الربيع العربي والأزمة المالية وجهان لعجز الخبراء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الربيع العربي والأزمة المالية وجهان لعجز الخبراء

    ما الأمر المشترك بين الثورات العربية وأزمة العالم المالية؟ يبدو هذان الموضوعان مختلفين تماماً عن بعضهما، ويكتب بشأنهما ''خبراء'' مختلفون. لكن الأمر المشترك بينهما هو الفشل التام من جانب جميع أولئك الخبراء في توقعهما. ولم تتم تغطية هذه النقطة الأساسية فيما يطلق عليها الكتابات حول أصل سونامي الائتمان. لكن تم ذلك على نحو جيد للغاية في عدد حزيران (يونيو) من مجلة ''الشؤون الخارجية'' من قبل نسيم طالب (مؤلف كتاب ''البجعة السوداء'' الشهير) ومارك بليث. ويكتب الاثنان: ''أن المسألة المهمة في الحالتين هي القمع المصطنع للتقلبات تحت اسم الاستقرار''. وتتمثل إحدى العبر في أنه يجب على الحكومة الأمريكية التوقف عن دعم الأنظمة الدكتاتورية ''من أجل الاستقرار الزائف''، وأن النظام الاقتصادي القوي يشجع الإخفاقات المبكرة. وتم توجيه الانتقادات إلى ألان جرينسبان بسبب تدخله لدى أدنى إشارة إلى حدوث هبوط.

    يجادل الكاتبان بالقول إن ''الأحداث التابعة'' السياسية والاقتصادية (أحداث غير محتملة بحسب الإحصاءات التقليدية) غير قابلة للتوقع بشكل متأصل ''بغض النظر عن مقدار الدولارات التي يتم إنفاقها على الأبحاث''. ويوضحان هذا الأمر بالتناظر المألوف الآن لنقطة الميل. والخطأ الغبي والعام هو توجيه اللوم بسبب الانهيار إلى الحبة الأخيرة، وليس بسبب هيكلة كومة الحبوب بحد ذاتها.دعوني أحاول أن أوضح كل ذلك حسب المصطلحات اليومية. فعلى الأرجح أن يكون المستمعون إلى راديو المملكة المتحدة يعرفون تماماً الدعاية التي تبدأ بالقول ''مظلة شمسية أم مظلة مطرية؟''. وتمضي الدعاية للإعلان عن خدمة محددة لتوقع أحوال الطقس. وعلى الأرجح أن يكون ذلك صحيحاً ليوم واحد أو يومين إلى الأمام. لكن بالنسبة إلى فترة من الشهور في أي مكان في شمال غربي أوروبا، فإن الإجابة تكون ''المظلتين''. وعلى الأرجح أن يحاول المتنبئون التقليديون تقديم نسخة مطبوعة من التقلبات المتوقعة يوماً بيوم (وربما بهوامش مفترضة من الخطأ). وسيقنع المتشككون العقلانيون أنفسهم بالوصف المتباين للغاية لتلك المنطقة والمفاجآت المحتملة.تميل التحقيقات بشأن الإخفاق في توقع الكساد الكبير لعامي 2008 و2009 إلى أن تتخذ شكلين. في الشكل الأول تحثنا المؤسسة الاقتصادية على العمل بجهد أكبر بشأن القضايا، وتحث البنوك كذلك على زيادة رأسمالها دون التأمل في حقيقة أن الأموال التي يجب بها تنفيذ هذا الإجراء الأخير ولّدها نظام المصرفية. وتميل مدرسة الشكل الثاني البديل التي تزعم أنها راديكالية، إلى توجيه اللوم إلى اقتصاديي ''التوقعات العقلانية'' لتأكيدهم على نحو مفترض أن لدى الوكلاء الاقتصاديين إما معرفة مثالية، وإما مناسبة على الأقل، وأن النظام بأكمله يميل سريعاً إلى موازنة ذاته. ويشير التوضيح الأبسط إلى رذيلتين بشريتين قديمتين هما السذاجة والجشع. لكن ما من داعٍ للمضي إلى خارج حدود الاقتصاد لدحض وجهة النظر التي تقول إنه يجب أن يشتمل الموضوع على التوقعات. ويناقش الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 1991، رونالد كواسي، هذا الأمر في ''مقالات حول الاقتصاد والاقتصاديين''. ويشير إلى أنه حينما كان يقوم بتحرير مجلة علمية، فإن كثيرا من المقالات الكمية التي تم نشرها لا يمكن القول إنها ''تختبر نظرية على الإطلاق. وإنما كانت تقييمات حول آثار وطبيعة ما كان فعلياً راسخاً للغاية، ولكن من غير المعروف حجمه''. وفي بعض الأحيان، على أية حال، فإن أي نظرية ناصرها مؤلف آخر ستخضع لاختبارات إحصائية. وحينما لا تؤكد النتائج تلك النظرية، فسيتم التعامل معها وكأنها أحجية بحاجة إلى مزيد من الدراسة. وعلى الأرجح أن تتم معارضة ذلك بالقول إن كل هذا جرى في وقت ما في السابق، وإن مجال كواسي هو ''القانون والاقتصاد''، وليس التباين كلي الحجم. لكنه كان يشكك في أمور كانت مختلفة للغاية في مجالات أخرى. ويتذكر كيف أن مدرسة لندن للاقتصاد تغلب عليها لأول مرة الاقتصاد الكلي لفريديك هايك، ثم كينز، لكن لم يتوصل أي منهما إلى توقعات دقيقة لأي ظاهرة لم تتم مراقبتها بعد. ويمكن قول الأمر نفسه عن غزوات فريدمان بعد بضع سنوات. بإمكان المرء أن يعود أكثر إلى الوراء. ولم يتم فعل أي شيء لتجريد التحليل الاقتصادي الجدي من صدقيته، أكثر من مجرد تحديده بالتخمينات حول الإنتاج، والتشغيل، والأسعار، وما إلى ذلك مما يشعر السياسيون أنهم ملزمون بفعله. وينتج الخطأ الجوهري عن تحديد الأسلوب العلمي بالتنبؤات، والذي دحضه كارل بوبر بالحجة. ويجب أن تكون التوقعات العلمية الصحيحة خاضعة إلى شروط.. وأن تؤكد أن هناك تغييرات معينة، مثل أن زيادة درجة حرارة الماء إلى درجة معينة في الإبريق، بشرط أن تكون الشروط الأخرى مستوفية، مثل الضغط الجوي، ستؤدي إلى حالة معينة تعرف ''بالغليان''. ولكنها لا تخبرنا بأن الشروط المطلوبة سيتم تحقيقها. من ناحية أخرى، فإن التنبؤات التاريخية هي توقعات غير مشروطة، ومعرضة إلى أن تكون خاطئة إلى حد كبير. ويبدأ بعض هذه التحفظات في الظهور في أماكن غير متوقعة. مثلا، قال سبنسر دالي، المدير التنفيذي للشؤون الاقتصادية في بنك إنجلترا، لـ ''فاينانشيال تايمز'' إننا كنا نعرف عن الاقتصاد أقل مما اعتقدنا في السابق، وإن النماذج الاقتصادية غير مفيدة كثيراً كذلك. والعبرة هي محاولة فهم المزيد إلى حد ما، والقيام بحسابات أقل إلى حد ما.
يعمل...
X