معركة الميزانية تهدد دور أمريكا التاريخي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معركة الميزانية تهدد دور أمريكا التاريخي

    ماذا ينبئنا صعود النزعة التحررية بالنسبة لمستقبل الولايات المتحدة؟ هذا السؤال لا يهم الأمريكيين وحدهم، بل هو مهم بالقدر نفسه تقريباً لبقية العالم. جاء جزء من الجواب مع نشر خطة للمالية العامة بعنوان ''المسار نحو الازدهار''، من إعداد بول ريان، النائب الجمهوري في لجنة الميزانية في مجلس النواب. والنتيجة التي خلصتُ إليها من التقرير هي عكس النتيجة التي توصل إليها المؤلف، وهي أن هناك قدراً أكبر من ذي قبل من الأعباء الضريبية آتٍ في الطريق. لكن هذا يؤدي بنا إلى نتيجة أخرى، وهي أن الطريق محفوف بقدر كبير من النزاع، وهذا تترتب عليه مضامين هائلة بالنسبة للسياسة والتمويل الفيدرالي وقدرة الولايات المتحدة على لعب دورها التاريخي. وهذا موقف يؤكد عليه التحليل الذي أجراه مكتب الميزانية في الكونجرس على خطة ريان. يفترض ''السيناريو الأساسي المُطوَّل'' أن القانون الحالي سيظل دون تغيير. وبموجب هذا الافتراض، سترتفع الإيرادات من 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 21 في المائة عام 2022، وإلى 26 في المائة عام 2050. كذلك سيرتفع الإنفاق بصورة لا يستهان بها، من 23.75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 إلى 30.25 في المائة عام 2050. نتيجة لذلك، سيتراجع العجز عن المستويات الحالية، في حين أن الديون التي يحملها الجمهور سترتفع إلى 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2050. وكما يوضح مكتب الميزانية، هذا السيناريو يتسم بالتفاؤل. فالقانون الحالي يشتمل، بصورة خاصة، على الافتراض القائل إن التخفيضات الضريبية لعامي 2001 و2003 سينتهي أجلها، حسب التشريع الذي أقر قانون التخفيض. فإذا أضفنا هذا إلى أثر التراجع في المالية العامة بفعل النمو الاقتصادي والتضخم، فإن هذا يولِّد هذه الحصة المتزايدة من الإيرادات نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وعلى جانب الإنفاق، فإن حصة نظام الضمان الاجتماعي من الناتج المحلي الإجمالي ترتفع بصورة متواضعة، من 4.75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2010 لتصل إلى 6 في المائة عام 2050. كما أن حصة جميع جوانب الإنفاق الأخرى (بما في ذلك الدفاع)، لكن باستثناء الإنفاق على الصحة، يفترَض لها أن تتراجع إلى مستوى قريب من متوسطها في الأجل الطويل، ومقداره 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن الإنفاق على الصحة سيتضخم بصورة كبيرة من 5.50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 إلى 12.25 في المائة عام 2050. كذلك يدرس مكتب الميزانية سيناريو على الأجل الطويل أسوأ بكثير من السيناريو الأول. في هذا السيناريو ترتفع الإيرادات لتصل إلى 19 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، أي بحدود المتوسط طويل الأجل، في الوقت الذي تُمدَّد فيه التخفيضات الضريبية وتُدخَل فيه إجراءات إغاثة أخرى في المالية العامة. كذلك الإنفاق مرتفع إلى حد ما، لكن الأثر الرئيسي على الإنفاق يأتي من دفعات الفوائد على الدين المتضخم بقوة. وستصل الديون في أيدي الجمهور إلى 344 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، كما أن الفوائد ستلتهم ما نسبته 17 في المائة.

