
    سنة 750هـ/ 1349م.
    وقد كان ابن بطوطة إذا ما ذَكَرَ ما تمتع به في حياته من نعمة وجاه يقول: (إنما كان لأنني حججتُ أربع حجات) ثم ما لبث أن قام برحلته الثانية بعد أن أقام في فاس فترة قصيرة لكنه وجد في نفسه شوقًا إلى السفر إلى بلاد الأندلس، فمر في طريقه
    بـ(طنجة) و(جبل طارق) و(غرناطة) ثم عاد إلى فاس، وفي سنة 753هـ/1352م كانت رحلة ابن بطوطة الثالثة إلى بلاد السودان، ثم مالي (تومبوكتو) وكثير من بلاد إفريقية ثم رجع إلى فاس، وظلت مدة عامين، فقد انتهت 755هـ/ 1354م.
    وكانت لابن بطوطة معرفة بطب الأعشاب التي كان الناس يتداوون بها من الأمراض الشائعة، وكان يداوي نفسه بنفسه، ولقد أعانه على رحلته قوة بدنه، فكان يأكل أي طعام -عدا المحرمات- وقد أصابته الحمى أكثر من مرة، وكاد دوار البحر أن يهلكه لولا رعاية الله له، وقد استغرقت رحلاته أكثر من ثمانية وعشرين عامًا كشفت هذه الرحلات عن أسرار كثيرة من البلاد التي زارها ابن بطوطة، إذ يعد أول من كتب شيئًا عن استعمال ورق النقد في الصين، وعن استخدام الفحم الحجري وكان صادقًا في أغلب أوصافه،حتى إن المستشرق (دوزي) أطلق عليه
    (الرحالة الأمين) وقد أتقن ابن بطوطة خلال رحلته اللغتين الفارسية والتركية، وقطع مائة وأربعين ألف كيلو متر، أكثرها في البحر، وتعرض للأخطار والمهالك في الصحاري والغابات، وقطاع الطريق في البر، وقراصنة البحر، ونجا مرارًا من الموت والأسر.
    وقد كان ابن بطوطة سريع التأثر يدل على ذلك قوله: وعندما وصلت إلى تونس برز أهلها للقاء الشيخ (عبد الله الزبيدي) ولقاء الطيب ابن القاضي أبي عبد الله النفراوي فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال، ولم يُسَلِّمْ على أحد لعدم معرفتي بهم فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق الْعَبْرَة، واشتد بكائي، فشعر بحالي بعض الحجاج، فأقبل على بالسلام والإيناس ومازال يؤانسني بحديثه حتى دخلت المدينة، وأما حبه لوالديه فقد أفصح عنه أيما إفصاح حيث يقول في مقدمة رحلته: إنه تركهما فتحمل لبعدهما المشاق كما لقى من الفراق نصبًا، فلما عاد من رحلته الأولى وبلغه موت أمه حزن حزنًا شديدًا قطعه عن كل شيء، وسافر لزيارة قبر والدته.
    اتصل ابن بطوطة بالسلطان أبي عنان المريني، وأقام في حاشيته يُحَدِّثُ الناس بما رآه من عجائب الأسفار، ولما علم السلطان بأمره وما ينقله من طرائف الأخبار عن البلاد التي زارها أمر كاتبه الوزير محمد بن جُزَي الكلبي أن يكتب ما يمليه عليه الشيخ ابن بطوطة فانتهى من كتابتها سنة 1356م، وسماها (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) وقد ظلت رحلة ابن بطوطة موضع تقدير كثير من العلماء والباحثين فترة طويلة، وتُرجِمَت إلى اللغة الإنجليزية، ونُشِرَت في لندن
    سنة 1829م، وتُرجِمَت إلى اللغة الفرنسية، وطُبِعَت في باريس
    سنة 1853م وتُرجِمَت إلى الألمانية، وطُبِعَت سنة 1912م، وكذلك تُرجِمَت إلى اللغة التركية.
    وفي عام 779هـ/1378م كان وداع ابن بطوطة للدنيا بمدينة طنجة، ومن يزور المغرب اليوم سيجد بمدينة طنجة دربا (طريقًا) اسمه درب ابن بطوطة حيث كان يعيش، وسيجد بالقرب من سوق طنجة ضريحه الذي دفن فيه.

