إصلاح «الفيفا» ضروري لكنه صعب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إصلاح «الفيفا» ضروري لكنه صعب




    يتبختر الفيفا على المسرح العالمي كما لو أنه فاتيكان الرياضة – بلد ليس له أرض أو جيش، لكنه لا يتحمل التشكيك في سلطته، وبإمكانه من خلال كرة القدم الوصول إلى أماكن لا يستطيع غيره الوصول إليها. غير أن مشكلة الفيفا، على النقيض من الفاتيكان في روما، تتمثل في أنه لم يمتلك سلطة أخلاقية على الإطلاق. ولا يوجد دليل على أن الفيفا مستعد، على الرغم من أنه يواجه أخطر أزمة في تاريخه، للقبول باحتمال أن يكون هناك نقص في معاييره الأخلاقية.

    وبدلاً من ذلك يواصل الإصرار على أنه فريد للغاية، حتى أنه غير خاضع للمساءلة سوى أمام أعضائه فقط، أي ''عائلة كرة القدم'' بحسب التعبير المفضل الذي يستخدمه الفيفا. ومثل نوع العائلة الممتدة التي أصبحت عتيقة الطراز للغاية حتى في شبه القارة الهندية، يتخذ موقفاً عدائيا إزاء فكرة أن الأعضاء من غير العائلة يمكن أن يكون لديهم الحق في التطفل على شؤونه، ناهيك عن التدخل في الكيفية التي يجب أن يتصرف بها.

    كان ذلك في غاية الوضوح ليل الإثنين الماضي في زيوريخ، حين تحدث رئيس الفيفا، سيب بلاتر، أمام مؤتمر صحافي. وقبل 24 ساعة فقط من ذلك، برأته لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد من ارتكاب أي خطأ في فضيحة فساد مزعومة، لكنها علقت عضوية اثنين من اللجنة التنفيذية، هما جاك وورنر، نائب رئيس الفيفا من ترينيداد، والرئيس القطري للاتحاد الآسيوي، محمد بن همام. وانسحب ابن همام الذي كان يتنافس على الرئاسة ضد بلاتر، من السباق، الأمر الذي سمح للأخير بالحصول على فترة رئاسة رابعة دون معارضة.

    في ضوء هذه الخلفية، من المتوقع أن يبدي أي رئيس دولة أسفه وندمه، أو على الأقل يعترف بجزء من المسؤولية عن الفوضى التي جعلت الفيفا مادة رئيسية في وسائل الإعلام العالمية لجميع الأسباب الخاطئة. ومع ذلك قدم بلاتر نفسه باعتباره رجلا في غاية الانشغال في إدارة دولة كرة القدم الخاصة به، بحيث لا يستطيع أن يزعج نفسه بتهم الفساد. وإذا أسهمت جميع هذه الأمور في تعزيز صورته كأقوى قائد محصن ضد الاتهامات، فقد كان هدفه كذلك استغلال حقيقة أن الفيفا مجرد منظمة يسودها اختلال وظيفي.

    إن الأرباح التي حققها الفيفا عام 2010، البالغة 202 مليون دولار بعد الضرائب، تجعل منه شركة معتبرة بشكل منطقي، فيما عدا أن الفيفا يطلق على الأرباح كلمة ''نتائج''، كما لو كانت نتيجة لمباراة كرة القدم. وتصل حساباته لتغطي 116 صفحة، تذكر بالتفصيل الملايين التي يجنيها من كأس العالم، لكنها تقدم القليل للغاية من التفاصيل الإضافية بشأن جميع الفعاليات الأخرى التي تخسر الأموال، أو ما يجنيه المسؤولون والتنفيذيون من رواتب. والرسالة التي يقدمها الفيفا هي أنه يفضل تحقيق الأرباح، لكن ليس العبء الذي يرافق ذلك: الحاجة إلى إدارة الشركات الشفافة.

    بالمثل، فإن الجمعية العمومية للفيفا تملك القليل من السلطة الفعالة. وإلى جانب انتخاب الرئيس، فإنها تمثل في الغالب حالة المؤتمر الذي يقترح، وفي المقابل يقوم أحد اتحادات الفيفا الكثيرة بالتخلص من هذه الاقتراحات. وكان ذلك واضحاً للغاية قبل ثلاث سنوات، حين جعل بلاتر الجمعية العمومية للفيفا توافق على تغيير في قانون من شأنه أن يفرض على الأندية أن يكون لديها مزيد من اللاعبين الوطنيين. وكان بلاتر الذي يتمتع بشعبية دائمة، يستجيب إلى مطالب بأن الزيادات الهائلة في عدد اللاعبين الأجانب في الأندية الأوروبية كانت تؤثر في قوة الفرق الوطنية. وحين أدرك اتحاد كرة القدم الأوروبي ''يوفا'' أنه سيبدو غبيا بسبب تقديس معاهدة روما لحرية حركة العمالة، رفض بشدة وتم نسيان المقترحات.

    ورغم تظاهر بلاتر بأنه رئيس دولة، إلا أنه لا يستطيع حتى اختيار حكومته الخاصة به. ولا تقوم الجمعية العمومية للفيفا بانتخاب الأعضاء التنفيذيين في الاتحاد الدولي لكرة القدم، وإنما تنتخبهم الاتحادات. وتبدو بعض الانتخابات مثيرة للفضول. وبناءً عليه، فإن الأندية الوطنية البريطانية لديها أربعة مقاعد في الفيفا، وتنتخب نائب رئيس الفيفا في اللجنة التنفيذية. ومقابل هذا الامتياز، لا يسمح للأندية الأربعة بالتصويت في انتخابات ''يوفا'' الذي يختار التنفيذيين الأوروبيين السبعة الآخرين في الفيفا.

    في كثير من الاتحادات شجع هذا على زيادة عدد القياديين الشبيهين إلى حد بعيد بزعماء الحرب الإقليميين، الذين يتمتع كل واحد منهم بقاعدة نفوذه المنفصلة. ومن عدة نواحٍ، فإن الاجتماع في ترينيداد بين ابن همام وورنر، حيث حدث شراء الأصوات المزعوم، يجسد هذا العَرَضْ، لأن كليهما كان رئيسا لاتحاد في ذلك الوقت. وحتى إذا لم يكن هناك فساد، فقد كان الأمر بمثابة مقايضة على نحو فاعل. وربما يبدو بلاتر الآن مثل قائد حكومة تحالف منقسمة، يشكو من عدم قدرته على اختيار أعضاء وزارته، لكنه يعرف أنه لا يمكنه تغيير النظام.

    وعلى الأرجح أن تفرض ضغوط غربية، خصوصاً إذا ترجمت إلى إجراءات من قبل الداعمين، على الفيفا إجراء إصلاحات. لكن من أجل الإصلاح الفعلي يجب أن ينتهي قانون الفيفا الخاص بزعماء الحرب المنتشرين. وربما يتم توقيف وورنر عن العمل في الفيفا، لكن ماذا عن منصبه الوزاري في ترينيداد، حيث يرأس كذلك حزب رئيس الوزراء؟ ولا يدعو رئيس وزراء ترينيداد، على النقيض من ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، إلى إصلاح الفيفا فحسب، لكنه متحمس لإبقاء وورنر في وزارته.

    وبقدر ما يعتبر الإصلاح الهادف للفيفا مرغوباً، إلا أن من الصعب تحقيقه.



    الكاتب بصدد تأليف كتاب حول فشل الروح الرياضية.



يعمل...
X