مصير العملات المرتبطة بالدولار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصير العملات المرتبطة بالدولار

    يشكّل الدولار محوراً اقتصادياً رئيساً للعديد من دول العالم. معظمها ربط عملته الوطنية به، ظناً أن عملة دولةٍ مثل الولايات المتحدة، تبقى صامدة، بسبب اقتصادها الأقوى في العالم. وباتت العملات المرتبطة بالدولار، تدورُ في فلكه، سواء دوراتٍ منتظمة أو إهليليجية، أو تتوالى في كسوف وخسوفٍ بحسب مسيرة الورقة الخضراء عديمة الاستقرار. وفي العامين الأخيرين، بدأ الدولار تراجعه التقهقري، ناقلاً معه أقماره من العملات اللصيقة به. هذه باتت تدفع خسارةً من قيمتها، توازي على الأقل الخسارة التي منيت بها العملة الأميركية، وأحياناً تزيدُ عنها، نظراً الى متانتها أو وهنها تجاه تلك العملة والعملات الرئيسة الأخرى. وهكذا تترقب المصارف المركزية في تلك الدول، مسيرة جنوح الدولار، ولا تعرف أن تأخذ إجراءً على صعيد قيمة صرف عملتها الوطنية.

    قلّةٌ من الدول، ولأسباب سياسية أو اقتصادية، فكت ارتباطها بعملة أميركا وربطتها بسلّة من العملات الرئيسة، من بينها الدولار، وركّبت عوامل تثقيل متكاملة، تختلف وتتوازن بحسب وزن كل عملة، فإذا تراجعت قيمة واحدة أو اكثر منها، عوضتها مكاسب العملات الأخرى غير الخاسرة.

    ولا يتوقف فعل انهيار الدولار أمام اليورو والين والجنيه الإسترليني، عند قياس القيمة السوقية لكل منها، بل إن ضعف هذه العملة، ونشاطها يشمل أكثر من 65 في المئة من اقتصادات العالم ، يجلب إلى تلك الاقتصادات مفاعيل التضخم الذي يقضم تحسّن النمو ويستهلك قيم العملات الوطنية. فالدولار الأميركي خسر منذ بداية 2006 ولغاية الآن نحو 20 في المئة من قيمته، منها سبعة في المئة خلال عام 2007.

    فعلُ التآكل هذا يُخفي وراءه لمعاناً مزيّفاً للاقتصاد العالمي، لا ينجلي إلا في المقارنة بين ما يحققه من نمو اسمي كبير، ورصيده النمو الحقيقي، أو ينعكس على المؤشرات الاقتصادية الرئيسة. فالنمو المسجل في فوائض الموازين التجارية لبعض الدول الكبرى التي تتعامل بالدولار، هو أدنى مما خسره الدولار في قيمته الفعلية، هذه السنة، ما يعني أن الفوائض تراجعت بقياس السعر الثابت. هذا التراجع ينسحب على الكتل المالية الأخرى، فالاحتياط المالي لدى المصارف المركزية، والودائع المحرّرة بالدولار التآكل، ولم تعد توازي في قيمتها فعل الزيادة التي حققتها ظاهرياً. فالاحتياط المالي في الصين، وإن بلغ تريليون دولار إنما هو بقي في مستوى ما كان في 2005 ، أي 800 بليون، والودائع المحرّرة بالدولار، في بلدٍ صغير مثل لبنان، فقدت من قيمتها أكثر من الزيادة التي حققتها في حجمها.

    واكثر ما يضيرُ في هذه الحال هو كتلة الأجور التي يتقاضاها العمال والموظفون، ولم تعد في مستوى القيمة التي كانت توازيها قبل أقل من عامين، أو منذ بداية السنة الحالية، إنها فريسة التضخم وضحيّة أسعار السلع الواردة من منطقة اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني والدولار الأسترالي أو الكندي، وغيرها. تآكلها هذا يتسبب في بؤس اجتماعي لا تقوى الدول على مواجهته بالتعويض عن الخسارة التي لحقت بالأجر. فباستثناء الدول المنتجة للنفط والمصدرة له، فإن الحكومات، وإن كانت قادرة على رفع سلّم الرواتب والأجور بمستوى الخسارة، أو التضخم الحاصل جرّاء ارتفاع الأسعار، فإنها لا تستطيع أن تلقي على القطاع الخاص ثقل تلك الزيادة، لأن هذا القطاع يدفع ثمناً باهظاً بارتفاع تكلفة الإنتاج، ما يحرمه من تحقيق الميزة التفاضلية المركبة من عنصري الجودة والثمن، ويعجز تالياً عن تحقيق النمو الفعلي المتوازن.

