البنوك تنجو بفعلتها مرة أخرى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البنوك تنجو بفعلتها مرة أخرى

    هناك أمران ينبغي قولهما حول بنوك بريطانيا، هما أنها تشكل تهديداً خطيراً لاستقرار البلد ورخائه في المدى الطويل. فهي تعتمد في أرباحها وفي المكافآت الضخمة التي تدفع لكبار الموظفين على حقيقة أن دافعي الضرائب يتحملون المخاطر. وهكذا فإن الدعم العام يتحول إلى ربح خاص.

    أضف إلى هذا المزيج الدور المحوري الذي لعبته البنوك في الانهيار المالي العالمي، ولذلك من غير المفاجئ أن يكون المصرفيون اليوم أقل شعبية من وكلاء السيارات المستعملة ومن الصحافيين من الدرجة الثانية. لقد ترك تأميم خسائر البنوك معظم الأسر البريطانية تواجه تخفيضات في مستوى حياتها بحدة لا مثيل لها منذ عشرينيات القرن الماضي. وردّت البنوك على ذلك بإعادة الدفعات الكبيرة التي تصرف لكبار التنفيذيين والمتداولين إلى ما كانت عليه في السابق.


    ويعبر ميرفن كينج عن ذلك بشكل جيد. يقول محافظ بنك إنجلترا إن بريطانيا لم تحل مشكلة البنوك التي تعد ''أكبر من أن تفشل''. إن الإقدام على المجازفات غير المسؤولة وصرف المكافآت المفرطة هو أحد تبعات الخطر الأخلاقي الذي يسمح للمصرفيين بالمقامرة بأموال دافعي الضرائب. وفي رأي كينج الحصيف، أن الفكرة القائلة إن بعض الشركات لا يمكن السماح لها بأن تفشل ينبغي ألا يكون لها مكان في اقتصاد السوق.


    إن ساسة البلد يفهمون هذا في الأغلب. فهم يعلمون أنه لا توجد طريقة أضمن لكسب التأييد الشعبي من إعطاء الوعود باتخاذ موقف صارم من أولئك الموجودين على رأس المؤسسات المالية. لقد فرض جورج أوزبورن ضريبة قدرها 2.5 مليار جنيه استرليني سنوياً على البنوك. وكان وزير المالية سيُقابل بتصفيق أعلى لو أنه ضاعف ذلك الرقم مرتين أو ثلاث مرات.


    ومن جانبهم، يبدو المصرفيون مصممين بعناد على جعل مهمة منتقديهم أسهل. وهكذا أعلن الرئيس التنفيذي لبنك باركليز، بوب دايموند، الذي عين نفسه ممثلاً لهذه الصناعة قبل شهرين، أن وقت الندم على الانهيار قد ولى.


    وبالقدر نفسه، فإن دايموند غير مستعد للاعتذار عن عودة المكافآت الكبيرة. لا بل إنه يحث موظفيه على الإقدام على مزيد من المخاطر كي يولِّدوا المكافآت. وكما قال شخص عارف بطريقة تفكير دايموند لباتريك جنكنز، من فاينانشيال تايمز: ''إن أحد التحديات التي نواجهها (في باركليز) هو عدم الإقدام على مخاطر كافية''. ويبدو أن البنك يراهن بقوة على الدعم العام الذي يحصل عليه على شكل ضمان مقدم له بأنه أهم من أن يفشل.


    لكن الرئيس التنفيذي لبنك باركليز ليس غبياً. وفي ظني أنه يعتقد أنه رغم كل الضجة والغضب في ويستمنستر، فإن البنوك نجت بفعلتها. فالساسة الذين يتحمسون لإطلاق الانتقادات البلاغية اللاذعة كانوا أكثر تردداً في تبني الإصلاحات التنظيمية المتطرفة التي يمكن أن تلبي معايير كينج بخصوص اقتصاد سوق يعمل بشكل جيد.


