الخوف والطمع
بالامس احد معارفي ممن يتتبعون اخبارنا ويهتمون لقراءة ما ننشر على موقعنا من توقعات
وتحليلات .
بادرت الى سؤاله عن حاله وبالطبع عن تجارته . قال : جيدة ، - واخاله ابتسم اذ قال ذلك -حققت
هذا الشهر 20% ربحا ، لكنني ، اعمل الان بحساب تجريبي .
ادركت للتو فطنة صاحبي وعمق معرفته رغم كونه لا يزال في المعركة الاولى والاسهل .
عنيت المعركة التجريبية ، او التدرب على المعركة الحقيقية .
نعم ايها الاخوة . ان العمل بحساب تجريبي ، يختلف كثيرا او قليلا عن العمل بحساب عادي ،
وذلك تبعا لشخصية المتعامل ، وتكوين نفسيته ، وقدرته على تحمل الصدمات والانفعالات ،
وطريقة تفاعله مع المفاجآت المتوقعة منها وغير المتوقعة .
ارى الفرق بين متعامل بحساب تجريبي ، ومتعامل بحساب حقيقي ، كالفرق بين ممثل يلعب دور
محارب بطل في واحد من الافلام السينمائية ، وبين محارب بطل يخوض غمار المعركة الحقيقية
ن وسط السنة اللهب ورائحة البارود . ففي حين ان الاول يحتال في اظهار رجولته ، وقد يكون
في واقع الامر جبانا رعديدا يخشى ظل اذنيه ان رآهما في عتمة المساء ؛ اذا بالآخر يخوض
صراعا حيا ، حقيقيا ، مصيريا ؛ بين الحياة والموت ، بين الزوال والبقاء ، بين الربح والخسارة .
الاول ممثل يا اخواني والثاني بطل .
الاول يلعب الدور، وما اسهل ان نلعب الادوار ؛ والثاني يعيش المعركة ، وما اقسى ان نعيش
المعارك .
الاول يتفرج على ما يحصل في بقاع عالمنا الملتهبة ويتسلى بنقل شخوص الشطرنج . والثاني
يواجه خصما جبارا عنيدا بارادة القاتل او المقتول .
نعم ، صدقني صديقي ؛ هي ارادة القاتل او المقتول .
في هذه المعركة ، ان لم تقتل فستُقتل . لان كل فلس تربحه ، انما انتزعته من آخر قد خسره .
من السهل على صاحبنا المجرب كما على صاحبنا الممثل ان ينتصر في المعركة على مشاعر
الخوف والطمع التي لا بد ان تنتابه ، فهو يعرف ان المعركة وهمية ، مصطنعة . وهو يوقن ان
الخطر يكمن في آلة التصوير لا في سلاح العدو المتربص .لذلك تراه يشتري صفقته ،ثم ينصرف
الى ارتشاف قهوته وهو ويتمتع برؤية السعر يجري لمصلحته ، او يأمل بكل برودة اعصاب ان
يميل لمصلحته ان هو سار في المرحلة الاولى عكس ما يشتهي .
وان عاند السوق واصر على المعاكسة ، فهو يعلم ان الصفعة لن تكون باي حال اشد ايلاما من
صفعة الافلام السينمائية التي لا تكاد تلامس الوجه حتى ترتد الى الوراء تاركة للموسيقى امر
ايهام المشاهد بقوة اندفاعها .
اما المتعامل الحقيقي ، لاسيما المبتدئ ن فهو ما ان يدخل في السوق حتى يشعر بمئات آلاف
الانياب المكشرة من كل صوب ، ينظر الى الكنز الذي منى نفسه به ، يشد عزيمته ، يقرر الصمود
، يحاول ان يتلهى بفنجان قهوة ، يقرر عدم التطلع الى جهاز الكمبيوتر لفترة ، يحاول ذلك ،
يفشل ، يشعر بقشعريرة يصعب تحملها .
يسأل نفسه : ما العمل ؟ سرعان ما يجد الجواب . السوق يميل لمصلحته . هما نقطتان ، ثلاث ،
اربع نقاط ربحا . يا لحظي ! آخذها وأهرب . يبيع صفقته ، ويشمر عن ساقيه ، ويترك الحلبة
تبكي على نفسها .
بعد هنيهة يجلس صاحبنا امام الشاشة متفرجا ، لا مشاركا في المعركة . الان قد هدأت نوبة
الاعصاب ، فاذا به يتمنى ان ينخفض السوق ، وهو الذي كان منذ لحظة يتضرع الى الله ليرتفع
السعر فيجني منه الربح .
ولكن السوق يتابع الارتفاع ، 20 نقطة ربحا ، 50 نقطة ، قف ايها اللعين ! عد الى الوراء !
خذني معك ! ولكن القطار لا يتوقف الا على المحطة . والمحطة تكون على مسافة 150 نقطة لو
ان الاعصاب صمدت ولم يهرب صاحبنا من السوق .
اجل التخطيط للمعركة كان جيدا ، توقيت البداية كان جيدا ، الحصان كان من افضل ما وجد ، ولكن
المقاتل كان جبانا . لقد هرب عند بداية المعركة .