    وسواء جاء ارتفاع سعر النفط والمحروقات بفعل تراجع الدولار، أو نتيجةً لأسباب ثانية، فإنّه يرخي بثقله أيضاً على النمو العالمي. هذا النمو الواقع تحت ضغط الأزمات الاقتصادية التي تصدّرها أميركا أو تحت ضغط سعر النفط العالمي وسببه تناقص المخزون الأميركي والأعاصير المناخية صوب الدولة العظمى أو تلف تقنيات التكرير لديها، هذا النمو يتباطأ بفعل هذه الأزمات مجتمعةً. ولذا فإن ما يُصيب اقتصادات الدول بفعل تراجع سعر الدولار، يصيب، ايضاً، اقتصادات الدول ذات العملات القويّة الصاعدة تجاهه. فدول الاتحاد الأوروبي ذات الاقتصاد المتين تخشى تراجعاً في صادراتها وانكماشاً في نشاطها الاقتصادي يقلل من فرص العمل الجديدة.

    وإذا كانت الدول الأم صاحبة العملات الرئيسة، قادرة أن تستوعب نتائج انهيار سعر الدولار وارتفاع سعر النفط، وتعالج انعكاسات الأزمات الاقتصادية، فإن الدول الأكثر عرضةً للأزمات الاقتصادية وتلقي صدمات التضخم، هي الدول التي لا تتعامل بأي من تلك العملات. بل تربط عملتها بالدولار، وتشتري باليورو أو بالجنيه، فتستخدم عملة ضعيفة لتواجه دفق المنتجات والسلع من منشأ يتعامل بالعملات القوية. وتحدّد مؤشرات النمو لدى تلك الدول، باستثناء النفطي منها، اتجاهات العملة الأميركية مستقبلاً، والأرجح أنها ستعاني ضائقة اقتصادية تؤخرها عن مستوى توقعات معدلاتٍ جيدة للنمو. وستدفع تلك الدول ثمناً لإنتاجها الصناعي والزراعي، فلن يكون في مستوى التنافس، لأن المواد الأولية أو نصف المصنّعة أو التجهيزات الضرورية أو المنتجات الداخلة في عمليات الإنتاج مثل الأسمدة والمبيدات الزراعية، ستكون مرتفعة الأثمان قياساً إلى العملة الوطنية لكل بلد.

    إن عملية حسابية بسيطة، من تاريخ ربط الدول نقدها بالدولار الأميركي، تظهر إلى أي مدى كانت عملاتها الوطنية ضحيّة للعملة «العملاقة» في مسيرتها منذ ربع قرن، وكم هوت معها، بحيث أن عائدات النفط كلها، الفائضة عن احتياجات الدول المنتجة والمصدرة له، لا تزيد، في قيمتها الشرائية، عما كانت منذ ذلك التاريخ، إلا ما تحقق منها بزيادة الكمية

    لذا يبدو فك الارتباط بين العملات والدولار السبيل الأكثر ضماناً،
    شرط البحث عن سلة عملات متوازنة،
    أو اعتماد عملة موحّدة ضمن مناطق اقتصادية استراتيجية،
    تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي نموذجاً لها.:045:

  • #2
    رد: مصير العملات المرتبطة بالدولار

    إتش إس بي سي: العملات المرتبطة بالدولار تحت الضغط


    أقام مصرف «إتش إس بي سي» ورشة عمل خلال المؤتمر، تحدث فيها عن أزمات الرهن وأسواقها، مسلطاً الضوء على ضعف الدولار وتأثيراته السلبية في الاقتصادات، خصوصاً تلك المرتبطة فيه ارتباطاً وثيقاً، وكشف البنك عن ازدياد نسبة الشرق الأوسط من الرهون وأصبحت تشكل 9.4% من مجموع الشرق الأوسط وافريقيا، في حين انها كانت تشكل 7.6% في 2006، و4.5% في 2005. وأشار البنك إلى أن العملات المرتبطة بالدولار تعاني أكثر من تلك غير المرتبطة فيه.

