خلق الإنسان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خلق الإنسان



    خلق الإنسان - الإنسان الدابة: الجزء الأول

    قال الله تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) سورة النحل 89 .


    إن أصل ومعنى كلمة إنسان في كلام العرب يرجع إلى ثلاثة فرضيات:

    الفرضية الأولى: وهي أن معنى الإنسان يعني الظهور، فما دام أن الظهور هو أصل معناه إذن فيفترض به أن يكون الظهور سمته البارزة فلا يستخفي، ولا يتوارى كالجن وبالتالي يحقق هذا المعنى في نفسه، وفي طريقة حياته، ويكون ذلك ظاهرا في أخلاقه، ودينه الذي يؤمن به.

    الفرضية الثانية: وهي أن كلمة إنسان مُشتقة من الأُنس وتعني الوناسة فهو الكائن الذي أنست الأرض بوجوده، وعكسها الوحشة والمكان الخالي والموحش والذي يخلو من وجود الإنسان.

    الفرضية الثالثة: وهي أن الكلمة مُشتقة من النسيان، لأن الله عهد إلآدم فنسي، ویقول القرآن بهذا الصدد: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما".

    ولكن وبما أن موضوع النسيان متعلق بآدم وحده، إذن فموضوع النسيان هو حديث ولا يمكن لأن يصف الإنسان الأول والذي لم يكن الله قد عهد له ... أما بالنسبة لموضوع النسيان وما يخص آدم فهذا فيه قول آخر ودلالة تختلف عن الإنسان، ومن غير المعقول محاولة ربط الإنسان بالنسيان لأن التسمية لا تخدم المعنى ولكن لو زعمنا بأن التعريف على الآدميين وبني البشر بالناس فذلك أقرب للنسيان من الإنسان وذلك لأن آدم نسي فأصبح يمكننا القول بأنه الناس أي من نسي ما عُهد له، ونحن ذرية آدم "الناس لما عُهد له"، ونحن منه فإن هو ناس فنحن أيضاً ناس مثله، فكونه نسي أصبح بالنسي أو الناسْ وأصبح مخاطبتنا نحن بذلك، والناس هم البشر وهم الآدميين وهذه دلالة وتعريف على الجنس، أما في قول الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس) وعدم قوله "الجن والناس" سوى دليل يخدم الفرضيتين الأولى والثانية وهما الظهور والتونس بوجوده، وليس النسيان.

    إن الخلق الإنساني يُقسم من حيث الأجناس إلى ثلاثة انواع:

    الجنس الإنساني الأول: وهو ما يُعرف بالإنسان البدائي أي الإنسان الأول/الإنسان الدابة أو ما تم إحتوائه من خلال ما شملت عليه الدابة من مفهوم وغلب عليه التعدد والتنوع واتى على أطوار مختلفة ومنها وأهمها النياتردال والذي إنقرض في أوروبا قبل حوالي 24000 عام مضت.

    الجنس الإنساني الثاني: وهو آدم وذريته (أي جنس الآدميين) أو البشر.


    الجنس الإنساني الثالث: وهو المسيح عيسى ابن مريم والذي هو خلق إنساني حصري ووحيد وهو غير آدمي أو من جنس البشر.


    فلو حاولنا لأن نتعرف فيما إذا كان آدم هو أول من خلق الله من الإنس أم لا فإنه يتوجب علينا لأن نحضر الدليل على ما ندّعي وإثبات قصة الأمس وفهم عملية إنتقال الإنسان من بداءة إلى حداثة أدت إلى إرتفاع منزلتة، فها هو بعد رحلة تحوله من دابة إلى إنسان يرتقي بمفاهيمه ويخضع ويُسخر ما حوله لخدمته ومسيرته، طريق سلكه الإنسان عبر محطات التاريخ وملايين السنين والتي كانت قد إنتهت بهلاكه وموته، ومن ثم لحقها خلقه ونشأته من جديد، بدأ الإنسان بها رحلة الحياة لا يمتطي ظهر دابة بل كان هو بنفسه دابة حتى تم إصطفاءه وتحديثه وتكليفه وتكريمه، وكان له قصة وحكاية سطرت في كتاب الله لتكون عبرة ودرس لمخلوقاته وعبيده.

    فمن عجائب خلق الله تعالى وقدرته بأن خلق الدابة من الطين، دابة كانت تحكمها الغريزة لا غير، فتقودها لتعبث في الأرض فساداً ولتُسفك الدماء، لا تعرف التقديس والطهارة ويشهد على أفعالها الدموية الملائكة والجن،

    قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) سورة البقرة 30 .

    ولكن فالله الأعلم ولحكمة منه يخلق الله هذه الدابة بنشأة جديدة وعلى صورة إنسان يتحلى بسلاح العلم والقدرات الذكية وذلك حتى يتغلب الإنسان على همجيته وبدائيته ويهزم غريزته وحيوانيته وليكون في صراع أخلاقي مع نفسه الحيوانية البدائية والتي بقيت مغروسة ومستأصله في داخله، فهل ينجح الإنسان أمام صراع الإرادات هذه أم لا، فقوته في عقله وضعفه في غريزته وعلى هذا الإنسان الجديد (والمعاصر) لان يتغلب على بدائية إنسانيته الحيوانية وينتصر عليها ويكبح قدرتها وسيطرتها العدوانية عليه ويعمل على سلخها عن نفسه ويتركها وراء ظهره كحلّة بالية لتُصبح نفسه إنسانية طاهرة صافية من الشوائب والخبث، وحينئذ يتقبله الله في عباده وجنته.


    لقد كان بأن أخبرنا الله تعالى بأنه قد بث في الأرض من كل دابة وكان ذلك واضح من خلال قوله تعالى،

    خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ. س ورة لقمان 10.

    وبالتعريف بمصطلح الدابة نقول بأنها تشمل على جميع الكائنات الأرضية الحية بشكل عام وذلك نتيجة تحليها بصفة وخاصية الدب والدبيب، وبالتالي فإنه من الممكن الإستدلال بأن الدابة هي الحيوان بجميع أصنافه وأشكاله وأحجامه، وهذا يشمل بالطبع على الإنسان الغريزي (وبالأخص الإنسان الأول البدائي) نتيجة تدني قدراته العقلية الذكية وتعاظم دور الغريزة في مسلكيته وتركيبته النفسية الوحشية بالإضافة إلى تحليه بالخواص الفيزيائية والجسدية والتي تخضع لتأثير الجاذبية وتتفاعل معها عن طريق خاصية الدبيب.

    إذن ومن خلال التمعن بالآية أعلاه من سورة لقمان نرى بأن الله بدأها بالتحدث عن أعمدة غير مرئية في قوله (بغير عمد تروها) وهذه إشارة إلى أعمدة الجاذبية الغير مرئية، وألحقها بالإشارة على (رواسي) وهذه إشارة على السلاسل الجبلية العملاقة والمتواجد منها ما هو تحت المحيطات وفوق سطح الأرض كسلسلة جبال الروكي وجبال الألب وسلاسل وسط المحيط الأطلسي وغيرها والتي تعمل على الربط والإستقرار القاري حفاظاً عليها من الإنزلاق والتباعد عن بعضها البعض، فتعمل عمل الرواسي من اجل إستقرار وتثبيت سطح القشرة الأرضية، وبعد أن جهز السماء والأرض لإستقبال الإنسان، إنتقل للحديث عن طريقة نشره للحيوان على الأرض، فأخبرنا بأنه عمل على بث الدابة بجميع أنواعها في الارض ولكن لم يخبرنا كيف بثها سوى ان قال (بث فيها) ولم يقل بث عليها أو بث من فوقها، وفيه قوله تعالى بالتحديد (وبث فيها من كل دابة) فنلاحظ بأن الله تعالى يُخبرنا بأنه إستودع ونشر في الأرض من كل ما خلق من دابة، فكان بأن بثها في الأرض بثاً وكان ذلك من قبل أي كان قد سبق تحدثه عن نزول الماء، أي فإن الدابة والتي كان قد بثها الله لم تكن حية أو كانت في طور الركود، وكان استنتاجنا قائم نتيجة معرفتنا بأهمية دور الماء في تفعيل الحياة والذي أخبرنا الله بأنه كان ضروري لحصول عملية الإنبات من الأرض والإحياء، فالله كان قد أنزل الماء بعد حدوث عملية البث ولم تسبقها ولو أخبرنا الله بنزول الماء قبل حدوث البث لكُنّا قد استنتجنا غير ذلك.

