على الصين التوفيق بين نهضتها السريعة وانعكاساتها على العالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • على الصين التوفيق بين نهضتها السريعة وانعكاساتها على العالم

    'الإصلاح والانفتاح'' كان شعار الصين لأكثر من ثلاثة عقود. كانت النتيجة ليس فقط ظهور قوة اقتصادية عظمى جديدة، بل قوة مندمجة جداً في الاقتصاد العالمي. والسؤال الكبير إذن، كيف ينبغي للصين أن تستخدم نفوذها. وهو سؤال تناولته في كلمة ألقيتها في منتدى التنمية في الصين عقد هذا العام في بكين . كانت جدليتي أن الصين حققت العظمة وهناك الآن مسؤولية ملقاة عليها تجاه النظام العالمي.

    إن هذا العملاق الآن هو أكبر مصدِّر وثاني أكبر مستورد في العالم (بعد الولايات المتحدة)، إلا إذا اعتُبر الاتحاد الأوروبي وحدة واحدة. ولديه أكبر فائض تجاري وأكبر فائض في الحساب الجاري وثلث احتياطيات العالم من العملة. وتعتبر حركة مدخراته الأكبر في العالم. وهو أكبر مستورد لكثير من السلع والجهة التي تحدد أسعار كثير من المنتجات. باختصار، نفوذ الصين عام ومتنام، لكنها أيضاً بلد نام يحكمه الحزب الشيوعي. وهذا مزيج غير مسبوق.


    يتعين على الصين أن تطور وجهة نظرها الخاصة بكيفية استخدام نفوذها. وفي معرض قيامها بذلك، يتعين عليها أن تبدأ من تحديد مصالحها وأهدافها الوطنية. إنني أرى أن مصلحة الصين الكبرى تكمن في بيئة سياسية واقتصادية عالمية تتسم بالاستقرار، والسلم، والتعاون. وفي مثل هذا العالم فقط يمكن للصين أن تأمل في دعم التنمية السريعة وإدامتها.


    كيف ينبغي أن تحقق الصين هدفها؟ بصورة عامة، أفضل طريق لتحقيقه يمر عبر مزيد من تطوير النظام العالمي الذي تحكمه القواعد، والمبني على المؤسسات. وسيكون البديل الواضح لذلك ترتيباً هرمياً تحتل الصين قمته، لكن هذا النهج من شأنه، كما أخشى، أن يؤدي إلى صراعات لا يمكن تدبر أمرها مع القوى العظمى الأخرى. ومع وضع هذه الفكرة في أذهاننا، دعونا نلقي نظرة على التجارة، والمدفوعات، والتمويل، والموارد.


    باعتبارها القوة التجارية الصاعدة في العالم، تعد الصين الخليفة الطبيعي للولايات المتحدة في حراسة النظام التجاري المفتوح. ولهذا السبب، من المهم أن تتقيد الصين بكافة قواعد هذا النظام ومبادئه وأن تلعب دوراً مهماً في زيادة تطويره. وينبغي أن تلعب الصين دوراً في وضع نوع من الختام لجولة الدوحة غير المتناهية. ولها مصلحة متزايدة في حماية حقوق الملكية الفكرية، ولهذا السبب لديها مصلحة مساوية في ضمان التزامها بهذه القواعد. ولدى الصين أيضاً مصلحة قوية في حماية استثماراتها المتنامية في الخارج. ولهذا السبب ينبغي لها أن تشجع القواعد الخاصة بحماية الاستثمار المباشر الأجنبي. وأخيراً، باعتبارها تاجراً عالمياً، للصين مصلحة قوية في انسجام الترتيبات الإقليمية التي توجدها، أو تنضم إليها مع القواعد العالمية.


    وبالنسبة للمدفوعات، فإن القضية المباشرة تتعلق بالتحديات التي تسببها ضخامة الفائض التجاري وفائض الحساب الجاري الصينيين لكل من الصين وشركائها. ومن السار أن الصين نفسها تدرك أن النتيجة أثبتت تزعزع الاستقرار الداخلي. فقد صرح تشين ديمين، وزير التجارة الصيني، أخيرا بأن الهدف الآن هو ''استقرار الصادرات، وتوسعة الواردات، وتقليص الفائض''. وزيادة على ذلك، أضاف: ''من المتوقع أن تنمو الواردات بصورة أسرع من الصادرات هذا العام، وربما تكون حصة الفائض التجاري في الناتج المحلي الإجمالي أقل من 3.1 في المائة، وهي أقل مما كانت عليه في عام 2010''. بالفعل، فوائض الصين التجارية، رغم أنها ما زالت ضخمة، تقدر بنصف ما كانت عليه قبل الأزمة.