    تعليق


    • #3
      رد: مصير العملات المرتبطة بالدولار

      ما شاء الله عليك دكتور موضوع اكثر من ممتاز وننتظر منك المزيد باذن الله تعالى

      تعليق


      • #4
        رد: مصير العملات المرتبطة بالدولار

        في ندوة نظمتها كلية الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز .. اقتصاديون يحذرون:
        العملات المرتبطة بالدولار ستواجه أياما "عصيبة "
        عبد الهادي حبتور وفايز الثمالي من جدة


        حذر اقتصاديون من أزمة وفقاعة جديدة يتوقع أن تعصف بالأسواق المالية العالمية تتمثل في مواجهة العملات المرتبطة بالدولار مأزقا صعبا جدا، خاصة في حال استمرار ارتباطها بالعملة الأمريكية التي يتوقع أن تسجل تراجعات كبيرة في المرحلة المقبلة.

        وأكد الاقتصاديو ن خلال اللقاء الذي نظمته كلية الاقتصاد والإدارة بالتعاون مع مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز انهيار الثقة بين المؤسسات المالية مع بعضها من جهة، وبينها وبين المستثمرين من جهة أخرى، موضحين أن نظام البنوك الاستثماري ة في أمريكا اختفى تماماً وتحولت هذه البنوك إلى مؤسسات عادية تستقبل الودائع فقط.

        وألمح الاقتصاديو ن إلى أن أثر الأزمة في الصناعة الإسلامية يأتي في سياق تأثر سائر الاقتصاد، وهو بقدر الاسترسال في المديونية، ومحاكاة الأدوات التقليدية في بعض البنوك الإسلامية، مشيرين إلى أن هناك فرصة ذهبية لإنشاء مؤسسات إسلامية للسلع ورأس المال يمكن أن تكسب ثقة الجمهور حول العالم.

        وكشف خبراء اقتصاديون أن أمريكا تحولت إلى أكبر منتج للديون في القرن الـ 21، بعد أن كانت أكبر منتج للسلع، مشيرين إلى أن الإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة الأزمة لا تعدو كونها تهتم بالمظهر متجاهلة الجوهر، كما يكتنف إدارتها كثير من الغموض ولها مضاعفات وأخطاء أهمها زيادة الديون، إلى تفاصيل اللقاء الذي أقيم أخيرا في جامعة الملك عبد العزيز في جدة:

        أوضح عمار شطا الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب في شركة الخبير للاستثمارا ت المالية أن النظام الرأسمالي مبني على الموجات التصحيحية، عكس النظام الإسلامي الذي يقوم على الملكية الواضحة، ولذلك كانت الفقاعات تأتي لتصحيح أوضاع النظام المتراكمة. وتابع شطا "حدث أول انهيار للأسواق عام 1929م، والفرق بين الأمس واليوم في التعامل مع الأزمة أن وزير الخزانة الأمريكي في ذلك الوقت رفض أي تدخل للحكومة في إنقاذ السوق وتركه ليصحح نفسه بنفسه، ولهذا كانت هناك مجاعة وفقر وانتكاسات حدثت في ذلك الحين، أما اليوم كما نرى هناك توجه وتدخل قوي من قبل الحكومات لإنقاذ أسواقها".