    وهذا الإستنتاج يرجع لما قضى الله ليكون دور الماء في تفعيل الحياة وإستمراريتها، فهو الذي حصر الوجود الحياتي وإمكانية حدوثه وإستمراريته فقط من خلال وجود عنصر الماء، وفي ذلك كان قوله تعالى،

    أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ. سورة الأنبياء 30 .

    لقد قال الله تعالى (وجعلنا من الماء) وهذه أعجوبة أخرى من عجائب القرآن حدثنا بها القرآن والذي فيه أشار على عدم وجود أو حدوث لأي من مظاهر للحياة دون توفر الماء، إذن فلا حياة بدون الماء ولم يقل (وجعل في الماء) أو (وجعل الماء) سبب كل شيء حي بل قال وجعل من الماء، فماهو الماء حسب تكوينه، والجواب على ذلك وهو بأن الماء حسب تركيبته الجزيئية يتكون من ذرتين من الهيدروجين متحدتين مع ذرة من الأكسجين H2O ، ولكن لو أمعنا النظر في قوله تعالى فهو يقول (من الماء) ومن تعني من الجزيء نفسه ككل أو من بعضاً منه أي إذن فهذا يمكن لأن يكون بأن الله جعل من الماء كله ليدعم وجود الأحياء أو الحياة، أو فقط من أي جزء منه فقط كالأكسجين والذي بدونه لا حياة لنا على الأرض والذي نحتاجه للتنفس ويحيط بالكرة الأرضية ويُغلفها تماماً، فنحن بحاجة للماء لأنه يدخل في تركيبة كل خلايانا الحية ولكن ولو توفر لنا هذا كله ولكن لم يتوفر لنا الأكسجين والذي نحتاجه للتنفس فلا حياة لنا، وهذا يشمل على الإنسان والحيوان أما بالنسبة للنبات فهي تتنفس ثاني أكسيد الكربون CO2 والذي يحتوي أيضاً على الأكسجين والذي هو ضروري لحياة النبات. فتوفر الأُكسجين عمل ايضاً بالإضافة لحاجتها للماء على دعم الوجود الحياتي للنبات، وهذا بعض من الماء أي حسب قوله تعالى (من الماء) ولكن الماء لا يحتوي على الأكسجين فقط بل فهو يحتوي على الهيدروجين والذي لربما يدعم وجود حياتي لكائنات ما أخرى في مكان آخر ما من الكون أو على كوكب ما ووجوده مهم وضروري لدعم الطور الحياتي لهم، فالهيدروجين أخف الغازات وأكثرها تواجدا في الكون حيث يشكل 75% من حجم الكون ليس فقط في الماء وحده بل في كل المركبات العضوية والكائنات الحية، وبما أنه الغاز الأكثر توفراً في الكون فلا يجدر بنا عزل فكرة وجود من يعتمد عليه في الحياة مصحوباً بتوفر الماء في خارج عالم الأرض.

    قال تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةًۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) سورة النحل 8.

    إذن أليس من المجدي هو التوسع في البحث عن أي من المظاهر الحية الذكية خارج عالم الأرض ليشمل على أمكنة إحتمال توفر كل من الأكسجين والهيدروجين سواء كانوا متحدين أو منفصلين عن بعضهما البعض، فالماء في الأصل ليس من مكونات الأرض ولكن كان قد أُنزله الله على الأرض وكان في ذلك قوله تعالى،

    وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ. سورة المؤمنون 18 .

    فبالماء تكمن الحياة وكان به بأن بدات الأزواج الكريمة بالإنبات (وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) فهي كريمة تتوالد وتعطي ثمارها.

    لقد تمت عملية البث في داخل طيات الأرض وهذا واضح من خلال الإشارة على الإنبات أي الخروج والظهور وهذا لايحصل إلا إن كان قد بثها الله في داخل تربة الأرض، فلو كان قد حصل البث خارج التربة لما كان حاجة للإخراج ولم يكن ليحصل إنبات والذي تم بفعل الماء المُنزل من السماء، وهذا يدعم النظرية العلمية والتي تزعم بأن الأرض كانت قد بُذرت أي نُشر فيها البذور من السماء سواء عن طريق النيازك أو الشُهب أو غيره، وهكذا بدأ تدريجياً ظهور المظاهر الحياتية على الأرض، والآية القرآنية تُخبرنا بان الله أنبت من الأرض من كل زوج وبالتالي هذا يشمل إذن على الدابة بأشكالها وأنواعها المختلفة، وبالتالي هذا يشمل على الإنسان البدائي الأول أيضاً والذي كان لم يهبط إلى الأرض من الجنة مثل آدم وحواء بل كان قد نُشر وبُث فيها عن طريق البذر كما في عملية تبذير الأرض، أي غرسها بالبذور.
    وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) سورة المؤمنون 79.
    وأحتكمنا للمعاني اللغوية والمأخوذة أو مستنتجة من معاجم اللغة العربية لتعرفنا على كثير من معاني الكلمات القرآنية ومنها ما هو مقصود بالذرء، ففي (لسان العرب) وفي حديث الدُّعاءِ: أَعوذ بكَلِمات اللّهِ التامّاتِ من شَرِّ ما خَلَقَ وذرأَ وبَرَأَ. وكأَنَّ الذَّرْء مُخْتَصٌّ بخَلْقِ الذّرِّيَّة. وجمعها ذراريَّ، والذَّرْءُ عَدَد الذُّرِّيَّة، تقول: أَنْمَى اللّه ذرأك وذَرْوَكَ أَي ذُرِّيَّتَكَ. قال ابن بري: جعل الجوهري الذُّرِّية أَصلها ذُرِّيئة بالهمز، فخُفِّفت همزتها، وأُلزِمَت التخفيف. قال: ووزن الذُّرِّيَّةِ على ما ذكره فُعِّيلةٌ من ذرأ اللّهُ الخلقَ، وتكون بمنزلة مُرِّيقةٍ، وهي الواحدة من العُصْفُر. والزَّرْعُ أَوّلُ ما تَزْرَعُه يسمى الذَّرِيءَ، وذرأنا الارض: بَذَرْناها، وزَرْعٌ ذَرِيءٌ، على فَعِيل، نقول ذرَّ الشيءَ يذره: أَخذه بأَطراف أَصابعه ثم نثره على الشيء، وذرَّ الشيء، وقيل: الذرّةُ ليس لها وزن، ويراد بها ما يُرَى في شعاع الشمس الداخلِ في النافذة؛ وأذريتُ الشيءَ إِذا أَلْقَيْتَه مثلَ إِلْقائِكَ الحَبَّ للزَّرْع. وقوله عز وجل: إِنَّ الله اصطَفى آدمَ ونُوحاً وآل إِبراهيم وآلَ عِمْرانَ على العالمين، ثم قال: ذريةً بعضُها من بعض؛ قال أَبو إِسحق: نصَبَ ذرية على البدلِ؛ المعنى أَنَّ الله اصطفى ذرية بعضها من بعضٍ، قال الأَزهري: فقد دخلَ فيها الآباءُ والأَبْناءُ، قال أَبو إِسحق: وجائز أَن تُنْصَب ذريةً على الحال؛ المعنى اصطفاهم في حال كون بعضهم من بعض. ونقول في ذلك "أي من بذرة واحدة".
    وفي(القاموس المحيط) وذَرَأَ: كَجَعَلَ: خَلَقَ، وذرأ الشَّيءَ: كَثَّرَهُ، ومنه: الذُّرِيِّةُ، وذرأ الأرْضَ: بَذَرَهَا.
    إذن ذرأ أي عمل الله سبحانه وتعالى على ذر الذرية فيها أي بَذَرَها، وكانت مشيئة الله لأن ينشرنا في البداية كبذور وبحجم الذرات "أي أصغر ما هو معروف من المادة" في داخل طيات الأرض.
    كما وقال الله سبحانه وتعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) سورة طه 55.

    إن الله يذكُر لنا الإخراج "تارة أخرى"، إذن فهذا معناه بأن الإخراج من الأرض كان قد حصل من قبل بـ "تارة" كانت قد سبقتها، واضافة على ذلك قال الله تعالى،

    وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَ‌ٰلِكَ تُخْرَجُونَ. سورة الزخرف 11 .

    وهنا ضرب الله لنا هذا المثل ليُذكّرنا وليعرفنا بميكانيكية الإخراج من الأرض والتي سنخضع لها بعد موتنا وتحللنا إلى تراب وكيفية حدوثها بفعل نزول الماء كما حصل في الإخراج الأول.


