من الصعب تجاهل تناقضات توجه فرنسا العسكري الجديد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من الصعب تجاهل تناقضات توجه فرنسا العسكري الجديد

    الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، الذي عارض الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، قال ذات مرة: "الحرب على الدوام تعني الفشل". ومن خلال انخراط القوات الفرنسية في ثلاث جبهات ـــ أفغانستان، وليبيا، وأخيرا ساحل العاج ـــ يأمل خليفته، نيكولا ساركوزي، الذي كان خصماً له في يوم من الأيام أن يثبت أن شيراك كان على خطأ.

    خوّل الرئيس ساركوزي القوات الفرنسية المشاركة في القتال الشرس بين الحسن وتارا، الرئيس المعترف به دولياً نتيجة للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) في المستعمرة الفرنسية السابقة، ولوران جباجبو الرئيس المنتهية ولايته.


    وهذه العملية العسكرية هي الثانية من جانب فرنسا في القارة الإفريقية خلال أقل من شهر. وكثيرون يتساءلون عمّا إذا كان هذا الأمر يشير إلى سياسة جديدة أقرب إلى التدخل لتخليص القارة من الديكتاتوريين غير المستساغين.


    الواقع أن القوات الفرنسية تدخلت في ساحل العاج بطلب من الأمم المتحدة، وذلك تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الذي يسمح باتخاذ إجراءات لحماية المدنيين الذين يواجهون تهديدا.


    لكن من الصعب وصف الهجمات الجوية على القصر الرئاسي والتلفزيون الوطني بأنها لضرب الأسلحة الثقيلة. وما من شك في أن الهجمات الفرنسية تجاوزت مبدأ "مسؤولية الحماية" واستهدفت المساعدة على التخلص من جباجبو وتنصيب وتارا في موقعه الذي يستحقه.


    ويبدو أن التدخل في ليبيا للهدف ذاته. وتصر فرنسا ـــ شأنها في ذلك شأن شركائها في التحالف ـــ على أن الهدف هو حماية المدنيين وليس تغيير النظام. لكن فرنسا، كالآخرين، تصر على وجوب رحيل معمر القذافي. ومن الصعب تجاهل التناقضات، حتى لو جادل قليلون بعدالة الإجراء. لكن سيكون من الخطأ النظر إلى هاتين العمليتين العسكريتين باعتبارهما إشارة إلى سياسة فرنسية جديدة.


    جزئيا، كانت الرغبة في التدخل في ليبيا تهدف إلى تصحيح تعامل فرنسا الأخرق مع الانتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر، حيث فضلت الاستقرار على الديمقراطية، كما يقول دبلوماسيون مطلعون. ولن تكرر فرنسا ذلك الخطأ مرة أخرى، كما يصرون، على الرغم من أن المنتقدين على حق في تساؤلهم حول ما يمكن أن يكون عليه الخيار في بلدان مثل سورية، أو الجابون، إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة بشكل خطير.


    حاولت فرنسا كل ما كان باستطاعتها لتظل خارج النزاع في ساحل العاج، على الرغم من أن لها آلاف الجنود على الأرض، وأن عدد مواطنيها يبلغ 12 ألف شخص في هذا البلد.


    ويعود التردد في الانخراط في هذا الصراع إلى خطة ساركوزي التي كشف عنها قبل ثلاث سنوات، الخاصة بإرساء علاقة فرنسا مع دول جنوب الصحراء الإفريقية، ولا سيما المستعمرات السابقة، على أرضية جديدة. وكما ادعى، لن تكون فرنسا شرطي إفريقيا، لكنها ستقيم علاقاتها على التجارة والتنمية.


    وإذا كان الوضع في ساحل العاج يبين أي شيء، فإنه يظهر مدى خطأ هذه الرؤية. فالعلاقة الوثيقة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة، ووجودها العسكري هناك، جعلت من المستحيل اتخاذ موقف المتفرج بينما يتصاعد الصراع ـــ وهو الاتهام الذي واجهته فرنسا في رواندا. وكانت صدقيتها الدولية على المحك، ولا سيما في ظل حجج ساركوزي العاطفية للتدخل في ليبيا، حيث العلاقات التاريخية والثقافية أكثر ضعفاً بكثير.


    لكن هناك أيضاً المصالح الفرنسية القوية، خاصة في إفريقيا الغربية الفرانكوفونية. فقد جمع فنسنت بولور، رجل الأعمال الذي احتفل ساركوزي بفوزه الانتخابي على ظهر يخته، ثروة في موانئ إفريقيا الغربية، بينما تنتشر حفارات نفط شركة توتال عبر هذه المنطقة الغنية بالموارد.


    وإذا ما انحدرت ساحل العاج باتجاه مزيد من الفوضى، فما الإشارة التي يرسلها ذلك إلى البلدان المجاورة التي تتودد لها قوى مثل الصين والبرازيل؟


    لقد وجد ساركوزي نفسه سجيناً للتاريخ. وستقرر المصالح الراسخة والعلاقات، المسائل السياسية مهما كانت الرغبة في تحديث العلاقات.


    أثناء ذلك، فإن الانطباع بأن فرنسا تتدخل بصورة مكشوفة أكثر في الشؤون الإفريقية يحمل معه عاقبة خطيرة. فالرأي العام يزداد رفضاً لما يرى أنه تدخل من جانب قوة مستعمرة سابقة. ويتم الشعور بامتدادات ذلك في محافل دولية مثل الأمم المتحدة، حسب بعض الدبلوماسيين. وكل ذلك يجعل من المُلِحْ أكثر على ساركوزي أن يبين حدود سياسته الخارجية وأن يلتزم بها.
يعمل...
X