        وأكد شطا أن المؤسسات المالية في المنطقة ما زالت تعاني إشكالية عدم الإفصاح عن استثماراته ا وماهيتها، لافتاً إلى أن بناء المدن الاقتصادية مسألة تحتاج إلى إعادة نظر في الوقت الراهن، فبدلاً من بنائها في ثلاث سنوات يمكن أن نقوم ببنائها في 15 سنة حتى نمتص الأزمة، إضافة إلى أن القطاع الخاص في الخليج يبني مشاريع عقارية حالياً بما يقارب 300 مليار دولار وهو رقم ضخم لا يمكن أن يصمد أمام الكارثة الاقتصادية .

        بدوره تطرق الدكتور سامي بن إبراهيم السويلم الخبير الاقتصادي في البنك الإسلامي للتنمية إلى معالم الأزمة حيث أشار إلى أنها الأسوأ خلال 100 سنة، خسرت فيها أسواق رأس المال أكثر من 20 تريليون دولار منذ مطلع العام، كما فقدت المؤسسات المالية نحو ثلاثة تريليونات دولار منذ بداية الأزمة، وأدت إلى إفلاس كثير من مؤسسات القطاع الحقيقي.

        وبالأرقام يفند السويلم معدلات النمو السنوية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1976 إلى 2007م حيث بلغ معدل الدين 36 في المائة، فيما الناتج المحلي 20 في المائة، والكتلة النقدية 17 في المائة، ويضيف الدكتور سامي "إذا ما حسبنا نسبة الدين إلى الناتج المحلي نجدها قد ارتفعت من 1.2 إلى 2.2 في المائة، ونسبة الدين إلى الكتلة النقدية ارتفعت من 2.2 إلى 4.2 في المائة".

        وأكد السويلم أن المشتقات تشبه إلى حد كبير (أكبر كازينو في العالم) حسب وصف الأمريكيين أنفسهم لها، وتشترك هذه المشتقات مع الكازينو في غياب القيمة المضافة، لكن المشتقات أسوأ من خلال غياب التنظيم وترابط اللاعبين فيها، إضافة إلى استخدام أموال الآخرين في نشاطها، وهو ما تنتج عنه خسائر مضاعفة على الاقتصاد بشكل عام.

        وأشار السويلم إلى أن التمويل الإسلامي يربط نمو المديونية بنمو الثروة، ويمنع المبادلات الصفرية، وهو ما يحول دون نشوء الهرم المقلوب، كما أن التمويل الإسلامي يتمتع بأثر اقتصادي أخلاقي يتمثل في (إنظار المعسر).




        أما الدكتور خالد البسام الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة والمستشار الاقتصادي في غرفة جدة فقد أوضح أن أهم تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد العالمي تتركز في تراجع التوقعات بشأن النمو الاقتصاد العالمي في العام الجاري 2008 ليصل إلى 1.5 في المائة وهو نمو مساو لنظيره في العام الماضي 2007، ولن يكون هناك نمو فعلي في 2008، ويضيف البسام "كما تعرض عديد من البنوك حول العالم خصوصاً في آسيا وأوروبا لخسائر بسبب الأزمة، وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار مخاوف من الإقراض، وتراجع معدلات تقديم الائتمان حول العالم".

        وأكد البسام أن الصين ليست بمنأى عن تأثير الأزمة العالمية، وذلك لأن الصين تصدر نحو 12 في المائة من صادراتها إلى الولايات المتحدة. وعن تأثير الأزمة في القطاع المصرفي السعودي، أعاد الدكتور خالد التأكيد على أن القطاع البنكي السعودي يتمتع بدرجة عالية من السيولة وهو ما تؤكده معايير السيولة للبنوك السعودية، الأمر الذي يجعلها من بين أكثر البنوك في العالم تمتعاً بمستوى عال من السيولة، وما يؤكد ذلك نمو القروض الممنوحة للقطاع الخاص بشكل مطرد، إضافة إلى تنامي موجودات البنوك السعودية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي.