    تعليق


    • #62
      رد: موسوعه أعلام المسلمين

      عبد الرحمن الجبرتي
      كان والده الشيخ (حسن الجبرتي) من كبار علماء الأزهر، لكنه كان
      مميزًا عنهم، ففي الوقت الذي كان فيه زملاؤه يتجهون إلى دراسة الفقه والنحو والبلاغة والتفسير، أضاف هو إليها دراسة الرياضيات، والمسائل الفلكية، ولقب الجبرتي نسبة إلى (جبرت) إحدى مدن الحبشة الإسلامية التي رحل منها أجداد الجبرتي إلى مصر في القرن العاشر الهجري.
      أحب الشيخ حسن الجبرتي هذه العلوم وتعلق بها تعلق الأم بوليدها حتى
      نبغ فيها، فتوافد عليه التلاميذ يستفيدون من علمه، ففتح لهم منزله الفسيح
      الرحب؛ حيث كان غنيًّا ورث عن آبائه المنازل والمتاجر، وازداد ثراؤه
      أكثر وأكثر من أرباح التجارة؛ لأنه كان تاجرًا ماهرًا في الوقت الذي كان فيه عالـمًا جليلاً.
      في هذا البيت الحافل بالعلم والنعيم، ولد (عبد الرحمن الجبرتي)
      عام 1167هـ/1754م، لكن والده لم يفرح بولادته كسائر الآباء، بل استقبله استقبالا حزينًا؛ فقد ولد له أطفال كثيرون من قبل، وكان الموت يخطفهم من بين يديه بعد أن يبلغوا من العمر عامًا أو عامين، فكان يخشى أن يكون مصيره مثل مصير إخوته لكن عناية الله أحاطت بـعبد الرحمن فلم تمتد إليه يد الموت، وقدرت له الحياة.
      نشأ عبد الرحمن في بيت أبيه، يحفظ القرآن الكريم، وكغيره من أولاد العلماء ذهب إلى المدارس والكتاتيب لتعلم العلوم الدينية، وعين له والده شيخًا ليحفظه القرآن هو الشيخ (محمد موسى الجناجي) وشب عبد الرحمن فرأى العلماء والأدباء يأتون منزل أبيه؛ يتحدثون في العلوم والآداب، فجلس يستمع إليهم، ويأخذ من علمهم، كما استمع إلى كبار رجال الدولة وأمراء المماليك وأغنياء مصر الذين كانوا لا ينقطعون عن زيارة أبيه، بل إن جماعة من الأوروبيين كانت تأتي إليه؛ ليتعلموا على يديه علم الهندسة، فعرف الجبرتي الكثير عن أحوال مصر وأسرارها، وكان يدخر كل ذلك في ذاكرته الحافظة الواعية، وازداد عبد الرحمن الجبرتي علمًا عندما ارتاد حلقات الأزهر الشريف.
      توفي والد عبد الرحمن عام 1188هـ فترك له ثروة كبيرة وأراضٍ زراعية في أنحاء عديدة من مصر، فاضطر أن يتفقد أملاكه بنفسه، فرحل عن القاهرة حيث توجد هذه الأراضي في أقاليم مصر المختلفة فتهيأت له فرصة مناسبة ليعرف أحوال
      مصر، وطبقات الشعب من حكام وفلاحين وعمال ثم عاد إلى القاهرة بعد أن ازدادت معارفه، وواصل الشاب دراسته بالأزهر.