    ومن المؤكد أن الصين تدرك أن مراكمة مطالبات رسمية ضخمة على المطلوبات الأجنبية ''الآمنة'' يجب أن يضاهيها عرض مماثل. ومما يؤسف له أن تلبية الطلب تتم الآن عبر زعزعة العجوزات المالية والخارجية في الولايات المتحدة. ويمكن للصين أن تساعد نفسها عبر زيادة وتيرة تحرير تدفقات رأس المال وزيادة مرونة سعر الصرف.


    وزيادة على ذلك، ينبغي أن تطور الصين استراتيجية خاصة بإصلاح النظام النقدي العالمي على نحو يتناسب مع مصالحها في إدارة التداخل بين تنميتها الداخلية والاستقرار العالمي. ويمكن أن تكون إحدى الخطوات المرغوبة التعاون في إدارة أسعار الصرف مع الاقتصادات الناشئة الأخرى التي تعتمد على التصدير. وفي مصلحة الصين أيضاً أن تؤمن التوصل إلى تسوية عملية مع شركائها في المناقشات التي تجري داخل مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية. وينبغي أن تركز هذه التسوية على مؤشرات اختلال التوازن، وأساليب التعديل، وتقديم السيولة للبلدان التي تواجه صعوبات.


    وبالنسبة للتمويل، يجب أن تكون أهداف الصين: أولاً، إيجاد نظام محلي قادر على دعم تنميتها الاقتصادية. ثانياً، المساعدة في تشجيع نظام عالمي يدعم اقتصاداً عالمياً يتسم بدرجة مقبولة من الاستقرار. ثالثا، حماية الأول من تجاوزات الثاني. وفي معرض تحقيق هذه المواءمة الصعبة، ينبغي أن تسترشد سياسات الصين بمفهوم أن نظامها المالي في المدى الطويل سيكون مركزاً للتمويل العالمي. لكن الانتقال إلى التكامل التام لن يكون صعباً فقط، بل معقداً ومحفوفاً بالمخاطر، مع خطورة خاصة للتكامل على الصعيد المصرفي.


    أخيراً، دعونا نلقي نظرة على الوصول إلى الموارد. لأول مرة في تاريخها تعتمد الصين على الوصول إلى واردات المواد الخام الصناعية. وهي أصلاً أكبر مستورد لمعظم المواد الخام. وبالنسبة إلى الصين، ربما كانت السياسة في هذا المجال ذات أهمية قصوى. وتكمن مصلحتها المباشرة في الوصول إلى موارد العالم بشروط مرضية. وقد قررت، وهذا أمر معقول جداً، أن تستخدم رأسمالها وعمالتها الرخيصة لتحقيق هذه الغاية. هذا ليس فقط في مصلحة الصين، بل في مصلحة المستهلكين الآخرين. وبما أن للموارد أسعاراً عالمية، فإن أية زيادة في العرض ستعود بالنفع على جميع المستهلكين.


    ورغم ذلك، سيكون من المساعد إذا أمكن التوصل إلى إجماع حول شروط الاستثمار والتجارة في الموارد الطبيعية. ويجب أن يتمثل أحد الأهداف في ضمان أن تستفيد البلدان المصدرة للسلع – لا سيما الفقيرة منها وذات القدرة المحدودة على صعيد الإدارة الرشيدة – من الاستثمار الأجنبي ومن صادرات الموارد الطبيعية. وستكون الصين لاعباً محورياً في تأمين هذه الاتفاقيات. وفوق كل ذلك، يجب أن يتفق العالم على أن المبادئ الأساسية ينبغي أن تظل مبادئ التجارة الحرة في الأسواق العالمية المفتوحة. ولا بد أن تتحدد الأسعار من خلال المنافسة العالمية، مع إمكانية إبرام عقود طويلة الأجل بطبيعية الحال.


    ومع نمو الصين، فإن تأثيرها على العالم يتوسع بمعدل أسّي. ويجب عليها أن توفق بين ضرورات تنميتها السريعة والحاجة لأخذ أثرها على العالم في الحسبان بشكل تام. ويتعين عليها أن تطور الأجندة الخاصة بها، أجندة تؤمن أهدافها المترابطة، وهي التنمية السريعة في الداخل والاستقرار في الخارج. لن يكون الأمر سهلاً، لكن ليس هناك بديل أمام الصين.
يعمل...
X