        وتابع البسام "الأمر الآخر الذي يؤكد عدم وجود تأثير مباشر في القطاع المصرفي السعودي هو أن نسبة الموجودات الأجنبية إلى إجمالي الموجودات للبنوك السعودية مجتمعة بلغت ما يقارب 12 في المائة في تموز (يوليو) 2008، كما أن نسبة استثمارات البنوك السعودية في الخارج إلى إجمالي موجوداتها المحلية بلغت 6 في المائة في تموز (يوليو) 2008، وهو ما يؤكد أن معظم الأنشطة المالية والاستثمار ية للبنوك السعودية توجه إلى داخل المملكة لمواكبة النمو المتسارع للأنشطة الاقتصادية في الاقتصاد السعودي منذ بداية العقد الحالي".






        تعليق


        • #5
          رد: مصير العملات المرتبطة بالدولار

          الركود في سعر صرف الدولار ينعكس سلباً على سعر صرف الريال تجاه العملات الرئيسية الأمر الذي يساهم في استمرار الضغوط التضخمية في الاقتصاد السعودي".

          تعليق


          • #6
            ارتفاع معدلات التضخم بشكل لم نشهده منذ أكثر من ثلاثة عقود.

            جاء وقت الدفع .. وحسبنا الله ونعم الوكيل!