    الدليل الأول

    لقد تعددت الدلائل والإشارات القرآنية على الخلق الإنسي الأول (الإنسان الدابة) والذي سبق خلقنا، وكان من أهم وأوضح هذه الدلائل هو ما نستمده من قوله تعالى،

    أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا. سورة مريم 67.

    فمن هو هذا الإنسان إذن والذي كان قد خلقه الله من قبل خلقه للناس (آدم وذريته) ونراه في الآية الكريمة يُخبرنا عنه ويلفت نظرنا إليه، فالله هنا يخاطبنا نحن (الآدميين) بأنه كان قد خلق الإنسان من قبل، والإنسان هو عنوان هويتنا الإنسية، والناس هم صنف إنساني وجنس وقوم منه، وبالمناسبة فإن هذه الآية الكريمة من سورة مريم (67) تدحض الفرضية التي تزعم بأن اصل الإنسان قرد أو بأن القردة هم أجداد الناس التاريخيين والتي يروجون لها الداروينيون وانصار نظرية التطور، فالآية فيها قول الله تعالى (ولم يك شيئا) وهذا معناه بأن الإنسان لم يكن له كيان، فالله سبحانه وتعالى لم يقل "لم يكن شيئا" بل قال لم يكُ وأسقط النون وحذفها فخلت من التوكيد وبالتالي فالإنسان لم يكن بالمخلوق أبداً، فهو لو قال لم يكن شيئا لأعتقد البعض لربما بأنه كان مخلوق ومع ذلك لم يكن ذو قيمة تُذكر أو كما نقول بالعامية لم يكن ذو حسب ونسب أو مسموع به أو له سيط ولكن كان قول الله لم (يكُ) وبالتالي لم يُبقى مجال للشك على أنه لم يكن له كيان ولم يكن بالمخلوق أصلاَ أو كان له وجود، وحتى لا يختلط الأمر على الناس قطع الله صلة الإنسان بأي ماضٍ كان.

    وما تعنيه الآية الكريمة ألا وهو بان الله كان قد خلق الإنسان من قبل خلقه الحالي والذي نحن عليه وكان بأن خلقه من قبل خلقه لنا من لا شيء، أي لم يكن قد تحول من حيوان أو من أي شيء آخر بل كان بغير المخلوق أساساَ ومن ثم خلقه الله بهيئته الإنسانية منذ بداية وحداثة خلقه، وثم من بعد ذلك حسّنه وجمّله، إن كل شيء أو أي شيء لا يكون إلا بمجرد أن مشيئة الله أحدثته من العدم ليصبح شيء وعندها فقط يكون الشيء له كيان ويصبح موجود وكائن وفي ذلك نستشهد بقوله تعالى،

    إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ. سورة يس 82.

    ففعل كُن أنتج وعمل على خلق الكيان والكون وكل ما هو كائن، والذي هو ما أشار الله عليه بالشيء،

    وقال تعالى (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) سورة النحل 40.

    إذن إذا وقع قول أو فعل أمر كن أصبح للشيء كيان وبه يكون كائن ومُكوّن، فكن أعطت نتيجة كان محصلتها إستحداث أو خلق الشيء وكل مخلوق هو شيء، وكل شيء هو بالمخلوق وذلك بغض النظر عن ما هو وبالتالي هذا الوجود الجديد يصبح بالشيء وله قيمة ووجود وحجم ويُشغل حيز، ولم يكن بالشيء قبل الأمر به ليكون، فإرادة الله صنعت شيء من لا شيء أي من العدم، فلو كان أصل الإنسان قرد لكان قد كان خُلق من شيء أي أستخلص أو أستمد أو تطور من شيء إلى شيء آخر وتحول وهكذا ولكنه لم يكن بالمخلوق ابداً (أي لا وجود له بتاتاً) قبل كونه أو خلقه ليكون إنسان وهذا دليل قاطع يدحض أي صلة للإنسان بالقرد ورفض لما تدّعيه نظرية التطور ومناصريها ومؤيديها ومنظريها خاصة الغربيين منهم، ولكن هذا لا يعني بأن الإنسان الأول لم يخضع لمراحل من التطور الذاتي والتحسينات والتغييرات من خلال الإضافات التي ألحقها الله به وعززه بها وهذا يختلف عن التطور والذي يزعمونه وذلك لأنه تطور للنفس ذاتها وليس تحول من شيء إلى شيء آخر، فهم يُنظرون لما هو حقيقة تحول وليس تطور وذلك نتيجة تاثير هوليوود على عقول البسطاء منهم على الرغم من دورهم الحضاري والمشرف تقنياً.

    قال تعالى (وقد خلقكم أطوارا) نوح 14.

    وفي هذه الآية يخص الله تعالى الجنس الإنساني بشكل حصري فالخطاب له ولا لأحد سواه ولا يشمل قوله على غير الإنسان، فلقد خلق الله الإنسان من طور إلى طور آخر وهذا دليل على توفر العديد من الأصناف الإنسانية البدائية والمتحجرة والتي تم العثور عليها بالإضافة للإنسان العصري والذين تختلف جيناتهم الوراثية عن بعضهم البعض، وأطوارا لا تعني التطور بمفهوم النظرية الداروينية بل يعني على مراحل أو حتى حقبات وأزمنة (ومثال آخر المراحل والأطوار الخلقية التي يخضع لها الجنين في الرحم إثناء الحمل)
    فلقد أثبت لنا العلم الحديث نتيجة دراسة المتحجرات وعلم الآثار على وجود إنسان أولي له خصائص حيوانية تجعله أقرب للحيوان منه للإنسان المعاصر، فهذا الإنسان البدائي والموجود على أشكال ومراحل مختلفة ومتطورة عن بعضه البعض والدليل العلمي والمادي نراه وموجود كما ذكرت من خلال دراسة المتحجرات والمستحاثات (الفوصل) والتي فيها تعدد للنماذج والأشكال الإنسية البدائية والمتوفرة بكثرة اليوم والمتاحف الغربية مليئة وتعج بأثارهم وبقايا عظامهم ولا يُمكن نكران وجودهم التاريخي وكل يوم يزداد العثور على أنواع متعددة منهم وفي جميع قارات العالم.
    إن المُسْتَحَاثَات أو الأَحَافِير أو المُتَحَجِّرَات هي بقايا حيوان أو نبات كانت محفوظة في الصخور أو مطمورة تحت الأرض تم تحللها خلال الأحقاب الزمنية وهي تظهر لنا أشكال الحياة بالأزمنة السحيقة وظروف معيشتها وحفظها خلال الحقب الجيولوجية المختلفة، ولقد تم إلى حد الآن اكتشاف العديد من أنواع هذا الجنس البدائي الأول ومنه: إنسان نياندرتال، إنسان بحيرة رودولف، الإنسان السالف، إنسان جيورجيا، الإنسان العامل، الإنسان الماهر، الإنسان المنتصب إنسان سيبرانو، إنسان فلوريس، إنسان هايدلبيرغ، إنسان روديسيا، ، الإنسان العاقل القديم، والإنسان الحديث (الإنسان العاقل الأول، الإنسان العاقل العاقل).

    وعلى الرغم من توفر الأدلة العديدة على وجود الإنسان البدائي الأول بإختلاف أجناسه وأنواعه ألا أنه لم يتمكن بل وفشل في صنع الحضارة أو بناء المجتمعات الإنسانية أو كان بالقادر على الإرتقاء، ولا يوجد من الدلائل العلمية ما يُشير على عكس ذلك، وكان نتيجة ضعفه وعدم قدرته وتخلفه وحيوانيته بأن إنقرض، أو على الأصح مات وبقي في جمود حياتي وبقينا لا نعلم عنه الكثير إلى أن أتت البشرى وكانت بأن شاءت حكمة الله لأن ينتقيه ويسلخ عنه هذا الطور الحيواني البدائي الأول ويجعل من ذريته الترابية نقطة أساسية ومحطة جوهرية في تكوين وخلق آدم.