      وأعجب (عبد الرحمن الجبرتي) بأحد علماء اليمن الذي وفد إلى مصر إعجابًا شديدًا وهو محمد المرتضي الزبيدي صاحب تاج العروس، ولازم مجلسه، حتى أصبح من تلاميذه المخلصين، وذات يوم أخبر (الزبيدي) تلميذه (الجبرتي) بأنه يريد أن يسجل أحداث الماضي، ويؤرخ لعلماء القرن الثامن عشر وأمرائه ومشاهيره، وطلب من الجبرتي أن يساعده في هذا العمل؛ فيجمع كل ما يستطيعه عن حياة السابقين، ويقرأ النقوش فوق القبور وعلى المساجد والآثار، وأعجب (عبد الرحمن الجبرتي) بالفكرة فأخذ يبحث ويسأل ثم يسجل معلوماته ويكتبها.
      وبينما هو على هذه الحال مات أستاذه سنة (1205هـ-1790م) فحزن عليه حزنًا شديدًا، لكنه لم ييأس بل صمم على تكملة سيرته، فأخذ يكتب كل ما يراه ويشاهده، ويسجل كل صغيرة وكبيرة ومضت الأيام، وجاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، فكتب عنها بحياد تام وسجل يومياته أولاً بأول في كتابه (مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس) وكتب عما ارتكبه الفرنسيون من تدمير ونسف وقتل، وما أمطروا به المساجد والأسواق والمنازل من قنابل أدت إلى موت الكثيرين من أبناء الشعب المصري، لكنه يغض الطرف عن بعض مزايا الفرنسيين مثل حبهم للعلم والعمل واحترامهم للقانون.
      وكتب (عبد الرحمن الجبرتي) عن المماليك وكيف أن بعضهم كانوا ينهبون ويقتلون ويخطفون الغلمان والنساء، ويسرقون الحلي من صدور النساء، كتب كل ذلك دون أن يجامل أحدًا منهم، بالرغم من أنه كانت تربطه بهم روابط صداقة، فلم يكن كتابه مجاملة لأمير أو طاعة لوزير، ومضى عهد الفرنسيين وتولى (محمد علي) أمور الدولة فكتب (الجبرتي) بكل جرأة عن الغلاء الفاحش في عهد (محمد علي) وعن مصادرة الأموال، وانتهاك الحرمات، والسطو على المتاجر والمصانع، كما ندَّد بالطغاة
      أمثال: (سليمان أغا السلحدار) و(محمد الدفتردار) من أتباع الوالي، ومع ذلك لم يغفل ما قام به (محمد علي) من أعمال مفيدة كإنشاء المصانع وبناء السفن وتشجيع العلماء وسجل ذلك كله في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار).
      وانتشر ما كتبه الجبرتي عن هؤلاء الظلمة، على ألسنة الناس فتربصوا به، وحاولوا النيل منه، فقتلوا ابنه خليلاً في سنة 1237هـ، وتوقف بعدها الجبرتي عن
      الكتابة، وحزن على ابنه حزنًا شديدًا، حتى فقد بصره ومات
      عام 1241هـ/1825م.