            تدخلت الحكومات، وأنقذت كل نصاب وغشاش ومستهتر بحجة إنقاذ الاقتصاد العالمي من الوقوع في "الكساد الكبير". هذا التدخل لم يكن مجانياً، لقد جاء وقت الدفع، وستقوم البشرية جمعاء بدفع ثمن التدخل الحكومي عن طريق ارتفاع معدلات التضخم بشكل لم نشهده منذ أكثر من ثلاثة عقود. نعم عزيزي القارئ، أشعر بالأسى وأنا أخبرك بأنك ستدفع الثمن خلال الأعوام المقبلة، فقد "ضرب الفأس بالرأس"، والتضخم قد وصل، و ليس هناك من حل. وإذا كنت من مؤيدي الإعانات، فإنك ستجد أن التضخم بدأ يأكلها أيضاً، وإذا كنت من مؤيدي إعانات البنزين، فإن الارتفاع المستمر في أسعار النفط يعني تضخم الفرق بين السعر المحلي والسعر العالمي، الأمر الذي سيؤدي إلى اختفاء البنزين. ما فائدة إعانات البنزين إذا كان المواطن لا يستطيع الحصول على البنزين؟ كم السعر الذي تدفعه للحصول على البنزين إذا اختفى البنزين؟ هل هذه مجرد احتمالات؟ لننظر إلى واقع الكهرباء في بعض المناطق لكي نوقن بأن ما حصل للكهرباء يمكن أن يحصل للبنزين.
            لا بد لأسعار النفط أن ترتفع على المديين المتوسط والبعيد، وذلك لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها كلها الآن. ورغم توقع ارتفاع أسعار النفط إلا أنها لن تتجاوز 100 دولار، وإذا حصل ذلك الارتفاع فإنه سيكون لفترة قصيرة جداً، وذلك لأسباب عدة منها وجود طاقة إنتاجية فائضة في بعض دول "أوبك" سيتم استخدامها للحفاظ على مستوى أسعار متوسطها 75 دولارا للبرميل، واستعداد إدارة أوباما لاستخدام الاحتياطي الاستراتيجي إذا ارتفعت الأسعار بشكل كبير، وكون الاقتصاد العالمي، حتى بعد الانتعاش، أصغر مما كان عليه عام 2007 أو النصف الأول من عام 2008.
            إلا أننا مقدمون على فترة جديدة ميزتها الأساسية معدلات تضخم مرتفعة في شتى أنحاء العالم، بما في ذلك دول الخليج. وسينتج عن ارتفاع معدلات التضخم أمور كثيرة منها انخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وارتفاع أسعار النفط والذهب والمعادن الأساسية، وانخفاض الدخول الحقيقية للأفراد في أغلب دول العالم، خاصة في دول الخليج. مشكلة التضخم في دول الخليج ستكون أسوأ من مشكلات التضخم في الدول الأخرى وذلك لسببين رئيسين: الأول ميول الناس والشركات في دول الخليج لاستهلاك النوعيات الرخيصة والرديئة، والآخر انخفاض الإنتاجية بسبب ميول أغلب الشركات الخليجية إلى تقليص العمالة بناء على الرواتب وليس على الكفاءة.
            لتوضيح السببين، لا بد من ضرب بعض الأمثلة. يمكن للشخص أن يشتري حذاء إيطاليا أصليا بمبلغ 300 ريال يمكن أن يدوم عامين مثلاً، أو يشتري حذاء رخيصا غير معروف الأصل بـ 30 ريالا ويبقى شهرين. هذا يعني أن الشخص سيشتري 12 حذاء خلال سنتين بمبلغ 360 ريالا. الخسائر هنا من شراء الأحذية الرخيصة ليست 60 ريالا فقط (الفرق بين 300 ريال سعر الحذاء الإيطالي و360 ريال سعر الأحذية الرخيصة على مدى عامين)، وإنما تكاليف الوقت اللازم وتكاليف المواصلات للذهاب للسوق 11 مرة إضافية. المشكلة أن بيانات الحكومة ستقيس التضخم بناء على تغير سعر الحذاء، و ليس على تكاليف لبس الحذاء على مدار العام. باختصار، البيانات الحكومية تقلل التضخم الحقيقي، خاصة إذا زادت نسبة الناس التي تتحول من شراء السلع الأصلية إلى السلع المقلدة مع ارتفاع الأسعار. الأمر نفسه ينطبق على قطع غيار السيارات, حيث نجد أن التكاليف النهائية على المستهلك أعلى مما تظهره بيانات التضخم الرسمية. ويمكن تطبيق الفكرة نفسها على كل ما نشتريه. هذه الظاهرة تفسر شك بعض الناس في معدلات التضخم الرسمية حيث يحسون أنهم مهما فعلوا فإن رواتبهم لا تكفيهم.
            المشكلة في دول الخليج أن فكرة البحث عن الرخيص لا تقتصر على السلع، وإنما تمتد إلى البشر أيضاً. فهناك أسباب عديدة للتضخم، ومن أهمها انخفاض معدلات كفاءة العمل ورأس المال. وتشير بيانات اليونيدو إلى أن معدلات الكفاءة في دول الخليج من الأقل في العالم، وتنخفض باستمرار، بينما ترتفع هذه المعدلات بشكل شبه مستمر في الدول الصناعية والناشئة. ويبدو أن أحد أسباب انخفاضها في دول الخليج هو البحث عن العمالة الرخيصة دائما، بغض النظر عن الإنتاجية. وعادة ما تلجأ الشركات والقطاع الحكومي إلى تخفيض التكاليف عن طريق إلغاء وظائف الموظفين ذوي الرواتب المرتفعة، بغض النظر عن الكفاءة. هذا يعني أن أغلب الشركات تنتهي دائما بالعمالة الرخيصة ذات الإنتاجية المنخفضة. عمالة رخيصة وإنتاجية منخفضة يعني في النهاية ارتفاع تكاليف الوحدة المنتجة، الذي يسهم بدوره في رفع معدلات التضخم, كما يسهم أيضا في فقد الشركات قدراتها التنافسية، وقدراتها على النمو والتحسين و التطوير.