    إن الإنسان الأول بأنواعه والخلق الآدمي والمسيح ابن مريم ينحدرون جميعاً من أصل واحد، وبالتالي فحين نتكلم عن الإنسان العصري فلابد لنا لأن نتطرق لماضيه وليس لحاضره فقط ونتسائل عن جوهر وأصل خلقه وإمتداده الحيواني، فالإنسان منذ بدء خلقه الأولي وإنتهاءاً بحضوره المُشرف بهيئته الجديدة كان قد أخضعه الله للعديد من المراحل الخلقية والتطويرية والهندسية الجينية المعقدة كالتحسين والبناء الهيكلي والعقلي الباهر والتي أحدثت وأدخلت التغيرات والتحديثات الجمة وتسببت لما هو عليه اليوم من التطور والرقي والتقويم والتي أوصلته إلى هذه المراحل المتقدمة والذكية وميزته عن أجداده البدائيين الأوائل وعزلته عن نسبه وما عُرف به بكونه بدأ كدابة، فلقد أخبرنا الله بأنه خلق الإنسان من قبل خلقه لنا، ولم يقف عند هذا الحد بل أخبرنا أيضاً بأن نقطة البداية لخلقه أو خلقنا أي نحن معشر الإنس كان من مادة الطين وهي نفس المادة التي خلقنا نحن "الجنس الآدمي" منها أيضاً على الرغم من الفروقات الواضحة في التحسين الذي طرأ علينا بالمقارنة مع الخلق الأول، وسنعمل على تقديم الأدلة القرآنية والتي تحدثت عنه ولا زالت تشهد على حقيقة خلقه ووجوده البدائي ومن ثم موته ..... ومن ثم نشأته الجديدة من التراب كانت أولها بشخص آدم عليه السلام وثانيها بشخص المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.


    قال تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ.) سورة السجدة 7.

    إن نرى جزيئات الطين وهي تتطاير في الهواء من حولنا، ونراه في كل من الماء واليابسة، كما ويدخل في تركيبة بعض النيازك والتي تهبط علينا من السماء، فما هو هذا الطين والذي يحمل السر لبداية خلقنا وتكويننا.....

    فلو أخذنا خليط لأي عنصر "غير طيني" ولكن يشابه في تركيبته التركيبة الطينية أي يتكون من حبيبات دقيقة وقمنا بخلطه مع الماء لكانت النتيجة هي حصولنا على كتلة متحللة من المادة تشبه البودرة لا تمكننا من عمل أي هيئة أو شكل منها، ولكن لو قمنا بعمل نفس الشيء مع الطين لكانت النتيجة جاهزة وقابلة للتطويع لأي شكل أو هيئة، فمن خواص الطين بأنه يحافظ على نفس الشكل تحت تأثير عامل الجاذبية، و يمكن لأن يتم إعوجاجه أو ثنيه دون أن ينتج عن ذلك شقوق وعند زوال العامل المؤثر أو المُحدث للإعوجاج يبقى الشكل المعوج على حاله، ولكن الغريب هو عند جفاف الطين نلاحظ إزدياد قوته بشكل كبير، كما وأنه من غير العادي الإشارة على الطين على أنه مادة شفافة ولكن في الحقيقة بأنه فعلاً مادة شفافة حيث وأن الشفافية ممكنة أو تحصل حين تكون تشكيلة ذرات العنصر منظمة على شكل عال في كل من المسافات القصيرة والمسافات الطويلة من الإحداثيات الثلاثة ومن خلال إستعمال تقنية المجهريات البصرية والإلكترونية تم التحقق من ذلك والتعرف على الوحدات الطينية الدقيقة والمشكلة لمادة الطين والتي تتكون من صفائح شفافة كمادة البلازما أو ما هو مشابه للمادة الهيولية التي يتكون منها خلية الإنسان الحية، فهيولى الخلية ويُسمى أيضاً بالجِبْلة هو المكون الرئيسي الذي يملأ الخلية وهو مادة شبة شفافة يدخل الماء في تركيبتها بنسبه عالية.

    يصف الجيولوجيون الطين بأنه ذرات (أي جسيمات) صغيرة جدًا صفائحية الشكل من الألومينا (أكسيد الألمنيوم) والسيليكا (ثنائي أُكسيد السيليكون) مرتبطة معاً بالماء الموجود في بنيتها المعدنية حجمها أقل من 2 ميكروميترات (حسب مقياس أبعاد الأجسام الدقيقة)، ومن المذهل حقاً هو متوسط حجم الخلية الإنسانية الحية مقارناً مع أصغر وحدة طينية مجهرية لمادة الطين التي خُلق الإنسان منه في البداية، حيث أن متوسط حجم الخلية الإنسانية هي 10 ميكروميتر أي 0.00001 من الميتر وممكن لأن تكون أكبر من ذلك نتيجة توفر الخلايا الأكبر من ذلك في الإنسان والذي يحتوي على حوالي المئة ترليون 100,000,000,000,000 خلية، ويبلغ معدل أو متوسط حجم اصغر وحدة اساسية في التركيبة الطينية بأقل من 20 ميكروميتر أي 0.00002 من الميتر ولا تزيد عنها وهذا حسب المصافي التي قد تم صناعتها خصيصاً لفحص حجم الجسيمات الدقيقة المتوفرة حالياً.
    كلمة الطين تعني أيضًا مادة من الأرض مكونة من أنواع محددة من معادن السليكات التي تكسّرت بعوامل التعرية، وتركيبته تحتوي على واحد أو أكثر من التركيبات الطينية المعدنية بالإضافة إلى أكسيدات المعادن ومادة عضوية، ويتكون الطين بعد إنقضاء عامل زمني طويل نتيجة عوامل التعرية الكيماوية التدريجية والتي تتعرض لها الصخور حاملة السيليكا عند تعرضها لأحماض كربونية خفيفة التركيز ومحاليل إذابة أخرى، بالإضافة لظاهرة التحلل هذه يتم أيضاً تشكيل الطين عن طريق نشاطات لدورة الماء الساخنة في مناطق المصادر الحرارية في القشرة الأرضية كمناطق النشاطات البركانية.


    الدليل الثاني

    قال تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ.) سورة الأعراف 11 .

    يقول الله تعالى (ولقد خلقناكم) أي أنه أوجدنا وكَوُنّا فكُنّا وأصبحنا كائنين وموجودين، ثم قال (ثم صورناكم) وهنا يجب علينا التعرف على معنى ثم وهي تفيد التراخي في الزمن، وبالتالي لم يكن التصوير قد أتى سريعاً أو حدث في نفس الوقت أي كان قد تزامن وتصاحب مع حدوث الخلق لكنه أتى لاحقاً وبعد إنقضاء وقت من الزمان، فكان إذن حصول التصوير والذي هو إتخاذ الأشكال والهيئات المختلفة والذي أتى قبل أمر السجود، ثم قال تعالى (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) وهنا أتت ثم مرة أُخرى لتخبرنا بإنقضاء زمن آخر بعد إتخاذنا للأشكال المختلفة بأن أمر الله الملائكة بالسجود لآدم وذلك بعد أن إصطفاه على العالمين،

    قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) سورة آل عمران 33 .

    ولكن فما الغريب والذي يستدعي التحليل والتوضيح في قوله تعالى (ولقد خلقناكم) وقوله تعالى (ثم صورناكم) وقوله تعالى (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)، إن الله في هذه الآية الكريمة وبكل بساطة يُحدثنا نحن البشر الآدميين والذي خصنا برسالة القرآن والدليل على ذلك فهو يُحدثنا بصيغة الجمع عن مراحل تصويرية وتشكيلية كنّا قد خضعنا لها كانت قد سبقت حدوث الأمر بالسجود لآدم، ولكن هل نحن كنّا مخلوقين قبل أبينا آدم فإن كنّا فكيف لنا لأن نكون من ذريته، ولكن إن نحن كنا من ذريته كما أخبرنا الله،

    قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) سورة النساء 1 .

    فمن هم هؤلاء الذين يُحدثنا الله عنهم وكأنهم نحن إذن، والجواب على ذلك لابد وأن يكونوا قد خلقوا قبلنا ومن ثم تعددت أشكالهم وهيئاتهم حتى تم الإصطفاء عليهم وعلى الجان (على العالمين) عن طريق إختيار الله لآدم ليحظى هو وذريته بالتكريم، ومن ثم الطلب للسجود لآدم أي لشخص واحد من بين هذه الصور والهيئات المتعددة للخلق وتجاهل البقية، فلقد إصطفاه وأختاره وجعل منه خليفة عليهم وحتى انقرضوا فاصبح خليفة لهم، وبما أن الله يحدثنا عنهم ويشملنا بالحديث عنهم وعن أنفسنا فلا يسعنى سوى إلا أن نستنج على أن هذا الخلق الإنسي هو أشمل وأوسع من الخلق الآدمي ويشمل عليه وهو أصله. وبالتالي لا يسعنى سوى القول بأن الله العلي القدير كان قد خاطبنا نحن الآدميين فقال لنا بأنه خلقنا أي نحن الإنسيين أي معشر الإنس والذي نحن جنس من أجناسه وفرع منه فالكل والجمع هم الإنس والذين كان قد خلقهم الله ومن ثم جعل منهم الأصناف والأشكال والتنوع فكان هذا هو التصوير الذي أخبرنا الله عنه، فالله ببساطة يخبرنا عن قصة الأمس وماذا كان قد حصل معنا اي معشر الإنس وقبل أن يعمل على الإصطفاء لشخص آدم ليكون محمد من نسله رحمة للعالمين، وبخلق آخر مثيل لخلقه لآدم يحضر الله لنا المسيح عيسى ابن مريم آية ليكون ابتلاء وإمتحان لهم ورحمة وذلك إن استيقنوا واستقاموا وآمنوا.


