تأثير سياسات التيسير الكمي على معدل صرف العملة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تأثير سياسات التيسير الكمي على معدل صرف العملة

    تأثير سياسات التيسير الكمي على معدل صرف العملة

    تأثير سياسات التيسير الكمي على معدل صرف العملة



    سعود بن هاشم جليدان
    تتأثر أسعار صرف العملة رئيسياً بمعدلات الفائدة (عوائد الاستثمار) والتضخم والحسابات الجارية. ويرفع انخفاض معدلات الفائدة مقارنةً بالعالم الخارجي التدفقات الرأسمالية إلى الخارج، وذلك عند غياب أية قيود على حركة رؤوس الأموال. ويرتفع المعروض من العملة وتنخفض أسعار صرفها مع تعاظم التدفقات الرأسمالية المتجهة إلى الخارج. ويجذب ارتفاع معدلات الفائدة التدفقات الرأسمالية مما يرفع الطلب على العملة ويسهم في رفع معدلات صرفها. وترفع زيادة معدلات التضخم مقارنةً بالعالم الخارجي الأجور وتكاليف المدخلات، مما يضخم تكاليف السلع والخدمات النسبية ويضغط على معدلات صرف العملة مع مرور الوقت. وفي المقابل، يخفض تراجع معدلات التضخم مقارنةً بالعالم الخارجي من تكاليف السلع والخدمات المنتجة، مما يعزز معدلات صرف العملة. ويقوي تحسن الإنتاجية موازين التجارة الخارجية في السلع والخدمات ويراكم فوائض الحسابات الجارية، مما يرفع الاحتياطيات من العملات الأجنبية ويعزز من قدرة المصارف المركزية على الدفاع عن أسعار العملة ويرفع الثقة فيها ويعزز أسعارها والعكس صحيح. وتتأثر أسعار العملة بعوامل متعددة أخرى مثل عمق الأسواق المالية ودرجة الأمان والأنظمة التي تحكم معدلات الصرف وحركة رؤوس الأموال.
    وتشير تجربة اليابان مع التيسير الكمي إلى تأثير شبه محايد لهذه السياسات على معدلات صرف الين، فخلال فترة استخدام هذه السياسات لم يعان الين الياباني من تراجع ملموس في معدلات صرفه، بل شهدت معدلات صرف الين بعض الارتفاع عند نهاية فترة تطبيق هذه السياسات. وهذا عائد لوجود عوامل أخرى تؤثر في معدلات صرف الين التي من أهمها استمرار الفائض الكبير في الحساب الجاري وتراجع معدلات التضخم. ومع أن اليابان عانت من تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج بسبب تراجع معدلات الفائدة وتراجع عوائد الاستثمار خلال فترات انخفاض معدلات الفائدة، فإن هذه التدفقات لم تخفض من معدلات صرف الين، وذلك بسبب الفوائض الضخمة التي كانت تحققها اليابان في حساباتها الجارية. وتؤثر سياسات التيسير الكمي على معدلات صرف العملة من خلال تأثيرها المباشر على معدلات الفائدة وغير المباشر على التضخم وعلى الحسابات الجارية. وقد أدى تراجع معدلات التضخم وارتفاع الفوائض في الحسابات الجارية اليابانية إلى إلغاء تأثير تراجع معدلات الفائدة.
    أما بالنسبة للولايات المتحدة فيرى الكثيرون أن سياسات التيسير الكمي الأولى التي خفضت من معدلات الفائدة طويلة الأمد، ساهمت في خفض معدلات صرف الدولار. وتشير بعض الدراسات إلى أن انخفاض العائد على السندات الأمريكية طويلة الأجل بـ 50 نقطة أساس يقود إلى تراجع معدلات صرف الدولار بنحو 6.5 في المائة. وفي المقابل، فإن عودة النمو للاقتصاد الأمريكي وهو الهدف الذي يسعى من أجله مجلس الاحتياط الفيدرالي، سيرفع معدلات الفائدة على السندات طويلة الأجل وسيعود الدولار إلى الارتفاع مجدداً. أما بالنسبة لتأثير سياسات التيسير الكمي الثانية فلم تظهر بشكل جلي إلى الآن، إلا أنه يعتقد أنها ساهمت في رفع أسعار الأصول وخصوصاً الأسهم في الولايات المتحدة. ويتخوف كثير من البلدان الصاعدة من تدفق رؤوس الأموال الساخنة الناتجة عن انخفاض تكاليف الاقتراض في الولايات المتحدة. وقد بدأت دول عديدة منها الصين والبرازيل بوضع قيود على تدفقات رؤوس الأموال للحد من حجم الأموال الساخنة التي تغذي تضخم أسعار الأصول في هذه الدول، وتقود إلى رفع معدلات صرف عملات الدول الصاعدة وإلى الضغط على معدلات صرف الدولار.
    ويرى شركاء أمريكا التجاريون وخصوصاً الصين أن تبني هذه السياسات هي محاولة لخفض الدولار وتعزيز قدرات الولايات المتحدة التنافسية مما سيضر بالدول المصدرة للولايات المتحدة وخصوصاً الصين. ويعتقد شركاء أمريكا التجاريون أن انخفاض معدلات الفائدة الناتج عن هذه السياسات سيخفض معدلات صرف الدولار، كما ستتوافر سيولة إضافية ترفع إمكانية حدوث ما يسمى carry trade أو التجارة المحمولة. وستنتقل في هذه الحالة الأموال الساخنة من الولايات المتحدة إلى الدول الصاعدة وخصوصاً في آسيا وتتسبب في إحداث فقاعات في أسواق المال والأصول الآسيوية والعالمية. ولا تظهر الصين تخوفها من تسبب هذه السياسات في رفع معدلات التضخم الصيني، وذلك لتحاشي إثارة قضية ربط سعر صرف عملتها بالدولار الأمريكي. وتقلل سياسات ربط عملتها من استقلالية سياساتها النقدية وتجبرها على تتبع سياسات الولايات المتحدة النقدية. ومن المتوقع أن تقود عمليات التيسير الكمي الأمريكية إلى توسع نقدي في الولايات المتحدة، وهذا سيجبر الدول التي تربط عملتها بالدولار الأمريكي ـــ وأهمها الصين ـــ على خفض معدلات الفائدة، مما سيرفع من الضغوط التضخمية في الصين التي تعاني في الأساس ضغوطا تضخمية، بعكس الولايات المتحدة التي تتخوف من تراجع الأسعار. وبهذه الخطوة فإن مجلس الاحتياط الفيدرالي يضع مزيدا من الضغوط على الصين لفك ربط عملتها بالدولار الأمريكي والسماح بتعويم عملتها، مما سيؤدي إلى رفع معدلات صرفها ورفع أسعار الصادرات الصينية. وإذا أصرت الصين على عدم فك ارتباط عملتها بالدولار فإنها ستعاني من توسع نقدي، مما سيرفع معدلات التضخم فيها وهذا سيقود إلى ارتفاع الأجور. وسيقود ارتفاع الأجور إلى رفع تكاليف الصادرات الصينية، مما سيساهم في خفض العجز التجاري مع الصين ولكن بعد فترة من الزمن
يعمل...
X