            إن دراسة عامة لمختلف الدول توضح أن موضوع الميل لشراء الأشياء الرخيصة و المقلدة، وتوظيف العمالة الرخيصة أصبح ظاهرة كبيرة في الخليج، بدليل حجم التجارة في هذه السلع وتضاعفها في السنوات الأخيرة من جهة، وتزايد العمالة الرخيصة غير الماهرة وانخفاض نسبة الخبراء العالميين من جهة أخرى.
            وقبل أن يستنتج البعض أن سبب التضخم في الخليج هو انخفاض الدولار، أذكرهم بأن البيانات تشير إلى انفصال العلاقة بين التضخم في الخليج وقيمة الدولار منذ صيف عام 2005. ولكن مع انخفاض الدولار خلال الشهور القادمة ستعلو أصوات كثيرة مطالبة مرة أخرى بفصل العملات الخليجية عن الدولار، وسيتجدد الحوار مرة أخرى. وهنا لا بد من ذكر حقيقة واضحة وهي أن هناك أموراً اقتصادية فيها طرفان، وهذان الطرفان لن يتفقا مهما كانت أدلة الطرف الآخر، منها ربط الريال بالدولار وعلاقة التضخم بربط العملات الخليجية بالدولار، والإعانات الحكومية، وسبب الأزمة المالية الحالية، ودور المضاربات في رفع أسعار النفط، وبلوغ إنتاج النفط العالمي ذروته. لذلك فإن أي حوار في هذا المجال هو لكسب بعض القراء لطرف ما، وليس لإقناع الطرف الآخر.
            التضخم وأسعار النفط
            سيؤدي التضخم إلى رفع أسعار النفط من ناحيتين: الأولى أن التضخم سيؤدي إلى انخفاض الدولار، وهناك علاقة عكسية بين قيمة الدولار وأسعار النفط تم توضيحها بالتفصيل في مقالات سابقة، والذين يرغبون في قراءتها يمكنهم مراسلتي إلكترونيا وسأرسلها لهم. باختصار، انخفاض الدولار يخفّض المعروض ويزيد الطلب، وبالتالي يؤدي إلى رفع أسعار النفط. مفهوم العلاقة بين قيمة الدولار وأسعار النفط ليس جديدا على كثير ممن تابعوا الأحداث في أسواق النفط في السنوات الأخيرة.
            الجديد في الأمر أن ارتفاع معدلات التضخم حول العالم، مصحوبا بانخفاض الدولار، سيؤدي إلى تغير العلاقة التاريخية بين مستويات المخزون التجاري وأسعار النفط. فمع ارتفاع مستويات التضخم وانخفاض الدولار يلجأ المستثمرون إلى الاستثمار في السلع، مثل النفط والذهب والفضة والنحاس وغيرها، والعقارات مثل الأراضي والمباني والأسواق. وبما أن قطاع العقارات غير مرغوب كثيرا في الوقت الحالي في أوروبا وأمريكا، فإن التركيز سيكون على السلع، خاصة النفط والذهب والفضة. الحديث هنا ليس عن المضاربات في الأسواق المستقبلية، بل عن المستثمرين الذي يشترون النفط ويخزنونه ليبيعوه فيما بعد بسعر أعلى، وتحقيق أرباح من فرق السعر، أو على الأقل للمحافظة على ثروتهم من التآكل الذي يمكن أن يصيبها بسبب التضخم.
            يترتب على ما سبق أمور مهمة منها تغيير سياسة "أوبك" لأن أسعار النفط سترتفع حتى لو لم ينخفض المخزون إلى مستوياته التاريخية. فالتضخم يستلزم مستوى أعلى من المخزون، وقد ترتفع الأسعار حتى مع ارتفاع مستويات المخزون. بناء على ذلك فإن على "أوبك" أن تزيد الإنتاج مجرد انخفاض مستويات المخزون التجاري إلى 56 يوما من استهلاك الدول الصناعية بدلا من 52 يوما التي تستهدفها "أوبك".
            ختاما، قد يتساءل البعض عن أسباب التضخم الذي بدأ يجتاح العالم وسيستمر في الفترات المقبلة. السبب هو التدخل الحكومي الرهيب الذي نتج عنه إنفاق كميات هائلة من الأموال بحجة "إنقاذ" الاقتصاد العالمي، والتدخل الحكومي الذي أجبر بطريقة أو بأخرى البنوك المركزية على تبني سياسات مالية زادت عرض النقود بشكل خيالي. عندما تتضاعف أسعار بعض السلع في البقالات والأسواق خلال العامين المقبلين، لا يسعنا إلا أن نقول لكل مؤيدي التدخل الحكومي: البشرية بدأت تحصد ما زرعتم، وحسبنا الله ونعم الوكيل!

            تعليق


            • #7
              رد: مصير العملات المرتبطة بالدولار

              اخبار قويه و مواضيع جدا رائعه
              بارك الله فيك اخي
              تحياتي
              بسم الله ما شاء الله , لا حول و لا قوه الا بالله

              تعليق

              يعمل...
              X