    كما وقال الله مخاطباً إيانا نحن الآدميين يذكرنا بجمال خلقنا، ولكن ليس قبل ما أجرى على على إنسانيتنا من التسوية والتعديل فقال تعالى،

    يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ. سورة الإنفطار 6 – 8 .

    لقد أتت كل من مراحل التسوية والتعديل والتصوير بعد الخلق "والذي هو التكوين والإحضار للوجود" وهذا واضح من خلال الآية الكريمة، لقد عرّفنا الله بكرمه فقال بربك الكريم، أي كيف قبلت أيها الإنسان لأن يُغر بك وتبتعد عن إلهك هذا الخالق الكريم والذي أعطاك دون طلب فهولم يكتفي بخلقك والإبقاء على حالك البدائي لا بل عمل على تحسينك فكانت التسوية في بناءك فقال (فسوّاك) وما أحتوت عليه من المقادير الثابتة والضرورية في صناعتك الفذة والمتقنة فقال الله تعالى،

    مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه. سورة عبس 19 .

    ثم قال (فعدلك) وتَعْدِيلُ الشيء(معجم لسان العرب) هو "تقويمُه، وقيل: العدلُ تَقويمُك الشيءَ بالشيءِ من غير جنسه حتى تجعله له مِثْلاً" وفي ذلك نقول بأن معشر الإنس يحتوي أو إحتوى على الأجناس الإنسية ومنها الآدميين والذين كانوا ما قوم الله بهم الأجناس الأُخرى من أمثالهم، لقد قال الله مخاطباً الإنس والجن،

    يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ. سورة الرحمن 33 .

    كما وأخبرنا بخلقنا والذي لحق بخلقه للجان فقال تعالى،

    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ. سورة الحجر 26 - 27 .

    وبالتالي لا يمكن لأن نكون نحن وإياهم من نفس المعشر، وفي ذلك كان قوله تعالى،

    يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ. سورة الأعراف 27 .

    ولكن لربما يجمعنا معهم العدد والكم والتنوع، ففي (لسان العرب) نقول وجاء القوم عُشارَ عُشارَ ومعشر معشرَ وعُشار ومعشر أَي عَشَرة عَشَرة، وفي (مقاييس اللغة) قال الخليل: تقول: جاء القومُ عُشَارَ عُشارَ، ومعشر معشر، أي عَشَرة عشَرة، وها إشارة على الكم والعدد.

    وجعل الله البشر في أحسن تقويم وكان في ذلك قوله تعالى،

    لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. سورة التين 4 .

    والتقويم والتعديل واحد، فكان بأن قوم الله جنس الإنسان الأول بالجنس الآدمي من الإنس.

    وثم ختم الآيات من سورة الإنفطار (6-8) بقوله تعالى "في أي صورة ما شاء ركبك" أي فأنظر تحولك لهذه الشكل وهذه الهيئة أي هذا التركيب المهيب ذو الرفعة والمنصب ومعنى ركب والمُرَكَّبٌ من (الصّحّاح في اللغة): الأصل والمَنْبِتُ؛ يقال فلانٌ كريمُ المُرَكَّبِ، أي كريمٌ أصلُ مَنْصِبهِ في قومه، فأعطاه الله إذن الإصطفاء والتكريم على العديد من جنسه ونصبه عليهم وأدخل عليه التحديث والتطوير.

    فيذكرنا الله بقوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ) سورة السجدة 7.

    فهو قام بتحسينه بعد أن خلقه من الطين كما هو الحال في خلق الله للأرض وما كانت عليه من القفر والفقر والموت ومن ثم أتت عملية البث والحياة فهو يبقى يحسن ويُحدث ويُجمل ولا يبقي على شيء خلقه كما كان، فلو أبقى الله على المولود الجديد كما هو حين ولادته لما تعرفنا على شخصيته، ولكن سرعان ما يدخل الله عليها الإبتسامة وجمال الصوت وخفية الدم والذكاء والمشاعر والحب والحنان و جمال البنية وغير ذلك، فهو في البداية يكون المولود عبارة عن قطعة لحم يتناولها الناس دون أن تُدرك شيء ويعتمد في كل حاجته على غيره ثم يطرأ عليه التحول التدريجي ويبدأ بالنمو والتطور على مراحل، حتى يبقى هو مسؤول ومطلوب منه وعليه تكليف ...

    الطين والبداية:

    يخبرنا الله عز وجل بأنه كان قد بدأ خلقه للإنسان من الطين وفي ذلك نعود لنستشهد بقوله تعالى،

    الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ. سورة السجدة 7.

    إذن فإن هذه المرحلة الأولى لخلق الإنسان لم يكن قد سبقها مرحلة أخرى وبالتالي إذن لم يكن قد بدأ خلق الإنسان من الأساس من التراب كما أخبرنا الله في خلقه لكل من آدم وعيسى عليهما السلام، بل لقد كان بأن بدأ خلقه للإنسان من الطين وهذه دلالة ومعلومة قيمة ومهمة جداً نريد لأن نعيها جيداً ولم تكن قد ذُكرت دون سبب فلماذا يُخبرنا الله بأنه كان قد خلقنا من تراب وذلك حين أشار على خلقه لآدم وهو أبو البشر وأولهم ويُخبرنا بنفس الوقت بأنه بدأ ونُكرر قوله تعالى بدأ خلقه للإنسان من الطين ولم يقل من التراب لأن الخلق هو إحداث الوجود والكيان لصورة جديدة فبدء خلق الإنسان تعني نقطة البداية والأساس والأرضية وهذا جلي وواضح من قوله تعالى، فإن كان قد بدأ خلقه من الطين فهل هذا إذن يتناقض مع قوله تعالى بأنه خلق آدم والمسيح من التراب أم لهذا الكلام دلالات وأبعاد أخرى يجب علينا لأن نبحث عنها ونستخلصها ونجتهد للعمل على ذلك .. فلو قمنا بتحليل مادة الطين لوجدنا بأنها عبارة عن مادة مركبة من التراب والماء أي مزيج وخليط يحتوي على هاتين المادتين، وبالتالي ما معنى إذن قوله تعالى بأنه كان قد بدأ خلق الإنسان من الطين، لقد قلنا بان الخلق هو التكوين والإحضار إلى الوجود، فإن كانت نقطة بداية خلق الإنسان يقول الله تعالى هي من الطين أي ان نقطة إبتداء خلق هي تراب + ماء مجبولين بوحدة وخليط واحد، فهذا الإشارة القرآنية والتي بدأ خلقه للإنسان فيها لا تنطبق على خلق آدم والذي أخبرنا الله تعالى بأنه كان قد خلقه (كوَّنه وأحضره) من التراب فإن كانت مرحلة خلق الإنسان كانت قد بدأت من الطين ولم يسبقها مرحلة خلق أخرى، كيف نُفسر إذن خلقه لآدم من التراب وهي من أحد المواد الأولية التي بدأ خلق الإنسان منها والتي أتت بعد أن تحول التراب إلى طين بفعل وجود الماء، أما خلق آدم فقد بدأ من التراب دون الماء.

