سلسلة حلقات اقتصادية - الحلقة 4 : وظائف النقود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة حلقات اقتصادية - الحلقة 4 : وظائف النقود

    سلسلة حلقات اقتصادية - الحلقة 4 : وظائف النقود



    إن النقود تعتبر بحق اكتشافاً اجتماعياً مثمراً لدرجة أن البعض يعتبره أحد العلامات البارزة في تاريخ تطور الحضارة البشرية ، شأنه في ذلك شأن اكتشاف النار والكتابة . ولعل السبب في أهمية اكتشاف النقود يرجع أساساً إلى أهمية الوظائف العديدة التي تلعبها في عالم اليوم ، سواء على المستوى المحلي ( داخل كل مجتمع ) أو حتى على الصعيد الدولي . ومن ثم ، فالنقود ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة تنجز العديد من الوظائف الهامة المختلفة . ولذلك فأكثر التعريفات شيوعاً للنقود في الوقت الحاضر هو تعريف النقود بدلالة وظائفها حيث يقال "إن النقود هي ما تفعله ( أو تؤديه ) النقود Money is what Money does" .

    وبصفة عامة ، يمكن أن نميز بين مجموعتين من الوظائف التي تلعبها النقود : المجموعة الأولى من هذه الوظائف هي ما يعرف بـ "الوظائف الأساسية الحيادية للنقود" ، وهي تلك الوظائف التقليدية ذات الطابع النقدي البحت والمرتبطة أصلاً بالنشأة التاريخية للنقود . أما المجموعة الثانية من وظائف النقود فهي تلك "الوظائف الحركية" ذات الطبيعة العامة والمرتبطة أساساً بتوجيه النشاط الاقتصادي والتأثير على معدل نموه .

    الوظائف الأساسية الحيادية للنقود :
    إن الوظائف الأساسية للنقود هي تلك الوظائف التقليدية ذات الطابع النقدي البحت والتي ارتبطت أصلاً بنشأة النقود كوسيلة أمكن عن طريقها التغلب على صعوبات المقايضة . والسبب في تسميتها بالوظائف الحيادية إنما يعود لأنها متعلقة بطبيعة النقود ولكونها ضرورية لسير واستمرار النشاط الاقتصادي ، ولكنها لا تؤثر في مجراه أو معدل نموه .

    أ - النقود كوحدة للتحاسب ومقياس للقيم :

    من المعروف أن معظم الظواهر تتطلب "وحدة لقياسها Unit of Measurement" يتعارف عليها أفراد المجتمع . فالأوزان مثلاً تقاس بالغرام أو بالرطل ، كما تقاس المسافات بالميل أو المتر ، بينما تقاس الحرارة بالدرجات المئوية أو الفهرنهايت . وغير خاف أن أي "وحدة قياس" يجب أن تتمتع بالقبول العام والثبات بصرف النظر عن الزمان والمكان . وظاهرة التبادل تتشابه مع تلك الظواهر أيضاً من حيث حاجتها إلى وحدة تحاسب لقيم الأشياء موضع التبادل . وفي الواقع فإن كل نظام نقدي لابد أن يستند على وحدة ( يقرها القانون أو العرف ) ويقبلها جميع أفراد المجتمع كوحدة للتحاسب فيما يتعلق بكل العمليات القيمية من تحديد للأسعار أو تقييم للحقوق والالتزامات . وتكون وحدة التحاسب هذه هي "النقود المعيارية Standard Money" والتي يمكن أن تكون "نقوداً فعلية Actual Money" متداولة أو تكون مجرد "فكرة تجريدية" يصطلح الأفراد على استخدامها كأداة للقياس والمقارنة .
    كانت النقود أول الأمر تتمتع بقيمة حقيقية ذاتية تعادل قيمة المعدن المصنوعة منه ، وكانت أولى الوظائف التي لعبتها تلك النقود المعدنية هي وظيفتها كميعار للقيمة Standard of Value .
    ويجب ألا نخلط بين وظيفة النقود كوحدة للتحاسب ووظيفتها كمعيار للقيمة . فالنقود كوحدة للتحاسب لا يمكن أن تتغير بأي حال من الأحوال ( ألا بإرادة المشرع في المجتمع ) ، بينما النقود كمعيار للقيمة يمكن أن تتغير قيمتها ( قوتها الشرائية ) من وقت لآخر .