    النتيجة واضحة إذن. إذا تُرِكت الإيرادات لترتفع إلى 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فمن شأن التعديلات المتواضعة تأمين إمكانية الاستدامة. لكن الإنفاق (بما في ذلك الإنفاق من الولايات) من شأنه أن يكون بحدود 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وحين تكون الولايات المتحدة قريبة من أنماط الإنفاق الأوروبية، فإنها تحتاج كذلك إلى مستويات ضريبية قريبة من المستويات الأوروبية. فإذا استمرت الولايات المتحدة في إيراداتها التاريخية، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن وضع المالية العامة سيصبح غير قابل للاستدامة. في هذا الجدال يدخل ريان باقتراح من شأنه إبقاء الإيرادات عند مستوى 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تقليص الإنفاق إلى 20.25 في المائة من الناتج عام 2020، وإلى مجرد 14.75 في المائة عام 2050. وستهبط الديون إلى مستويات ضئيلة. ولا يستطيع أي شخص أن يشك في أن هذه الخطة تمثل تغيراً جذرياً، لكن الأمر الذي ربما لا يكون على هذه الدرجة من الوضوح هو مدى جذرية التغير، ومدى معقوليته. الأجزاء التفصيلية في الخطة خاصة بالصحة. ستتحول مساندة برنامج التأمين الطبي إلى معونات حرة من الحكومة الفيدرالية، وهو أمر يُفترَض أنه سيؤدي إلى تقليص المساندة. وستتحول مساندة الرعاية الصحية لكبار السن إلى مساهمات فيدرالية إلى شركات التأمين الطبي الخاصة. حتى هذه التغيرات الجذرية من شأنها أن تترك حصة المساندة الفيدرالية في الإنفاق على الصحة عند 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. مع ذلك، هذا سيشكل كذلك 40 في المائة من الحصة المتوقعة في السيناريو الأساسي الذي وضعه مكتب الميزانية في الكونجرس. والجزء الذكي هو أن الخطة، اعتباراً من عام 2022، ستمنع فقط فئة من الناس من دخول برنامج التأمين الطبي، وهي الفئة التي ستبلغ 65 عاماً. كذلك فإن مساندة التأمين الصحي لكبار السن سيتم اختبارها بحسب السبل المتيسرة وستتغير مع صحة المستفيد. ويشير مكتب الميزانية بصورة عامة إلى أن كبار السن سيتحملون 68 في المائة من تكاليف التأمين بحلول عام 2030. وكما يقول تقرير المكتب: ''هذا العبء الأكبر سيتطلب من كبار السن تقليص استخدامهم للخدمات الصحية، وإنفاق مبالغ أقل على السلع والخدمات الأخرى، أو أن يعملوا قبل التقاعد على ادخار مبالغ أكثر من المبالغ التي يفرضها القانون الحالي''. وتعتبر الولايات المتحدة الأعلى بين البلدان ذات الدخل العالي في نسبة وفيات الأمهات والأطفال، وأقل بلد من حيث العمر المتوقع للفرد. وستكون نتيجة هذه التخفيضات في الإنفاق على الصحة بالنسبة للفقراء وكبار السن هي مزيد من تدهور الأوضاع. فهل هذه النتيجة مقبولة فعلاً من الناحية السياسية؟ لاحظ أن الخطة تشتمل كذلك على جوانب مفاجئة أخرى. الأول، لن يكون هناك مساس بالضمان الاجتماعي. والآخر، أن الإنفاق على البنود خارج مجال الصحة والضمان الاجتماعي وتوليد الفوائد (البنود المتبقية) سيتقلص إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، وسيكون ثابتاً بالمعدلات الحقيقية بعد عام 2021. مع ذلك، فئة البنود المتبقية تشتمل على الدفاع، ومعظم برامج المتقاعدين العسكريين، والإنفاق الإلزامي على برامج التقاعد الفيدرالية في المجالين المدني والعسكري، والتعويضات عن البطالة، والحصص الضريبية المستحقة على الدخل المتحصل وعلى الأطفال، والبحث العلمي، وغيرها كثير. وستؤدي الخطة إلى الاختفاء شبه التام لهذه الوظائف المتبقية باستثناء الدفاع، على اعتبار أن من الصعب أن نرى السبب في أن الإنفاق على الدفاع يمكن أن يتراجع بنسبة كبيرة عن المتوسط البالغ 4.50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي تم تسجيله في العقد الماضي. وعندها ستتراجع البنود الباقية إلى ما نسبته 1.50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022. والواقع أنه على المدى الطويل، حتى الإنفاق على الدفاع سيتهاوى. لنفترض مثلا، أن الإنفاق على جميع المجالات غير الدفاعية في قسم البنود ''المتبقية'' سيكون 1.50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2050. فهل هذه خطة تنسجم مع الجمهوريين؟ لكن لنفترض بدلاً من ذلك أن الإنفاق على ''البنود المتبقية'' يعود إلى متوسط الأجل الطويل الذي كان عليه، وهو 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ولنفترض كذلك أن الإنفاق على الصحة ظل دون 8 في المائة من الناتج، وهو تحول مذهل، عندها سيظل الإنفاق خارج مجال الفوائد عند 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2050، وسيكون العجز في المالية العامة أكبر من 3 في المائة بكثير. باختصار، سيتعين أن تكون الإيرادات أكبر حتى في ظل هذه الافتراضات التي تتسم بقدر كبير من التفاؤل. إن خطة ريان هي من نوع ''نقيض الخلف'' في المنطق، أي إثبات خطأ قضية معينة عندما نحملها إلى نهايتها المنطقية. وسيتبين عندها أن الحكومة ستكون مزوداً شحيحاً للرواتب التقاعدية والتأمين الصحي. وستمتص هاتان الوظيفتان ثلاثة أرباع الإنفاق خارج الفوائد بحلول عام 2050. أما الوظائف الأخرى، بما في ذلك الدفاع، فإنها ستتعرض للانهيار. وهذا أمر لا يرجح له أن يحدث أبداً. بل إنه حتى لو أفلحت الحكومة بصورة مذهلة في كبح النمو في الإنفاق على الصحة، فإنه سيكون في حكم المؤكد أن حصة إنفاق الحكومة الفيدرالية من الناتج المحلي الإجمالي ستكون فوق مستوى 20 في المائة. يلوح في الأفق شبح معركة على المالية العامة. وربما يتعين حتى أن يأتي الحل بعد وقوع أزمة. لكن ريان يعطي الرئيس فرصة، من خلال تعريف أمور من المؤكد أنها لن تحدث. ولا بد لأوباما أن يهتبل هذه الفرصة.
يعمل...
X