    لقد أخبرنا الله تعالى بأنه بدأ خلق الإنسان من الطين ليُحثنا على التعمق في فهم ودراسة الإنسان وحقيقة بناءه الطيني ونتْطَلع على عظيم صنعه وقدرته، فالله العلي القدير لم يقُل فقط خلق الإنسان من طين واكتفى بل قال بدأ، أي خلق وجعل الكيان الحي منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها عملية الخلق المُتعلقة بالإنسان فهو بدأ خلقه الحي من الطين ولو بدأها بحجم الدقائق المجهرية لأنها كانت حية ومنذ البداية ومهما صغُرت تركيبتها الحبيبية، فلقد ثبت علمياً بأن أصغر وحدة بناء للمادة في المركب الطيني هي أصغر من أصغر وحدة بناء لمادة التراب مما يجعلنا نستدل على أن فعل الماء حين يتم خلطه بالتراب يتفاعل في داخل المادة الترابية وينشأ عن ذلك تحليل وفصل للمادة الترابية إلى وحدات أقل وأصغر تحتوي على وجود مائي فيها مهما كانت دقيقة وهذا يفسر لنا الدور الحياتي والذي يلعبه الماء في المركب أو المادة الطينية والتي خلق منها الله سبحانه وتعالى كل من الإنسان والحيوان، إذن فإن الماء يدخل في الطور الحياتي الأولي للأحياء الطينية ليس فقط على الصعيد الخلوي أي في وحدة البناء الأولى والتي نحتاجها في بناء الإنسان بل في الابعاد المجهرية الدقيقة الأقل وأصغر حجماً ومسؤولة عن تركيبة وحدة البناء الأولية نفسها .

    لقد عرّف الله سبحانه وتعالى نوع هذا الطين الذي خُلق منه الإنسان وحدده بالإسم والصفة والذي هو من نوع الصلصال، اي الطين الصلصالي فقال سبحانه وتعالى:

    خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار. سورة الرحمن 14 .

    وحسب (لسان العرب) فالصلصال من الطِّين: هو ما لم يُجْعَل خَزَفاً وجف ويبُس وأصبح كالفخار حالته وشكله، وسُمِّي بذلك لتَصَلْصُله؛ وكلُّ ما جَفَّ من طين أَو فَخَّار فقد صَلَّ صَلِيلاً، وتقول العرب تَصَلْصَلَ الغديرُ: جَفَّتْ حَمْأَتُه. وصلصالٌ ومُصَلْصِلٌ: مُصَوِّتٌ. والصلصالُ: الطِّينُ الحُرُّ والمخلوِط بالرَّمْلِ، وقال تعالى (صلصال كالفخار) فهو ليس بالفخار بل كالفخار وهذا تشبيه بغرض التقريب لفهم حالة الصلصال هذه ولربمت من أجل دراستها وفهمها أي إذن الإنسان مخلوق من مادة شبيهة وقريبة نسبياً من مادة الفخار، وللتعريف بالفخار فهو المادة التي يتم إستعمالها في صناعة الخزف والمجسمات الطينية، وهي تشمل على جميع أنواع السراميك (الطين) المعالج بالحرارة (أي بالفرن) والتي احتوت على مادة الطين عندما تم تشكيلها فالإنسان مخلوق من الصلصال وليس من الفخار.

    وأخبرنا الله تعالى بمنشأ ومصدر هذا الطين الصلصال فقال،

    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ. سورة الحجر 26 .

    فبعد أن تعرفنا على الصلصال دعونا نتعرف على ما أشار الله عليه بالحمأ والذي كان قد أُشتُقَّ منه الصلصال فكان الحمأ هو مصدر وأصل الصلصال قبل تصلصله، فحسب (لسان العرب) قال ابن الأَثير: وأَصلها من الحَمِّ الحرارة ومن حُمَّة ِ السِّنان.، وهي حِدَّتُه. وحَميم وحكى شمر عن ابن الأعرابي: الحَمِيم إن شئت كان ماء حارّاً، وإن شئت كان جمراً تتبخر به. والحُمَمُ: الفَحْمُ، واحدته حُمَمَةٌ. والحُمَمُ: الرَّماد والفَحْم وكلُّ ما احترق من النار. وروي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قال: إِن رجلاً أَوصى بَنيه عند موته فقال: إِذا أَنا مُتُّ فأَحْرِ قُوني بالنار، حتى إِذا صِرْتُ حُمَماً فاسْحَقوني، ثم ذَرُّوني في الريح لعلي أَضِلُّ اللهَ؛ ويقال أَيضاً: حَمَّ الماءُ أَي صار حارّاً. وحَمَّم الرجل: سَخَّم وجْهَه بالحُمَم، وهو الفحمُ. وفي حديث لقمان بن عاد: خُذي مِنِّي أَخي ذا الحُمَمة؛ أَراد سَوادَ لَونه. الحمأة والحمأ الطين الأسود المنتن، حَمِئَ الماءُحمأ خالطته الحمأة فكَدِرَ وتَغَيرت رائحته. وفي التنزيل: وجَدها تَغْرُب في عَيْنٍ حَمِئةٍ، وقرأَ ابن مسعود وابن الزبير: حاميةٍ، ومن قرأَ حامِية، بغير همز، أَراد حارّةً، وقد تكون حارّة ذات حمأة، وبئر حَمِئةٌ أَيضأ كذلك.

    وكان بعد ما أخبرنا الله عن مصدر الصلصال والذي هو من الحمأ، بأن أتى بالتعريف والتوضيح لحالته الحمئة فقال فيها (من حمأ مسنون) والمسنون وهو ذو ثلاث صفات إحداهما رائحته النتنة والكبريتية وثانيهما حالته السائلة والمصبوبة صباً، وثالثهما ما هو محكوك، فالمسنون حسب (لسان العرب) هو المُنْتِن، وقوله تعالى: من حَمَأٍ مسنون، قال أَبو عمرو: أَي متغير منتن، وقال أَبو عبيدة: المسنونُ المَصبوب، ويقال: المسنون المَصْبوب على صورة، وقال الفراء: سمي المِسَنُّ مِسَنّاً لأَن الحديد يُسَنُّ عليه أَي يُحَكُّ عليه. ويقال للذي يسيل عند الحك: سَنِينٌ، قال: ولا يكون ذلك السائل إلا مُنْتِناً، وقال في قوله: من حمَأٍ مسنون، يقال المحكوك، ويقال: هو المتغير كأَنه أُخذ من سَنَنْتُ الحجر على الحجَر، والذي يخرج بينهما يقال له السَّنِينُ، وسَنَّتِ العينُ الدمعَ تَسُنُّه سَنّاً: صبته، واسْتَنَّتْ هي: انصب دمعها. وسَنَنْتُ الترابَ: صببته على وجه الأَرض صبّاً سهلاً حتى صار كالمُسَنّاة.

    وما نستدل به ونستنتجه هنا ألا وهو بأن الحمأ هو مصدر الطين الصلصال والذي ينبع من الأرض أي يخرج منها وهو الطين الأسود المفحم والمصحوب بحرارة الجمر ويطلع منه البخار وذو الرائحة الكريهة النتنة فهو سائل و يسيل ومصبوب والذي هو في حالة السيولة وهذه إشارة واضحة على طين الحمم البركانية والتربة المصهورة الحامية والتي تسيل وتصب فوق الأرض وتحتك معها، فالحمم البركانية أو اللافا أو اللابة هي كتل سائلة تخرج من البراكين، كما تطفح من الشقوق على جوانب البركان، والتي نشأت من خلال الانفجارات الحادثة، تتكون من مجموعة من المعادن والصخور المنصهرة، والتي تكون درجة حرارتها بين 1000 و 1200 °م وعندما تجف تصبح حرة، والحرة هي الأرض البركانية السوداء، وهي اللابة باللسان العربي الفصيح وقد انتقل هذا اللفظ “Lava” إلى الإنجليزية عن طريق الإسبانية وأصلها عربي وهي ذات الرائحة الكريهة الكبريتية والتي حين تجف تكون شبيهة بالفخار ولكن هذا الطين المسنون والمصبوب لم يستعمل لصناعة الخزف بل صُب على صورة الإنسان.

    أما طريقة خلق الإنسان من الطين فكانت عن طريق السل والإستحواذ لما هو شعري و"غير مرئي بالعين المجردة بل مجهري ودقيق " وذلك لأن السلالة هي كل ما سُل أو أُستل من الشيء وهذا نستخلصه من قوله تعالى،

    وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. سورة المؤمنون 12 .

    ولكن لو تسائلنا كيف لنا بالتعرف على حجم هذه السلالة التي تحَدث عنها القرآن مرتين إحداهما من الطين والأخرى من الماء المهين وكلاهما غير مرئيتين بل غير ممكنات التحصيل تحت الظروف العادية وبالتالي يتطلب منا إخضاع الطين أو الماء المهين للتفحص والدراسة والبحث العلمي المجهري حتى نصل إلى هذه السلالة،

    اما في عملية التحول والذي طرأ على السلالة فسوف نستعين بآية أُخرى تتحدث عن ذلك والتي فيها يقول العلي القدير،

    قال تعالى (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) سورة السجدة 8 .