    ب - النقود كوسيط للتبادل :

    إن استخدام النقود "كوسيط للمبادلات Medium of Exchange" يسهل عملية التبادل ويوفر كثيراً من الوقت والجهد اللذين كانا يضيعان في ظل التبادل عن طريق المقايضة . ولعل هذه الوظيفة هي التي أدت إلى اكتساب النقود اسمها هذا ، حيث يرجع السبب في استخدام كلمة النقود للتعبير عن وسيلة التبادل إلى كلمة "نقدي Pecuniary" التي تعني في اللغة اللاتينية "القطيع" ، وذلك لأن الرومان استخدموا في العصور القديمة "الماشية Pecus" كوسيلة للتعامل . كما أن اسمها "عملة" يدل دلالة واضحة على هذه الوظيفة التي تؤديها .

    إن النقود بصفتها قوة شرائية عامة تكفل الحرية الاقتصادية للأفراد ، بمعنى حريتهم في اختيار أنواع السلع التي يرغبون الحصول عليها وبالكميات التي يرغبونها وفي المكان والزمان الذي يرغبونه . وهذا كله لا يتوفر إلا لكون النقود تقوم بوظيفة وسيط للتبادل وبالطبع فإن هذا يتطلب تمتعها أصلاً بالقبول العام من جانب أفراد المجتمع .

    ج - النقود كمعيار للمدفوعات الآجلة Standard of Deferred Payments :

    لا تنجح النقود في تسوية المعاملات الحاضرة فقط ، بل إنها تنجح أيضاً في تسوية المعاملات المؤجلة وإبراء الديون المستقبلية .
    فمن أهم سمات الحياة الاقتصادية المعاصرة هو ما يعرف "بالائتمان Credit" ، ويقصد به وجود عملية تبادل ( أو اقتراض ) تتم في الحال ولكنها لا تسوى كلياً أو جزئياً إلا بعد فترة معينة في المستقبل . وفي مثل هذه العمليات عادة ما تنص العقود المتعلقة بها على ضرورة سداد الدين وفوائده ( إن وجدت ) بوحدات نقدية في الأجل المحدد لذلك . كذلك هناك تعاقدات أخرى تمثل التزامات يتعين الوفاء بها نقداً في المستقبل مثل المعاشات والمرتبات والأجور ، وهي أمور لم يكن من السهل تصور إمكانية إبرامها بأشياء غير نقدية .

    وتنجح النقود في أداء هذه الوظيفة بكفاءة أكبر كلما كانت قيمتها ( قوتها الشرائية ) أكثر استقراراً نسبياً ، حيث أنه إذا كانت قيمة النقود متقلبة ، فإن كثيراً من الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع يمكن أن تصاب بأضرار نتيجة ارتفاع وانخفاض قيمة النقود . فعندما تنخفض قيمة النقود يستفيد المدين ويتضرر الدائن ، بينما يحدث العكس إذا ارتفعت قيمة النقود .

    د - النقود كمستودع للقيمة أو الثروة Store of Value :

    إن أحد صعوبات المقايضة تمثلت في صعوبة اختزان الأفراد لثرواتهم ( الفوائض من نتاج عملهم ) في صورة سلعية ، إذ أن معظم السلع خصوصاً الاستهلاكية لا تعمر طويلاً . ولذلك أدى استخدام النقود إلى التغلب على هذه الصعوبة ، حيث يمكن للأفراد عن طريق الاحتفاظ بالنقود في شكلها "السيولي" اختزان "قوة شرائية" يستطيعون الاستفادة منها مستقبلاً في الوقت الذي يختارونه .

