رحل بن لادن .. أعلنوا النصر وانهوا الحرب على الإرهاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحل بن لادن .. أعلنوا النصر وانهوا الحرب على الإرهاب

    اعتاد جورج دابليو بوش أن يسأل بصورة منتظمة ''لماذا لم نعثر على بن لادن؟'' لدرجة أن أحد المسؤولين الساخطين اقترح ذات مرة أن يبعث للرئيس بجواب من جملة واحدة: ''لأنه مختبئ''.

    والآن بعد عقد من 11/9 تم أخيراً العثور على ابن لادن وقتله. ويوفر موته فرصة لإعلان نهاية لـ ''الحرب على الإرهاب''. وليس هذا كالقول إن بإمكان الولايات المتحدة وأوروبا أن تتوقفا الآن عن القلق بشأن الإرهاب. فسيكون الغرب بحاجة إلى سياسة لمواجهة الإرهاب لسنوات كثيرة مقبلة.


    لكن الدافع المستلهم من بوش لجعل الإرهاب محور سياسة الولايات المتحدة الخارجية كان خطأً. فإعلان ''حرب عالمية على الإرهاب'' شوه السياسة الخارجية الأمريكية وأدى مباشرة إلى حربين، في العراق وأفغانستان. واستنزفت الحرب على الإرهاب مليارات الدولارات التي تم إنفاقها وهدرها وأنتجت قدراً كبيراً من البيروقراطية السرية في واشنطن. وموت ابن لادن يعطي الرئيس باراك أوباما الغطاء الذي يريده كي يبدأ بتفكيك هذه الأخطاء بهدوء.


    إن وضع التهديد الإرهابي في الإطار المناسب أمر صعب. فقد كانت الهجمات التي شنت على نيويورك وواشنطن مريعة لدرجة أنها تحجرت في الذاكرة. ومن الواضح أيضاً أن القاعدة فرخت تنظيمات ربما تكون الآن بدرجة خطورة تنظيم القاعدة الأم الذي كان يديره ابن لادن من باكستان. وبحسب مسؤولي المخابرات، يجري وضع خطط خطيرة من قبل فروع القاعدة في اليمن، والصومال، وشمالي إفريقيا - ولا يوجد أي سبب لعدم تصديقهم.


    لكن انظروا إلى الأرقام، وسيتبين أن تهديد الإرهاب أصبح إدمانا خطيرا. ففي كتاب صدر منذ عامين، أشار جون مولر، وهو أكاديمي أمريكي، إلى أن عدد الأمريكيين الذي قتلوا على يد الإرهابيين منذ عام 1960 هو ''تقريباً العدد نفسه الذي قتل خلال الفترة نفسها جراء الحوادث التي سببتها الغزلان''. وفي تقرير لمؤسسة راند، أورد بريان جنكنز نقطة مشابهة: ''إن احتمال موت الأمريكي العادي في حادث سيارة هو واحد في كل تسعة آلاف واحتمال تعرضه للقتل واحد في كل 18 ألف''. لكن في الأعوام الخمسة التي أعقبت 11/9، بما في ذلك الأشخاص الذين قتلوا في تلك الهجمات، كان احتمال تعرض الأمريكي العادي للقتل في هجوم إرهابي واحداً فقط في 500 ألف''.


    ومع ذلك تم ضخ موارد غير معقولة في ''الحرب على الإرهاب''. ففي تقرير حول ''أمريكا السرية للغاية'' نشر في العام الماضي، ذكرت صحيفة ''واشنطن بوست'' أن ''في واشنطن والمنطقة المحيطة بها يوجد 33 مجمعاً من المباني المخصصة للعمل الاستخباري السري للغاية تحت الإنشاء، أو تم تشييدها منذ أيلول (سبتمبر) 2001. وتشغل هذه المجمعات معاً ما يوازي ثلاثة أضعاف المساحة التي تشغلها وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون''. هذا فقط بالنسبة للهيئات التي تم إنشاؤها منذ 11/9 مع العلم أن وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي لم تكونا منظمتين متواضعتين، أو ليست لديهما موارد كافية قبل ''الحرب على الإرهاب''.