      تعليق


      • #63
        رد: موسوعه أعلام المسلمين

        ابن ماجد
        جلس (شهاب الدين أحمد بن ماجد) يتأمل والده باهتمام بالغ وهو يحكي مغامراته في البحار، ويسرد العجائب التي رآها في رحلاته، فقد كان والده ربانًا
        (قائدًا للسفن) أطلق عليه البحارة (ربان البرَّيْن) أي بر العرب وبر العجم.
        وما إن انتهى الوالد من حكاياته حتى قال (شهاب الدين أحمد): يا أبي إني أريد أن أكون معك في الرحلة القادمة، أريد أن أرى بلاد العجم، وأشاهد بعيني العجائب التي ترويها لنا، ابتسم الأب في وجه ابنه، ومسح رأسه بحنان ثم قال: عندما تكبر
        يا ولدي سوف أصحبك معي، ثم تركه وانشغل بترتيبات السفر والاستعداد للرحلة القادمة التي اقترب موعدها، وحان وقت الرحيل إلى بلاد الله الواسعة، ومضت السفينة ورفع البحَّارة الأشرعة، وظل شهاب الدين أحمد يلوح لأبيه مودعًا، حتى غابت السفينة عن الأنظار، ثم عاد حزينًا إلى بيته، لكنه تذكر أن والده قد وعده باصطحابه في الرحلة القادمة إذا أتقن القراءة والكتابة وأتم حفظ القرآن، وقرأ كل الكتب التي كتبها الأب عن رحلاته وكتب البحارة الآخرين؛ حتى يكون مهيئًا لركوب البحر، فأخذ شهاب الدين أحمد يحفظ القرآن الكريم ويتعلم الحساب، وجاء بكتاب من كتب والده واسمه (الأرجوزة الحجازية) التي تضم أكثر من ألف بيت في وصف الملاحة في البحر الأحمر، يقرؤه ويحفظ ما فيه.
        وكبر شهاب الدين، وازداد خبرة وعلمًا في البحر وأسراره، حتى أصبح أشهر ربان في الخليج العربي، وأطلق عليه البحارة: (أسد البحار) ولم تشغله شهرته الواسعة ومهامه الكثيرة عن معرفة حق ربه، فكان يبدأ رحلاته دائمًا بالصلاة، ويدعو من معه إلى كثرة الذكر والتطهر وعدم التغافل عن آيات الله، فيقول: (وينبغي إذا ركبت البحر أن تلزم الطهارة، فإنك في السفينة ضيف من ضيوف الباري فلا تغفل
        عن ذكره).
        وكان شهاب الدين أحمد بحَّارًا ماهرًا، شديد الحرص والأخذ بالأسباب؛ فقد كان لا يطمئن قلبه قبل أن يفحص المركب بعد صنعها، وقبل أن تنزل البحر لضمان سلامة الركاب والأمتعة، ويتأكد من صلاحية أجهزة السفينة وأدوات الملاحة للعمل قبل أن يبحر، أما فوق ظهر السفينة، فقد كان ربانًا حكيمًا، لينًا في قوله، عادلا في
        حكمه، لا يظلم أحدًا، صبورًا ثابت القلب، دائم اليقظة قليل النوم.
        وكان شهاب الدين أحمد بارعًا في علم الفلك، وكان له طريقة بسيطة في التعرف على اتجاه الريح؛ حيث ينصب على المركب عامودًا تعلق عليه قطعة من القماش المصنوع من الحرير ليعرف به اتجاه الريح، ولا ترجع شهرة شهاب الدين
        أحمد بن ماجد إلى كونه مَلاحًا قديرًا ولا إلى مؤلفاته في علوم البحار
        والملاحة فقط، وإنما اكتسب أيضًا شهرة دوليَّة حينما قاد سفينة الملاح البرتغالي (فاسكو دي جاما) من ميناء (ماليندي) في مملكة (كامبايا)
        (كينيا الآن) إلى الهند.
        وقد ترك (ابن ماجد) مؤلفات كثيرة عن الملاحة بصفة عامة، والملاحة العربية بصفة خاصة، ووضع قواعدها، ووصف الطرق البحرية للملاحة، وتصل مؤلفاته إلى أربعين مؤلفًا من أهمها كتاب: (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد) وهو كتاب يفيد الربان والبحارة في الوصول إلى البلد المطلوب دون ميل أو انحراف، كما تعرف به خطوط الطول والعرض، ومنها يمكن تحديد القبلة، وكتاب: (حاوية الاختصار في أصول علم البحار) .. وغيرهما من الكتب المهمة.
        وكأن شهاب الدين أحمد بن ماجد ذلك البحار العظيم كان يعلم أن المؤرخين والأجيال القادمة بعده سيعرفون قدره، وما قدمه للملاحة العربية من خدمات جليلة فأخذ يقول :
        فإن تجهلوا قدري حياتي فإنمــا
        سيأتي رجال بعدكم يعرفوا قدري
        وقد اعترفت حكومة البرتغال بفضل مساعدة ابن ماجد لفاسكو دي جاما حتى وصل إلى الهند من بلدة (ماليندي بكينيا) على الساحل الإفريقي؛ فأقامت له هناك نصبًا تذكاريًا يخلد هذه المناسبة، كما يحكي عن بحَّارة أهل عدن، أنهم كانوا إذا أرادوا السفر، قرءوا الفاتحة لابن ماجد؛ لأنه اخترع البوصلة المغناطيسية.

