امتناع ألمانيا عن القيادة أمر غير مناسب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • امتناع ألمانيا عن القيادة أمر غير مناسب

    قال جيدو فِسترفيلِه في تشرين الأول (أكتوبر)، حين تمكنت ألمانيا من تأمين هدفها الخاص بالحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: ''يعلم العالم أنه يستطيع الاعتماد علينا''. وقبل ذلك بشهر، طمأن المندوبين في الأمم المتحدة بقوله: ''إن ألمانيا مستعدة لتولي مسؤولية عالمية''. وهذا ما كان يبدو عليه الأمر، حين ذهب إلى تونس والقاهرة للمشاركة في الاحتفالات بالربيع الديمقراطي في العالم العربي.

    لكن هل يستطيع العالم أن يعتمد على ألمانيا في الأمور المهمة؟ فقد رفضت لتوها الانضمام إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وسبعة بلدان أعضاء آخرين في مجلس الأمن في تبني قرار بفرض حظر جوي على ليبيا لوقف المجازر التي يرتكبها معمر القذافي في حق شعبه. وإلى جانب ألمانيا، امتنعت روسيا والصين والبرازيل والهند عن التصويت. هؤلاء هم شركاء تجاريون مهمون، لكنهم يشكلون مجموعة غير مريحة لا يسعى المرء لزمالتها بخصوص قضية الحرب والسلام، حتى دون الطرف الخامس غير المدعو، وهو الديكتاتور الليبي نفسه. وقد قال العقيد القذافي، من باب الشكر، إن برلين (وليس باريس) ينبغي أن يكون لها مقعد دائم في مجلس الأمن.


    أدى امتناع ألمانيا عن التصويت إلى انهيار في العلاقات العامة في الخارج وفي الداخل. ورغم أن المستشارة أنجيلا ميركل تبنت القرار بحزم، إلا أنه حتى خبراء السياسة الخارجية في حزبها المحافظ نفسه أعربوا عن اشمئزازهم. ولا بد للدبلوماسيين الألمان أن يدافعوا الآن عن موقف يعترض عليه كثير منهم.


    بطبيعة الحال أثارت الحكومة الألمانية بعض النقاط الأساسية المهمة. إن فهمنا لحركيات السلطة في ليبيا يعد فهما ناقصا. فمن الواضح أن هذا النزاع هو حرب أهلية أيضا. في الماضي تسببت مناطق الحظر الجوي في تصعيد المجازر، إذ كان طرف أو أكثر يسعى إلى تعزيز وتثبيت مكاسبه. ولعل من المحتمل تماماً أن السياسيين الغربيين يعملون الآن على التخلص من أشباح القتل الجماعي في إفريقيا الوسطى والبلقان، حيث جاء التدخل بعد فوات الأوان، أو لم يأت نهائياً.


    مع ذلك كل هذه العوامل هي أسباب للتصرف على نحو مسؤول، وليست أسباباً لعدم التصرف على الإطلاق. على خلاف الحرب ضد صدام حسين في عام 2003، الأساس القانوني لهذا الإجراء واضح. فلو لم يتصرف مجلس الأمن لكان التزام الأمم المتحدة ''بمسؤولية الحماية'' قد فقد كل معنى له، ولكان المجلس قد فقد آخر بقايا لديه من الصدقية. بالتالي، قرار برلين الامتناع عن التصويت كان خاطئاً، وكانت بعض التبريرات التي سيقت للدفاع عن القرار غريبة. فحين يقترح شخص، كما يفعل كبار الدبلوماسيين الألمان، أنه ينبغي في البداية استنفاد الدبلوماسية أو العقوبات، أو أنه كان ينبغي على المعارضة الليبية أن تتمسك بإجراءات ''اللاعنف''، فإن هذا دلالة على الوهم أو الاستهانة والسخرية.


    وزير الخارجية حشر نفسه في زاوية. فقد ادعى أن التصويت بالإيجاب دون إرسال القوات سيكون تصرفاً يدل على عدم ''الصدق''، وكان سيضع ألمانيا على ''منحدر زلق''. وجادل بأن ''الاتساق'' يتطلب سحب السفن وطائرات المراقبة الألمانية من المشاركة المحتملة في الحظر البحري ضد ليبيا، لأنه كان من الممكن أن تضطر إلى استخدام القوة. وتُرسَل الطائرات النفاثة الآن إلى أفغانستان في مسعى يائس لتهدئة شركاء ألمانيا في التحالف.


    ربما يبدو هذا غريباً حين يصدر عن رجل يعتبر أن هانز ديتريش جينشر هو معلمه والمثال الذي يقتدي به، على اعتبار أن جينشر زميل ليبرالي خدم أطول فترة في منصب وزير الخارجية، وأستاذ سابق في التجول عبر المناطق الرمادية، من ''السياسة الشرقية'' إلى حروب البلقان. ومع ذلك يظل مخلصاً للنزعة الجينشرية في معارضته الثابتة للتدخلات الأجنبية، سواء في لبنان أو أفغانستان.


    لكن الجينشرية هي نتاج لعصر كانت فيه ألمانيا مقسمة وشبه صاحبة سيادة، وحتى أوروبا الشرقية كانت أرضاً بعيدة لم نكن نعلم عنها شيئاً يذكر. لكن ألمانيا اليوم تتمتع بالسيادة منذ عقدين من الزمن. وبدلالة المصطلحات الاقتصادية، فإن موقعها بالنسبة للاتحاد الأوروبي يشبه موقع أمريكا بالنسبة لحلف الناتو، بمعنى أنها القوة العظمى التي تمسك بيدها مقاليد الأمور. ثم إن منطقة شمالي إفريقيا هي الحي الذي نعيش فيه.


    لدى ألمانيا الآن مسؤوليات لم يكن يحلم بها جينشر، كما تدرك المستشارة على الأقل. إن مساندة التغيير الديمقراطي في العالم الإسلامي هي تحدي العصر بالنسبة لأوروبا، ولا تتمتع ألمانيا بترف الامتناع عن دورها القيادي.


    من الأفضل بالنسبة لميركل أن تتذكر هذا الأمر حين تسعى للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. وإلا، فإنه ينبغي لها أن تضيف إلى إعلان الحكومة الألمانية أن بالإمكان الاعتماد عليها، ملاحظة لإخلاء المسؤولية تقول فيها: ''هذا العرض خاضع لعدد من الاستثناءات والقيود والتعديلات والاعتبارات المحلية أو التجارية''.




    الكاتبة زميل أول في صندوق مارشال الألماني.
يعمل...
X