    غير أن النقود ليست هي الشكل الوحيد من أشكال الاحتفاظ بالثروة وتخزينها ، فهناك مستودعات أخرى كثيرة يمكن للأفراد أن يحتفظوا بثرواتهم عن طريقها ، مثل حيازة الأوراق المالية من أسهم وسندات ومثل حيازتهم لبوالص التأمين على الحياة أو الأصول الثابتة كالأراضي والعقارات والسلع المعمرة . غير أن هذه المستودعات الأخرى للقيم لا تصلح لشراء السلع والخدمات مباشرة ، بل يتعين تحويلها قبل ذلك إلى نقود . ولذلك فالنقود هي أكثر الأصول سيولة ، بل هي السيولة ذاتها لأنها الأصل الوحيد الذي يمكن استخدامه مباشرة وفي الحال للحصول على السلع والخدمات .

    وعموماً يمكن القول أنه طالما استقر مستوى الأسعار السائدة ، استطاعت النقود أن تقوم بوظيفتها كمخزن للقيمة بصورة أفضل . أما في حالة توقع ارتفاع الأسعار في المستقبل بدرجة كبيرة ومضطردة ، فإن الأفراد يتهافتون على التخلص من النقود حيث يتولد لديهم شعور بفقدان الثقة بقدرتها على أن تستمر مستودعاً للثروة .

    الوظائف الحركية للنقود ذات الطابع الاقتصادي العام :

    لا تلعب النقود وظائفها الحيادية النقدية التقليدية فقط ، وإنما هناك مجموعة أخرى من الوظائف الحركية ذات الطابق الاقتصادي العام تلعبها النقود أيضاً ، ومن أهم هذه الوظائف الحركية ما يلي :

    أ- النقود والمستوى العام للأسعار :

    من أهم الوظائف الحركية التي عنى بها الاقتصاديون فيما يتعلق بدور النقود على مستوى الاقتصاد القومي ككل هي وظيفتها في التأثير على المستوى العام للأسعار( والذي سنبدأ الحديث عنه الحلقة القادمة بإذن الله ) . فكما هو معروف تمثل النقود لحائزيها قوة شرائية يستطيعون أن يحصلوا مقابلها على كمية من السلع والخدمات التي يرغبونها في حدود كمية النقود المتاحة لديهم. ويمكن أن نقول بوجه عام أنه إذا زادت كمية النقود المتداولة في المجتمع بينما ظلت كمية السلع والخدمات المعروضة على ما هي عليه، فلا بد أن تتوقع ، مع بقاء العوامل الأخرى على حالها ، أن ترتفع الأسعار بوجه عام. ومعنى ارتفاع الأسعار أن القيمة الحقيقية لوحدة النقد أي قوتها الشرائية (أي كمية السلع والخدمات الممكن الحصول عليها في مقابل وحدة النقد) لابد أن تنخفض. ويمكن تصور العكس عندما تقل كمية النقود.

    معنى هذا أن القيمة الحقيقية لوحدة النقود تكون عرضة دائمة للتقلب كنتيجة لتغير مستوى الأسعار. وهذا التقلب في القيمة الحقيقية لوحدة النقود له العديد من الآثار بعيدة المدى على توزيع الثروة والدخل الحقيقي ومستوى النشاط الاقتصادي بصفة عامة.

    ولذلك فإن تغيير العرض النقدي يعد من الوسائل الهامة التي تلجأ إليها السلطات الاقتصادية (السلطة النقدية بالذات) في المجتمع للتأثير على مجرى النشاط الاقتصادي. وعموماً يمكن أن يذكر أن زيادة عرض النقود عن حد معين يمكن أن يخلق موجة من الرواج (قد تنقلب إلى تضخم إذا لم يحسن التحكم فيها) قد يكون المجتمع في حاجة إليها ، وذلك إذا ما كان يعاني ركوداً أو كساداً. بينما إذا كان المجتمع يعاني من ارتفاع في الأسعار أكبر من المستوى المرغوب (أي يعاني من حالة تضخمية) فقد يكون المرغوب فيه تخفيض كمية العرض النقدي لامتصاص آثار ارتفاع الأسعار والاتجاه نحو التحكم في موجة التضخم الزاحفة.