        تعليق


        • #64
          رد: موسوعه أعلام المسلمين

          د.محمد عبد السلام
          في قرية ريفية اسمها (جهانج) تقع في ولاية (البنجاب) التابعة لباكستان الآن، وفي
          29 يناير سنة 1926م، ولد (محمد عبد السلام).
          كان والده موظفًا صغيرًا في الجمعية الزراعية، لكنه لم يبخل بماله وجهده في تربية ولده، فاهتم اهتمامًا كبيرًا بمحمد أو (سلام) كما يحلو لزملائه من العلماء الغربيين أن يلقبوه، كان والده يتابعه في المدرسة، ويتصل بمدرسيه يطمئن على مستوى تحصيله الدراسي، بل إنه علَّمه اللغة الإنجليزية بنفسه، حين لم تنجح المدرسة في ذلك.
          وكان والده حريصًا كل الحرص على تعليمه آداب الإسلام؛ فعلمه ألا يبدأ أي عمل إلا باسم الله، كما علمه أن يكرر دائمًا قوله تعالى: {واحلل عقدة من لساني}
          [طه: 72] لكي يصفو قلبه للعلم، وحرص في الوقت نفسه على نصحه
          لعمل الخير، ومواجهة الشر، والتخلق بأخلاق الإسلام، لذلك كله كان (سلام) يعتز بوالده اعتزازًا كبيرًا، فقد أهدي والده أحد كتبه قائلاً: (إلى ذكرى والدي الذي علمني الإسلام).
          وعندما وصل (سلام) إلى الرابعة عشرة من عمره، حصل على منحة دراسية من جامعة البنجاب الحكومية في (لاهور) وبعد انتهائه من دراسة الرياضيات في جامعة (البنجاب) في عام 1946م لم يستطع (سلام) الالتحاق بأية وظيفة بسبب الحرب العالمية الثانية، ولكنه استطاع الحصول على منحة للدراسة في جامعة (كمبردج) بإنجلترا لتكملة دراسته، وانتقل سلام من باكستان إلى كلية (ترنتي) التابعة لجامعة كمبردج؛ حيث بدأ في دراسة الفيزياء النظرية التي تتمشى مع
          موهبته الرياضية، وخلال فترة دراسته للحصول على درجة الدكتوراه، عمل على استكمال العديد من النظريات العلمية.
          شعر (سلام) بأن عليه دينًا تجاه وطنه ودينه، فقرر الرجوع إلى بلده باكستان ليُسهم بعلمه في بنائها ومساعدة أبنائها، فعاد إليها وعمل هناك ثلاث
          سنوات 1951م/1954م كرئيس لقسم الرياضيات، لكنه أحس بعد فترة بأنه في حاجة للعودة إلى (إنجلترا) للاستمرار في البحث العلمي، والاطلاع على أحدث ما وصل إليه العلم، وظل (سلام) متمسكًا بدينه، شديد الغيرة عليه، ودائمًا كان يحلم بأن تعود صفحات التاريخ المشرق، ويقود المسلمون زمام العلم في كل أنحاء العالم كما كانوا في الماضي، فكان يحلم بأن يظهر من بين المسلمين علماء كبار أمثال:
          ابن الهيثم، وابن سينا، والفارابي، والخوارزمي .. وغيرهم ممن أناروا الدنيا كلها بنور العلم.
          وفي الوقت نفسه، كان (سلام) يشعر بالمرارة والألم على حال المسلمين، وما وصلوا إليه من تدهور، فقد دخل إحدى المستشفيات فرأى أن أغلب الأدوية العلاجية التي يعالَج بها المسلمون قد تمَّ التوصل إلى أغلبها دون المشاركة في الجهد من أي فرد من أفراد أمة الإسلام، وغلي الدم في عروق (سلام) عندما تذكر كلمات عالم أوروبي قالها له ذات مرة: (هل تعتقد حقًّا يا سلام أن علينا التزامًا بأن نعين ونساعد ونغذى ونبقى على حياة تلك الأمم التي لم تُضِفْ ولو ذرة واحدة إلى حصيلة المعرفة البشرية؟!).
