حين يأتي ميدان التحرير إلى إسرائيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حين يأتي ميدان التحرير إلى إسرائيل

    ثمة إغراء بأن يهز المرء كتفيه غير عابئ بما يحدث. فاصطدمت جهود حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بجدار مغلق. ما الجديد؟ فنحن على هذا الحال منذ جيل وما زال العالم ماضيا، ويمكن للأمريكيين تكرار المحاولة بعد الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. الجديد هو ربيع العرب.

    إن أي شخص شاهد خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس يمكن أن يعذر على إيمانه بالقضاء والقدر. فرئيس الوزراء الإسرائيلي لن يتفاوض بجدية مع الفلسطينيين على الإطلاق. وكما قال دبلوماسي إسرائيلي سابق عن خطاب نتنياهو: ''تغير كل شيء، لكنه مصمم على أن يبقى كل شيء على حاله''.


    من غير المرجح أن ينتظر العالم هذه المرة. فالأحداث تترك إسرائيل خلفها وتعمل الانتفاضات العربية على إعادة صنع الوضع الجيوسياسي للشرق الأوسط. وسيسعى الفلسطينيون إلى اعتراف دولي بدولتهم عند انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر).


    يرى نتنياهو في هذا الجيشان الكبير سبباً آخر لعدم تقديم تنازلات، بينما توصل أصدقاء إسرائيل إلى النتيجة المعاكسة. وأعلن باراك أوباما بوضوح الفرضية القائمة منذ فترة طويلة بأن حدود إسرائيل عام 1967، مع بعض تبادلات الأراضي، هي نقطة البداية للاتفاق.


    وتريد الحكومات الأوروبية – بقيادة بريطانيا وفرنسا – أن يمضي الرئيس الأمريكي إلى ما هو أبعد من ذلك، بحيث يوضح الموجِّهات الرئيسية الأخرى لحل الدولتين. وما من جديد في المحتوى في هذا الأمر. ويوجد اعتقاد بأن على المجتمع الدولي أن يمنح الآن موافقته الرسمية على الهيكل الأساسي للاتفاق.


    وحسبما تبدو الصورة، يميل معظم الحكومات الأوروبية إلى دعم الفلسطينيين في الجمعية العامة. وليست لديهم خيارات كثيرة إذا نبذت حكومة فلسطينية موحدة العنف. ومع ذلك هناك خطر واضح من أن تصويتاً في الأمم المتحدة يمكن أن يكون تمهيداً لانتفاضة ثالثة.


    كانت إسرائيل قبل فترة ليست بعيدة للغاية آمنة نسبياً في المنطقة الخاصة بها. وكانت تركيا ومصر حليفتين في تجمع لأعمدة الاستقرار في حال وقوع أي حادث في منطقة مهددة بالطموحات النووية الإيرانية. أما الآن، فقد اختلف نتنياهو مع تركيا، وأطيح بحسني مبارك في مصر. وبشار الأسد – عدو إسرائيل، ولكنه على الأقل عدو يمكن التنبؤ بتصرفاته – ربما يكون هو التالي.


    إن الموجة الديمقراطية ترتطم بالحدود الإسرائيلية. وكان النظام القديم يقوم على أن بالإمكان هزيمة الطغاة العرب في ميادين المعارك، أو محاصرتهم، أو الأمرين معاً في بعض الأحيان، لكن من الصعب قمع صحوة ديمقراطية. وإن كابوس نتنياهو يتجسد في انتفاضة سلمية يصحبها، كما حدث في الشهر الماضي، محتجون من سورية والأردن. فكيف ستتصرف إسرائيل إذا استعار الفلسطينيون تكتيكات ميدان التحرير؟ فقد انتهت أيام كان الغاز المسيل للدموع هو الحل.


    لقد قاد نتنياهو إسرائيل إلى عزلة دولية. وتنعكس علاقته المتصدعة مع أوباما بتمزق في علاقاته مع أوروبا. فلم تعد بريطانيا وفرنسا تخفيان خيبة أملهما. وألمانيا التي هي حليف راسخ لأسباب تاريخية، فقدت صبرها. وجاءت نقطة التحول في شباط (فبراير)، حين أيد ما يسمى ''الأوروبيون الثلاثة'' e3 قراراً لمجلس الأمن الدولي يدين توسيع نتنياهو للمستوطنات غير الشرعية. وساند القرار 14 من أعضاء المجلس الـ 15 ولم ينقذ نتنياهو إلا الفيتو الأمريكي.