    فلقد خلق الله وكَوَن الإنسان الأول بسلالة من الطين عملت على سله ونسيجه، ففي المرحلة الأولى عمل الله على خلقه واستعمل كلمة الخلق بالتحديد مع السلالة الطينية وبعد أن تم بناءه ونسيجه بالكامل اراد الله لأن يجعل له ذرية ويكاثره فأخضعه لمستجدات وتحديثات جعلت (فجعل) من ذلك ممكنا، ففي البداية والأساس كان خلق من الطين ومن ثم تبعه الجعل من ماء مهين، فالخلق هو الإحداث والتكوين والتبديل والتحويل بشكل جديد أما الجعل فهو التطويع والتعديل والمعالجة على ما تم خلقه.
    قال الله تعالى (ثم جعل نسله "بمعنى نسيجه ونسجه") أي جعل بناءه وتكوينه وتركيبه، ونقول بالعربي للإشارة على الإبرة التي نخيط أو ننسج منها السلة والتي نُسِلّها سلاً بالمسلة، وأي شيء يخضع لعملية سل فهو مسلول ويكون قد نُسل نسلاً وسُل سلاً، وكذلك إذا كان يتطلب نسلُ (بمعنى نسيج وحبك) الإنسان منه فهو السلالة ، فالسلالة هي التي تخيط وتسل وتحبك ما أردنا خياطته وسله وحبكه، فإن كان الله بأن جعل سله بعملية نسل كما في نسل الصوف من السلالة والتي هي مبتدأ عملية السل أو النسيج الأولي والذي نستخدمه في عملية تركيب السلة فهي تُشير على الحبكة (اي القطبة) والتي نكررها وتصاحب كل عملية نسيج والتي تستعمل في كل عملية سل، وبالتالي تكون مسؤولة عن تحديد طبيعة الشكل النهائي المطلوب لما سُل وتدخل في جميع التفاصيل مهما كان التصميم والإضافات حتى التكوين الكامل، ومثال على ذلك نأخذه من قوله تعالى،
    وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ. سورة يس 51.
    وهذا غير من الخروج وذلك لأن ينسلون أي وكأنهم ينسجون ويتضاعفون في بنائهم الخلوي حتى يكتمل نموهم على ما كانوا عليه من النسل والبناء.
    اما بالنسبة إلى ما كان قد عرّفها الله على أن تكون النطفة الأمشاج نقوم بها فهي إمتزاج لمائي الرجل والمرأة الممتهن أي ذو الوظيفة (والذي يحتوي على الشيفرة الوراثية) والمسؤول عن بناء وسل الإنسان، وفيها أي بواسطتها يُنسل الإنسان وكأنه (كنزة، جراب، طاقية صوف أو بلوزة)، فهذه الخلايا الإنسانية والتي تنسج الإنسان تبداها الحبكة الأولى أي الخلية الأولى والتي هي السلالة وبالتعريف القاموسي لسُلالةُ الشيء نأخذه من لسان حالنا أي (لسان العرب) وفيه: هو ما اسْتُلَّ منه، والنُّطْفة سُلالة الإِنسان؛ ومنه قول الشماخ: طَوَتْ أَحْشاءَ مُرْتِجَةٍ لوَقْتٍ، على مَشَجٍ، سُلالتُه مَهِينُ وقال حسان بن ثابت: فجاءت به عَضْبَ الأَدِيم غَضَنْفَراً، سُلالةَ فَرْجٍ كان غَيْر حَصِين. والسَّليل: الولد سُمِّي سَليلاً لأَنه خُلق من السُّلالة. والسُّلالة والسَّليل: الولد، والأُنثى سَليلة. النسل قيل الولد وهو ما سُل من السلالة. وقال الأَخفش: السُّلالة الوَلَد، والنُّطفة السُّلالة؛ وقد جعل الشماخ السُّلالة الماء في قوله: على مَشَجٍ سُلالَتُه مَهِينُ. وقال أَبو الهيثم: السُّلالة ما سُلَّ من صُلْب الرجل وتَرائب المرأَة كما يُسَلُّ الشيءُ سَلاًّ.

    إذن فالسلالة هي النطفة والتي عرّف الله عليها بنطفة (أمشاج) والتي هي مسؤولة عن خلق الإنسان وسله بكامل حُسن خلقه، والتي تحتوي طبيعتها المشج أي الخليط من ماء الرجل والمرأة معاً ليشكل مركب الـ دي إن إيه والذي أُستل منهما الإثنين ليُسل ويُجعل منه نسل جديد ويكون هو بالتحديد ما يحتاجه السليل ويتطلب نسله منه، وفي ذلك كان قوله تعالى،

    إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. سورة الإنسان 2 .

    وسنأتي على شرح النطفة الأمشاج بشكل أشمل في الجزء الثالث من خلق الإنسان ......
    أما بالنسبة لموضوع الماء المهين، فلقد وقع الكثير من علمائنا في الخطأ حين لجأوا للتعريف بالماء المهين على أنه ماء حقير وضعيف وذلك لأنه على العكس من ذلك تماماً، فلو تمعنا في قول الله تعالى (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) وأعتمدنا التفسير على أن الخصوصية هنا كانت بالتحديد للجنس الآدمي والذي يُحدثنا الله تعالى عن نسله، وتذكرنا خلق الله للبشر والذين خلقهم في أحسن تقويم، وركبهم بأحسن صورة، وعلمهم البيان وما لم يعلمون، وخلقهم بيده، ونفخ فيهم من روحه، وكرمهم، وفضلهم على الكثير من خلقه لعلمنا بأن الله لم يخلق البشر ماء حقير وضعيف، وبالتالي فإن علينا إعتماد الأصح من القول، فحسب (لسان العرب) فهو يخبرنا على العكس من ذلك: فالمَهْنَة والمِهْنَة والمَهَنَة والمَهِنَةُ كله: الحِذْق بالخدمة والعمل ونحوه، وحين نقول قامت المرأَة بِمَهْنةِ بيتها أَي بإِصلاحه، وكذلك الرجل، وما مَهْنَتُك ههنا ومِهْنَتُكَ ومَهَنَتُكَ ومَهِنَتُكَ أَي عَمَلُكَ، وقد مَهَنَ يَمْهُنُ مَهْناً إِذا عمل في صنعته، والفروقات واضحة وجليّة فيما بين ما هو مُهين وما هو مَهين، وهذا نأخذه من قوله تعالى،

    وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ. سورة الدخان 30 .

    ومعنى ذلك اي من العذاب الذليل والمخزي والحقير.

    وهذا يختلف عن وصف الماء المهين والذي في تفسيره نستعين بقول الله تعالى،

    وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. سورة القلم 10 .

    ومَهين هنا هي صفة للكاذب وكأن الكذب هو مهنته وإختصاصه.

    إذن فهو ماء ذو مهنة ووظيفة وتخصص، والماء المَهين هو صاحب الدور الوظيفي هنا والذي يحتوي من خلاله السلالة والتي هي ذات وظيفة محددة ومسؤولة عن خلق الإنسان وتكاثره، فكيف لأن تكون من ماء حقير وهذا الماء يحضر للوجود من كرمه الله وفضله، ومهنته الحمل لسلالة الدي إن إيه والتي تحمل الخارطة الوراثية المجهرية للإنسان كُلها، إن كل من سلالتي الطين والماء المهين لهم وظائف ومهن إمتهونا في عملية سِلِّهم (نسيجهم) لهذا الإنسان وهم أساس التكوين الإنسي وأصله وأبتداءه، فالسلالة تبقى على حالها سلالة سواء كانت طينية أو مائية، ولو حاولنا إستخلاصها من الماء لكان من غير الممكن أو حتى من الطين، ولا نعرف حتى كيف أو من اين نبدأ فنحن نعلم بأن من المستحيل تحصيل سلالة من الطين أو من الماء في أي من حالاته الثلاث في الطرق العادية، حتى تقدم العلم وتم إختراع المجهر والذي مكننا من رؤية الصفائح الطينية الدقيقة المكونة للطين ورؤية التكوين الخلوي للخلية المكونة للكائنات الحية.
    وللملاحظة فقط: إن معدل قطر كل من هذه الصفائح الطينية الدقيقة التي يتكون منها الطين هو ميكرون واحد أي مايكروميتر واحد ويساوي 0.000001 أو 1/1000000 من الميتر وهذا يساوي معدل قطر خلية الحيوان المنوي والتي هي أيضاً تساوي ميكرون واحد، ومضاعفة العدد لكل منهما يُبقي على التساوي بينهما .......... !!!
    إن تقنية المجهر والذي تم إختراعه في حوالي الـ 1590 ميلادي مكننا من البحث داخل تركيبتنا المجهرية ورؤية آية خلقنا والتي عجزالإنسان عن رؤيتها منذ أن خُلق، ومن خلاله تم التعرف على أول نسيج حي، وإكتشاف خلايا الدم والحيوان المنوي، والتعرف على المجهريات الدقيقة كالفيروسات والبكتيريا والميكروبات والجراثيم، وشجعنا في التعمق في دراسة وفهم البناء الخلوي للإنسان وعلى ماذا تحتوي الخلية وهي الوحدة التركيبية والوظيفية في الكائنات الحية وما تحتوي عليه من أجسام أصغر منها تسمى عضيات، مثل أجسام جولجي، وهناك أيضا النواة التي تحمل في داخلها الشيفرة الوراثية (الدنا: الـ ديه إن إيه) والمعروف أيضاً بالحمض النووي الذي تم إكتشافه عام 1953.

