أنموذج النمو الآسيوي المعطوب يحتاج إلى علاج حقيقي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أنموذج النمو الآسيوي المعطوب يحتاج إلى علاج حقيقي

    يواجه الزعماء الآسيويون تضخماً متسارع الخطى، وعملات قوية، وتدفقات رأسمالية غير مرغوب فيها. لكنهم خلف هذه الصورة يواجهون خياراً أعمق بكثير. فإما أن يتبعوا الرأسمالية التي يغذيها الاستهلاك، التي دفعت النمو العالمي في العقود الأخيرة، أو أن يأخذوا نفساً عميقاً ويغيروا الاتجاه، ويجدوا مساراً مستداماً جديداً.

    في فترة التشدد الذي ظل يترنح حتى الأزمة المالية، لم تكن لدى آسيا خيارات. وبسبب تبعية آسيا الثقافية للغرب، فقد سارت في ركب الإجماع على توسيع حرية الأسواق وتقليص تدخل الدولة. لكن إذا استمر هذا الأمر، فإن المنطقة ستواجه مستقبلاً كئيباً يتصف بنمو غير متوازن قائم على الصادرات، وعجوزات على صعيد الغذاء والمياه، وتدهورا بيئيا على نطاق واسع.


    في الظاهر يبدو كأن معظم البلدان الآسيوية ما زالت تقلد هذا الأنموذج، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً من ذلك بكثير. وتصحو الحكومات الآن على تداعيات اجتماعية وإقليمية تنعكس على نموها. والمعضلة الآن هي ما الذي يجب القيام به إزاء ذلك مع الاحتفاظ بالسلطة، سواء كان في الهند الديمقراطية، أو في الصين الخاضعة لحكم الحزب الواحد.


    إن التغيرات تحدث بالفعل. فنجد، مثلا، أن الصين تدرس فرض ضرائب على الكربون وعلى الموارد الأخرى، بينما يتحدى وزير البيئة الهندي الأعراف حول العلاقة بين التنمية والاستخدام العادل للموارد. وحتى بعد قرار تأجيل إقامة لاوس سدا على نهر الميكونغ، كان هناك اعتراف متزايد بأن عقود النمو الحديثة كانت قائمة على بخس تسعير كثير من الموارد ـــ ولا سيما المياه ـــ والاعتراف كذلك بأن آليات جديدة لتسعير التلوث كانت مستحقة منذ فترة بعيدة.


    هناك بدايات كذلك لبعض التجارب على نماذج مختلفة للرأسمالية. ونجد في الصين مرة أخرى أن هناك تطويراً لخطط خاصة ببناء شبكة جديدة من المدن والبلدات التي تخدمها طرق، وسكك حديدية، ومدارس، وأنظمة ري أفضل. ويهدف ذلك إلى وقف تدفق سكان الريف إلى المدن الكبرى، إضافة إلى معالجة مخاوف أمن وسلامة الأغذية. وإذا أظهرت الصين أن باستطاعتها إقامة مجتمعات ريفية أكثر رخاءً، فقد تتبعها في ذلك بلدان أخرى ذات كثافة سكانية مرتفعة، مثل فيتنام وإندونيسيا.


    مع ذلك، هذه الإجراءات القيمة لن تكون كافية لوضع آسيا على مسار جديد. وبدلاً من ذلك، فإن الهند والصين على وجه الخصوص بحاجة إلى زيادة الضرائب على الطاقة والعمليات المالية، بينما تخفضان بشدة الضرائب على المعاشات، ولا سيما فيما يتعلق بالفقراء. وفرضت سلطات مدينة بكين خلال الفترة الأخيرة قيوداً على ملكية السيارات الخاصة. وهناك حاجة إلى إجراءات مماثلة في أمكنة أخرى، إضافة إلى قواعد لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المدن الغنية، مثل هونج كونج وسنغافورة.


    وعلى صعيد الزراعة تتمثل الأولوية في تخفيف أثر الزراعة الصناعية على استعمالات المياه والأراضي، ما يمهد الطريق لإنتاج غذائي أقل اعتماداً على المواد الكيماوية والنفطية. ويمكن للتكنولوجيا أن تلعب دوراً أيضاً، لكن فقط إذا أعيد توجيه الجهد بعيداً عن إنتاج مزيد من ألعاب أجهزة الاتصال إلى شبكات النقل العام الذكية والإدارة الفعالة للمياه. ويجب أيضاً تشجيع الإجراءات الخاصة بالمحافظة على الموارد وإعادة تدويرها.


    وبطبيعة الحال، فإن خطة متطرفة لوضع الأسعار الصحيحة للمواد في مركز صنع السياسات تنطوي على تحديات سياسية كبيرة. إن هذه الإجراءات من شأنها أن تجعل ملكية السيارات، والسفر جواً، واستهلاك اللحوم أعلى تكلفة، عبر الكشف عن تكلفتها الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية. لكن إجراءات من هذا النوع ستعود فعلياً بالفائدة على أغلبية المواطنين الفقراء، وهم أولئك المزارعون وسكان الأرياف الذين يعدون بالمليارات، والمحرومون إلى حد كبير حالياً. وهكذا، سوف تضفي مزيداً من الشرعية على الحكومات في المدى الطويل.


    لكن في الوقت نفسه، هذه الإجراءات تزعج كثيراً من الناس ـــ ليس فقط الشركات والبلدان التي لها مصالح خفية في الأنموذج السائد حالياً، لكن أيضاً مليارات الآسيويين الذين قيل لهم إن بإمكانهم أن يرنوا بدورهم لأسلوب حياة غربي. لكن الخيار يظل صارخاً. إذا تصرفت آسيا الآن وقبلت بالقيود التي تواجهها على صعيد الموارد، فسيكون مستقبلها مشرقاً. لكن إذا لم يتم تبني أي بديل بحلول عام 2030، سوف تقول آسيا وداعاً ليس فقط لهدف تحقيق الرخاء للجميع، ولكن أيضاً لتحقيق أي شكل من أشكال الرخاء.




    الكاتب الرئيس التنفيذي لمعهد الغد العالمي، ومؤلف كتاب ''اقتصاد الاستهلاك: دور آسيا في إعادة تشكيل الرأسمالية وإنقاذ الكوكب'' Consumptionomics: Asia's Role in Reshaping Capitalism and Saving the Palent
يعمل...
X