    والسبب بسيط للغاية: بقدر ما يمكن أن يكون الإصلاح الجوهري جيداً للاقتصاد في المدى الطويل، يخشى الوزراء من إمكانية أن تكون له تكاليف في المدى القصير. فإذا تحركت بريطانيا على نحو أسرع من البلدان الأخرى فيمكن أن تخسر لندن بعض ميزتها التنافسية.


    فقد دأب دايموند مثلاً، على التهديد بنقل بنكه إلى مكان آخر. ربما كان يخادع، وفي أي حال من غير الواضح أن بريطانيا يمكن أن تعاني نتيجة لذلك. لكن ائتلاف المحافظين والأحرار الذي يتزعمه ديفيد كاميرون ليس في وضع يمكنه من المجازفة.


    إن هذه أوقات صعبة. فالاقتصاد في حالة ركود تحت وطأة التقشف المالي الذي طبقه أوزبورن. وربما يضطر كينج عما قريب إلى رفع أسعار الفائدة من أجل مواجهة التضخم الجامح. وتعد الخدمات المالية شريحة ضخمة من الاقتصاد. وليس هذا هو الوقت المناسب لتقويض الثقة في حي المال.


    وهكذا فإن التحالف يبحث عن نقطة وسط ــــــ مجموعة من التدابير التي يمكن أن تجعل البنوك أكثر أماناً وتسر الناخبين، لكن ليس على حساب الدور الذي تلعبه لندن بوصفها مركزا ماليا عالميا. ويمكن لهذا الحل الوسط أيضاً أن يخفف بعض التوترات بين صقور الديمقراطيين الأحرار وحمائم المحافظين في الائتلاف.


    ويبدو الآن أن هيئة مستقلة برئاسة جون فايكرز قد قدمت الوصفة المطلوبة. إن التحليل الوارد في التقرير المؤقت الذي صدر عن الهيئة لا تشوبه شائبة. ذلك أن الضمانات المقدمة من الدولة لبنوك التجزئة توفر تمويلاً رخيصاً للرهانات المقدمة من البنوك الاستثمارية. إن هذا النشاط، حسب الوصف الذكي لرئيس سلطة الخدمات المالية لورد تيرنر ''غير مفيد على الصعيد الاجتماعي''. وإذا سارت الأمور على نحو خاطئ، فإن الدولة ستدفع، وإذا لم تسر الأمور على نحو خاطئ، فإن البنوك ستجني الأرباح.


    ويتمثل أحد أجوبة الهيئة في اقتراح زيادة رأس المال الذي تحتفظ به البنوك لتقليل الدعم غير المعلن المقدم من الدولة ولزيادة مرونة البنوك في مواجهة الصدمات. إنها تريد أن يكون هناك حاجز للنيران بين أنشطة مصرفية المنافع ومصرفية الأغراض الخاصة، والمطلب القاضي بأن تحمل البنوك مزيداً من ''الدين الذي يمتص الخسائر''. إن كل هذا يبدو معقولاً جداً.


    غير أن الهيئة تتوقف عند المنطق الفكري لتشخيصها. إن ما تقوم الحاجة إليه هو فصل رسمي بين مصرفية التجزئة والمصرفية الاستثمارية. هذا الفصل يجعل دافعي الضرائب يضمنون الأجزاء الأساسية من الناحية الاجتماعية للصناعة، ويلزم المقامرين بالمراهنة بأموالهم الخاصة. إن الفصل بموازاة هذه الخطوط لن يزيل جميع المخاطر، لكنه سيكون خطوة مهمة في ذلك الاتجاه.


    وبدلاً من ذلك، بدا السير جون أكثر تغليباً للمنفعة السياسية على المصلحة الوطنية. وبطبيعة الحال، سيحتج المصرفيون حتى على المقترحات المتواضعة الواردة في التقرير. فقد اعتادوا جني أرباح دسمة في سوق تتسم بالتلاعب بالأسعار. لكنكم تستطيعون سماع تنهدات الارتياح في داونينج ستريت وقعقعة في غرفة مجلس إدارة بنك باركليز.
يعمل...
X