          وأدرك (سلام) أن المسلمين تأخروا؛ لأنهم لم يأخذوا بتعاليم القرآن الكريم التي تنص على أن المعرفة هي أسمى ما يمكن أن يحققه الإنسان، فيقول: (إن سبعمائة وخمسين آية من آيات القرآن الكريم (أي ما يقرب من ثمن عدد آياته) تحث المؤمنين على دراسة الطبيعة والتفكر فيها، وعلى الاستخدام الأمثل للعقل بحثًا عما هو جوهري في الطبيعة).
          ودفعته الغيرة على الإسلام إلى الجد والاجتهاد، فلا وقت للهزل واللعب؛ فاستطاع أن يحقق إنجازات ضخمة في مجال الفيزياء النظرية، وقام بنجاح بتوحيد القوى النووية الضعيفة مع القوي الكهرومغناطيسية، وهو ما حصل بسببه على جائزة (نوبل) في الفيزياء في عام 1979م.
          ويعتبر (محمد عبد السلام) من أكبر العلماء المسلمين خلال القرون الستة الأخيرة ويعد من كبار علماء الفيزياء المعاصرين، وقد مُنح أكثر من خمس وعشرين درجة دكتوراه فخرية، وثماني عشرة جائزة وميدالية في مجال الفيزياء، أهمها: جائزة الذرة من أجل السلام (1968م) وجائزة نوبل في الفيزياء (1979م) وجائزة لومو نوسوف الذهبية من أكاديمية العلوم السوفيتية (1983م) وكذلك أربعة أوسمة رفيعة من مختلف دول العالم.
          كما اختير عضوًا في ثلاثة وعشرين أكاديمية علمية، بما في ذلك أكاديمية العلوم في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وشغل مناصب عديدة في الأمم المتحدة ومنظماتها، مثل: منصب السكرتير العلمي لمؤتمر جنيف للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، ومنصب رئيس لجنة الأمم المتحدة الاستشارية للعلم والتكنولوجيا، كذلك شغل عدة مناصب رفيعة في موطنه (باكستان) أهمها منصب المستشار العلمي لرئيس الجمهورية، ورئيس المجلس الباكستاني لدراسة الفضاء، وطبقات الجو العليا.
          أما عن إنجازاته العلمية فأهمها: كتابة أكثر من 250 بحثًا علميًّا في مجال فيزياء الجسيمات الأولية، وكذلك دراسات عن العلم وسياسات التدريس في
          باكستان ودول العالم الثالث، كما نشر ثلاثة كتب؛ اثنين منها في مجال الفيزياء النظرية.
          وطالب الدكتور سلام بإنشاء صندوق إسلامي للموهوبين في العلوم، يشجع شباب المسلمين على متابعة الدراسات العلمية، كما نصح بأن تهيئ الأمة الإسلامية لعلمائها الإمكانات العلمية والمادية التي تساعدهم على العمل والتقدم العلمي.
          كان سلام مسلمًا معتزًّا بدينه، لا يترك مناسبة من المناسبات إلا ويفتخر بإسلامه ويعلن للملأ أن دينه يدعو إلى العلم، فها هو ذا يقول: (اسمحوا لي أن أقول: إنني مسلم مقيم لشعائر ديني الإسلامي، ذلك أنني أومن بالرسالة الروحية للقرآن الكريم وكعالم، فإنني أجد في القرآن الكريم إرشادًا يحثني على ضرورة التفكر في قوانين الطبيعة، ضاربًا لنا الأمثال من علوم الكون والفيزياء والطب كعلامات دالة لكل الناس.

          تعليق

          يعمل...
          X