    وهنا نتذكر قول الله تعالى،
    سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. سورة فصلت 53 .

    ويربط الله في هذه الآية الكريمة بين كل من النظر في الآفاق والنظر في طيات النفس وذلك من إظهار الحق من خلال عظيم صنعه والذي لا يمكن للإنسان لأن يتوصل إليه من خلال مقدراته المتواضعة وحدود علمه القليل دون الإستعانة بالقدرات الذكيه وسلطان العلم الذين مكننّا من البحث في ما هو أعمق وابعد من حدود قدراتنا، فكان بأن إخترع العقل البشري ما يمكنه من ذلك، فأصبح الإنسان وعن طريق استعمال التلسكوبات والميكروسكوبات البصرية والتي تعتمد على حاسة البصر أي من خلال النظر مستخدماً قُدرات العين يبحث من خلالها على ما يؤكد على حقيقة الطرح القرآني إستناداً لقوله تعالى بت (سنُريهم) أي لما سيُريهم الله في أعماق تركيبة هذا الإنسان الخلوية والدقيقة وبالغة التعقيد والتي هي على الرغم من صغر حجمها كانت المسؤولة عن هذا البناء المتطور للكائن الحي البشريز فكانت النتائج العلمية الدقيقة ليست مبنية على الدراسات السطحية بل كما حدّث بها القرآن وهي في دراسة النفس، ودراسة النفس هي دراسة لبنة الأساس الحي والأصلي لهذا البناء الكامل والتي تبدأ به ومسؤولة عنه الخلية الواحدة ووحدة البناء الأولية، وكان قوله تعالى في غاية الدقة العلمية المتناهية والتي هي محكومة ومحصورة في القدرة على الرؤيا البصرية والمعنية بالعلوم المجهرية للبحث ( في أنفسهم ) أي في داخل النفس ورؤية محتواها الداخلي،

    وكان في ذلك قوله تعالى ( وفي الأرض آيات للموقنون. وفي أنفُسِكُم أفلا تُبصرون ) 20-21 الذاريات .

    فكان لابد من الإنسان من التحقيق فيها وليس بالشكل السماعي أو الغيبي أو القلبي بل وتحديداً البصري وذلك لكي يستيقن ويتأكد المبصر بنفسه لماهو عليه من الإعجاز، وصدق كلام الله ومخاطبته لهم وتحديده لمجالي البحث المستقبلي لبني البشر في الأنفس وفي الآفاق وكلاهما بإستخدام نعمة البصر والعقل. فنُريهم لا تعني فقط القدرة على الرؤية بل فهي تشمل على البرهان والإعجاز والعظمة فوضعنا أمام حقيقة رهيبة وهي دراسة التكوين الدقيق للإنسان في اقصى حدود المادة الدقيقة والمجهرية والتعرف على عظيم خلقه في أبعد حدود السماء والذي يُقدر حجمه وأبعاده ببلايين السنين الضوئية، وسنتكلم الآن عن التلسكوب البصري وسنؤجل البحث في التلسكوبات ومايختص بالبحث في الأفاق إلى حين أن نخوض في ذلك البحث فيما بعد، ولكن لماذا قدّم الله آيات الآفاق على أية النفس فهذا جوابه بسيط وفيه كان قوله تعالى،

    لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. سورة غافر 57 .

    لقد شهد العصر الحديث الظهور الملحوظ لعلم الهندسة الوراثية ودوره البارز في محاولات النسخ والتطويع الخلوي والتلاعب في الجزيئات التي تُكون البناء الداخلي للكائنات الحية، حيث وكان نتيجة تقدم التقنيات المجهرية الحديثة وتوفر الإمكانيات العلمية والمادية بأن أصبح من الممكن إعتماد تقنية البحث الخلوي والتي منها ماهو الإيجابي والذي يهتم بتحسين الحياة وتطويرها، ومنها ماهو السلبي والذي هو يعمل على نشر الفساد والهمجية واللاخلاق، والذي فيهم كان قوله تعالى والمنقول لنا عن وعيد الشيطان لهم،

    وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا. سورة النساء 119 .
    ونُضيف على ذلك تقبيح السيد المسيح عليه السلام في كتاب الإنجيل لهم والذي فيه كما هو منقول عنهم،
    الكتاب المقدس/ كتاب الإنجيل– يوحنا/الإصحاح الثامن/44 أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا.
    ونرى ذلك في عمليات التجميل وعمليات تغير الجنس للمثليين والشواذ وزراعة الوجوه والأطراف، وعمليات نقل الأجنة بأحد خطوات الإخصاب في المختبر (أطفال الأنابيب) وزرع العديد من الأجنة داخل رحم المرأة في آن واحد بقصد الحمل، والنتيجة الحصول على الحمل بالأربعة والخمسة وحتى الثمانية من الأجنة في نفس الوقت متجاهلين ما في ذلك تدني للمكانة البشرية وتشبيه أُلانثى من البشر التي كرّمها الله بأنثى الحيوان من القطط والكلاب، ونشهد أعمالهم الهدّامة من خلال صناعاتهم الحربية الجرثومية ومن خلال معالجاتهم للحوم والخضار بالهرمونات، ومحاولتهم الدائبة لنسخ الحيوانات، ومؤخراً إنتشار فكرة نسخ الإنسان، ومحاولة ترويج أعمال النسخ على أنها خلق تشبيهاً لأنفسهم بالخالق، ولكن تأتي الإجابة على كبرهم وجهلهم من السماء ومباشرة وقبل أن يشرعوا في هذه البحوث بل سبقتهم بأربعة عشر قرناً، ليذكرهم الله تعالى على ضُعف قدرتهم على خلق حتى الذباب فيقول العلي القدير،
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. سورة الحج 73 .

    والسبب في ذلك هو لوضوح كروموسومات الذباب، "والرجاء مراجعة موضوع تحدي خلق الذباب"، فإن لن يستطيعوا خلق الذباب فهل من الممكن لأن يخلقوا إنسان.

    فيقول الله تعالى (ذَ‌ٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) سورة غافر 62 .

    ويُذكرهم بأعمالهم المنكرة وعبادتهم لغيره من الطواغيت وخلقهم المزيف الكاذب فيقول سبحانه وتعالى،

    إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. سورة العنكبوت 17 .

    وخلاصة القول بأننا نؤمن بأن الله خلق كل شيء في أحسن خلق اي بالكيان والإحضار للوجود وذلك لأنه (أحسن الخالقين) كما أخبرنا عن نفسه، ولكن الله لم يبقي على ما خلق من دون أن يُدخل عليه التحسين والتجميل والتطوير فقال سبحانه وتعالى (الذي أحسن كل شيء خلقه - سجدة 7) وهذا يشمل على الخلق الإنسي والذي لم يُترك على ما كان عليه من بدائية وتخلف، فما كان ليبقي الله على هذا المخلوق الطيني على حاله دون ان يعالجه ويخضعه لمزيد من التحسين والإرتقاء والتعديل والإضافات، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الأشياء وتركها على ما هي عليه من الخلق ولكنه أدخل عليها التطوير والصقل والتنمية.

    ولقد تعددت الإشارات القرآنية على خلقنا والذي لم يكن عبثا، بل يرجع لسبب وحكمة لله وفيه،

    قال تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) سورة المؤمنون 115 .

    وكل ذلك نستمده من كتاب القرآن الكريم والذي هو كلام الله الصادق والذي لا عوج فيه وفي ذلك كان قول الله تعالى،

    قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. سورة الزمر 28 .










    فتح حساب فوركس اسلامي معنا المميزات و الخطوات
يعمل...
X