    وفي ذلك الوقت تم تجاهل البيان الأوروبي المرافق – الذي هو باللغة الدبلوماسية ''تفسير للتصويت''. فقد كان العالم مركزاً عيونه على مصر، لكن إذا وضعنا البيان مع خطاب نتنياهو في واشنطن، فإن المسافة بينهما أبعد من أن يكون بالإمكان تجسيرها.


    أعلنت هذه البلدان الثلاثة أن السلطة الفلسطينية ''طورت القدرة على إدارة دولة مسالمة، وثبتت حكم القانون، والعيش بسلام وأمن مع إسرائيل''. وبالنسبة إلى الموجِّهات، فهي كما كانت على الدوام: حدود قائمة على حدود عام 1967، مع مقايضات أراضٍ متفق عليها، وأمن إسرائيل المطلق، والقدس عاصمة مشتركة، واتفاقية متفاوض عليها حول اللاجئين.


    ومعدو هذه الوثيقة ليسوا أعداءً لإسرائيل. فوزير خارجية المملكة المتحدة، وليم هيج، صديق لإسرائيل منذ دخوله مرحلة الرجولة، والألمانية أنجيلا ميركل حليف لا يرف له جفن. ويحرص هؤلاء على مستقبل إسرائيل، لكنهم في ظل العلاقة مع نتنياهو، يقولون الآن إن الكيل قد فاض بهم.


    ويرى الأمريكيون والأوروبيون أن استقرار الشرق الأوسط وأمنه لا يمكن فصلهما من الناحية الاستراتيجية عن تطلعات الفلسطينيين. ولا يمكن فصل ذلك عن أمن إسرائيل. ويخطط نتنياهو لدولة إسرائيلية يكون فيها اليهود أقلية، مع تجميع الفلسطينيين في معازل.


    وبالطبع، لا بد من طرح تحد على الفلسطينيين. فالمصالحة بين فتح وحماس ينبغي أن تتضمن نبذ العنف. ومن المفارقات الكثيرة في موقف إسرائيل الراهن، أن الجانب الفلسطيني تفادى الرقابة الدقيقة. لكن النوايا الفلسطينية يمكن اختبارها على نحو ملائم حين يكون عرض إنشاء دولة فلسطينية موجوداً على الطاولة. وكما يصف نتنياهو الأمر ''يجب أن يكون لدى الشعب الفلسطيني الحق في حكم نفسه (...) في دولة مستقلة ومتصلة الأراضي''.


    لقد كانت استجابة نتنياهو أن إضاف اسمه إلى البطاقة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية عام 2012. ولا شك في أنه استمتع بالتصفيق الذي حظي به من جانب أعضاء الكونجرس الأمريكي، لكن هل في كل ذلك من شيء يشبه خطة لحماية الأمن الاستراتيجي لإسرائيل؟


    يقدر الزعيم الإسرائيلي أن الرئيس أوباما سيكون مقيداً قبل انتخابات العام المقبل. لكن الولايات المتحدة ربما تكون راضية تماماً عن تحرك الأوروبيين كمرافقين للركب. ويمكن أن تكون الخطوة التالية (بل يجب أن تكون) قراراً من مجلس الأمن يحدد بصورة قاطعة الموجِّهات الأربع.


    إن طموح نتنياهو في كل ذلك يمكن ألا يتجاوز التمسك بالسلطة. وربما يقول تفسير آخر إنه لم يكن مستعداً أبداً للتفكير ملياً بدولة فلسطينية – وهو موقف يكشفه تلاحق الأحداث على نحو غير مريح.


    وعلى أية حال، فقد وضع رئيس وزراء إسرائيل نفسه إلى جانب زعماء منطقة الشرق الأوسط الذين لا يرون سوى الماضي. ولديه حليف، أو حليفان في جهود رد المد التاريخي إلى الخلف. وتقفز إلى الذهن سورية. لكن هل هذه هي الرفقة التي تريد إسرائيل – وهي أول ديمقراطية في المنطقة – أن تحتفظ بها فعلا؟
يعمل...
X