    ب- النقود وتخصيص الموارد:

    كان الفكر الاقتصادي الكلاسيكي يعتقد في مقولة خاطئة مؤداها أن توازن الاقتصاد القومي لا يمكن أن يتم إلا عند مستوى التشغيل الكامل ، حيث تكون كل الموارد الإنتاجية في المجتمع في حالة استخدام كامل أو في طريقها نحو ذلك. وكنتيجة لذلك ادعى الاقتصاديون الكلاسيكيون أن زيادة في كمية النقود المعروضة، لا بد أن تؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار .

    ولكن ما أن نشر الاقتصادي الإنكليزي "كينز Keynes" نظريته الشهيرة (النظرية العامة في التشغيل والنقود وسعر الفائدة) عام 1936، حتى بدأت شعائر مدرسة فكرية جديدة تأخذ طريقها في الانتشاروالاستقرار ، حتى أصبحت الآن جزءاً من الأدب الاقتصادي التقليدي. وكانت وجهة النظر "الكينزية" ترى بأن توازن الاقتصاد القومي يمكن أن يتم عند أي مستوى من مستويات التشغيل (العمالة) وليس بالضرورة عند مستوى التشغيل الكامل.

    ومن ثم، ففي مراحل التشغيل الأولى للاقتصاد القومي، فإن زيادة كمية النقود لن تؤدي بالضرورة إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار، كما ادعت "النظرية الكمية" النقدية الكلاسيكية، وإنما سوف تعمل الزيادة في العرض النقدي على خلق قوة شرائية جديدة لدى أفراد المجتمع تولد طلباً جديداً من جانبهم على السلع والخدمات الاستهلاكية. وبالتالي من المتوقع أن يحاول منتجوا السلع والخدمات الاستهلاكية زيادة إنتاجهم منها لامتصاص هذه الزيادة الجديدة في طلب الأفراد عليها. ولن يتحقق للمنتجين ذلك إلا إذا زاد طلبهم على السلع والخدمات الإنتاجية ، وعادة ما يتحقق لهم ذلك حيث لا تكون الموارد الإنتاجية في المجتمع قد وصلت بعد إلى مستوى التشغيل الكامل.

    وهكذا يتحقق نتيجة لزيادة العرض النقديارتفاع مستوى العمالة وزيادة مستوى الإنتاج ، وبالتالي مزيد من الأرباح التي تحفز المنتجين على المضي قدماً في هذا الاتجاه الصعودي ، ويستمر الأمر كذلك حتى يصل المجتمع الى مستوى التشغيل الكامل . وهنا بعد أن كان الدولاب الإنتاجي مرناً بالنسبة لزيادة العرض النقدييصبح عديم المرونة ، ويتوقف الإنتاج "الحقيقي" عن الزيادة ، حيث لا تكون هناك أية موارد إضافية عاطلة يمكن استخدامها لتحقيق المزيد من الإنتاج. وينحصر الأثر الكامل لزيادة العرض النقدي في هذه المرحلة في زيادة مستوى الأسعار دون أي زيادة في الناتج القومي الحقيقي.

    ج- النقود والقدرة على الخيار بالنسبة للأفراد:

    إن النقود بما تمثله من قوة شرائية تحقق لحائزها مقدرة كبيرة في مجال الخيارات المتاحة أمامه. فهي تحقق له خياراً في توزيع موارده بين الإنفاق الحاضر أو الإنفاق المستقبل (الادخار).. وهي تحقق له خياراً في تفضيل سلعة أو خدمة معينة على غيرها من السلع والخدمات.. وهي تحقق له خيار الزمان والمكان المناسبين لقيامه بالقرارات الإنفاقية الخاصة به.

    د- النقود وتوزيع الدخل والثروة:

    تستطيع الحكومة عن طريق تغيير قيمة النقود أوتغير كميتها أن تعيد توزيع الثروة والدخل الحقيقي فيالمجتمع ، لصالح بعض الطبقات الاجتماعية وعلى حساب بعض الطبقات الاجتماعية الأخرى.

    إلى الأمام بإذن الله وللحديث تتمه

  • #2
    رد: سلسلة حلقات اقتصادية - الحلقة 4 : وظائف النقود

    شكرا لك خي

    تعليق

    يعمل...
    X