    وبحلول عام 2010 بلغت ميزانية الاستخبارات في الولايات المتحدة 75 مليار دولار في السنة – أي بزيادة تفوق 20 ضعفاً عما كانت عليه في 11/9. ولا يشمل ذلك الرقم حتى الأنشطة العسكرية التي تديرها وكالات الاستخبارات، كالهجمات التي تشنها الطائرات من دون طيار في باكستان. في ضوء كل هذا، من المدهش أن يستغرق تتبع أثر ابن لادن عقداً من الزمن.


    ورغم ذلك، فإن النجاح في قتل زعيم تنظيم القاعدة – يضاف إليه التحذيرات من مخططات إرهابية جديدة - يمكن أن يزيد الإنفاق على الاستخبارات بالفعل. وما يزيد هذه الإمكانية الخبر الذي أعلن عنه في الأسبوع الماضي، الخاص بتعيين الجنرال ديفيد بترايوس ـ الذي يعتبر صانع إمبراطوريات وله أتباع في كابيتول هيل ـ رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية.


    وفي الحقيقة، بينما يعتبر العمل الاستخباراتي الجيد بالغ الأهمية، هناك أدلة كثيرة على وجود هدر هائل وازدواجية في الجهد الاستخباري الأمريكي. فحسب ''واشنطن بوست'' يوجد ما لا يقل عن 51 وكالة فيدرالية مكلفة بمراقبة تدفق الأموال على الشبكات الإرهابية. وتقوم وكالة الأمن القومي باعتراض 1.7 مليار رسالة إلكترونية ومكالمة هاتفية يومياً – وهذا العدد أكبر بكثير من أن يتم تحليله والاستفادة منه.


    إن التركيز المفرط على جمع المعلومات الاستخبارية ليس مضيعة للوقت والأموال فحسب، بل الأهم من ذلك أنه يشوه سياسة الولايات المتحدة الخارجية – عندما يحدث اندماج خطير بين القدرات الاستخبارية والعسكرية. وقد أصبح الخط الفاصل بين هاتين الناحيتين غامضاً بسبب الدور الذي تلعبه وكالة الاستخبارات المركزية في القتال في الحرب الأفغانية. وسيزداد هذا الخط تآكلاً عبر تعيين جنرال لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية. في هذه الأثناء، بينما يتم إغداق الأموال على الجواسيس والجنود، تدار الدبلوماسية التقليدية والمساعدات التنموية بأموال غير كافية.


    وفي ضوء تدفق الموارد، ليس من المفاجئ أن تصبح سياسة الولايات المتحدة الخارجية ذات سمة عسكرية على هذا النحو خلال العقد الماضي. ومع ذلك، كانت النتائج كئيبة. فقد كلفت الحرب في العراق مئات آلاف الأرواح وربما زادت التهديد الإرهابي سوءاً. والفائدة من خوض حرب على مدى عقد من الزمن في أفغانستان أصبحت محل تساؤل بعد أن تأكد لدينا أن قيادة القاعدة كانت موجودة داخل باكستان.


    في هذه الأثناء، وبينما كانت أمريكا تهيل الأموال والموارد على الحرب العالمية على الإرهاب، كانت تغييرات بالغة الأهمية تحدث في منطقة شرقي آسيا. إن صعود قوى اقتصادية جديدة كالصين والهند – والتراجع النسبي للولايات المتحدة – سيشكل في النهاية القرن المقبل أكثر مما يشكله التهديد الإرهابي. لكن معالجة صعود الصين وإنعاش اقتصاد الولايات المتحدة تحديان صعبان وطويلان – وخاليان من أي قدر من الرضا العاطفي الناتج عن القضاء على ''المطلوب رقم واحد لأمريكا''.
يعمل...
X