وان لم يحصل ذاك ، اخي المقاتل ، فقد يحصل هذا :
اخطط للصفقة ، ادرسها جيدا ، ادخل في السوق ، انتظر قليلا ، يجري الامر بعكس ما اشتهي .
ما العمل ؟ 20 نقطة خسارة ، 50 نقطة ، لا لن ابيع سانتظر ، 70 نقطة .
يا الهي ، ما العمل ؟
700 دولارا ! هي ثلث حسابي ! لا لن اسمح لهؤلاء الاوغاد ، لن اترك هؤلاء العلوج يقضون
علي . سأنجو بنفسي .
سأخرج من السوق باي ثمن .
وأخرج من السوق ، واذا بالعاصفة تهدأ في داخلي . واذا بالعاصفة تهدأ في السوق ايضا .
فاجلس انا لالتقاط انفاسي . ويجلس السوق ايضا ، كانما لالتقاط انفاسه .
ثم وبعين ملؤها الشماتة والخبث ، اراه ينظر الي ، يستأذنني ، يستدير ، ويعود الى حيث كان .
ايه ! اي مغفل انا ! لو انني لم ابع ! لما خسرت شيئا .
ولكن التمني لا ينفع شيئا .
هناك حقيقة لا بد من الاعتراف بها . وانا لا استطيع تغيير شيء فيها . لقد بعت ، وخسرت ،
وانهزمت .
لقد ربح غيري ، ولا يبقى لي الا انتظار المعركة التالية .
نعم اخي المبتدئ . لا بد ان تواجه مواقف كهذه .كن متيقظا . حضر لكل مقام مقال . وليوفقك الله
الى ما فيه خيرك
بالامس احد معارفي ممن يتتبعون اخبارنا ويهتمون لقراءة ما ننشر على موقعنا من توقعات
وتحليلات .
بادرت الى سؤاله عن حاله وبالطبع عن تجارته . قال : جيدة ، - واخاله ابتسم اذ قال ذلك -حققت
هذا الشهر 20% ربحا ، لكنني ، اعمل الان بحساب تجريبي .
ادركت للتو فطنة صاحبي وعمق معرفته رغم كونه لا يزال في المعركة الاولى والاسهل .
عنيت المعركة التجريبية ، او التدرب على المعركة الحقيقية .
نعم ايها الاخوة . ان العمل بحساب تجريبي ، يختلف كثيرا او قليلا عن العمل بحساب عادي ،
وذلك تبعا لشخصية المتعامل ، وتكوين نفسيته ، وقدرته على تحمل الصدمات والانفعالات ،
وطريقة تفاعله مع المفاجآت المتوقعة منها وغير المتوقعة .
ارى الفرق بين متعامل بحساب تجريبي ، ومتعامل بحساب حقيقي ، كالفرق بين ممثل يلعب دور
محارب بطل في واحد من الافلام السينمائية ، وبين محارب بطل يخوض غمار المعركة الحقيقية
ن وسط السنة اللهب ورائحة البارود . ففي حين ان الاول يحتال في اظهار رجولته ، وقد يكون
في واقع الامر جبانا رعديدا يخشى ظل اذنيه ان رآهما في عتمة المساء ؛ اذا بالآخر يخوض
صراعا حيا ، حقيقيا ، مصيريا ؛ بين الحياة والموت ، بين الزوال والبقاء ، بين الربح والخسارة .
الاول ممثل يا اخواني والثاني بطل .
الاول يلعب الدور، وما اسهل ان نلعب الادوار ؛ والثاني يعيش المعركة ، وما اقسى ان نعيش
المعارك .
الاول يتفرج على ما يحصل في بقاع عالمنا الملتهبة ويتسلى بنقل شخوص الشطرنج . والثاني
يواجه خصما جبارا عنيدا بارادة القاتل او المقتول .
نعم ، صدقني صديقي ؛ هي ارادة القاتل او المقتول .
في هذه المعركة ، ان لم تقتل فستُقتل . لان كل فلس تربحه ، انما انتزعته من آخر قد خسره .
من السهل على صاحبنا المجرب كما على صاحبنا الممثل ان ينتصر في المعركة على مشاعر
الخوف والطمع التي لا بد ان تنتابه ، فهو يعرف ان المعركة وهمية ، مصطنعة . وهو يوقن ان
الخطر يكمن في آلة التصوير لا في سلاح العدو المتربص .لذلك تراه يشتري صفقته ،ثم ينصرف
الى ارتشاف قهوته وهو ويتمتع برؤية السعر يجري لمصلحته ، او يأمل بكل برودة اعصاب ان
يميل لمصلحته ان هو سار في المرحلة الاولى عكس ما يشتهي .
وان عاند السوق واصر على المعاكسة ، فهو يعلم ان الصفعة لن تكون باي حال اشد ايلاما من
صفعة الافلام السينمائية التي لا تكاد تلامس الوجه حتى ترتد الى الوراء تاركة للموسيقى امر
ايهام المشاهد بقوة اندفاعها .
اما المتعامل الحقيقي ، لاسيما المبتدئ ن فهو ما ان يدخل في السوق حتى يشعر بمئات آلاف
الانياب المكشرة من كل صوب ، ينظر الى الكنز الذي منى نفسه به ، يشد عزيمته ، يقرر الصمود
، يحاول ان يتلهى بفنجان قهوة ، يقرر عدم التطلع الى جهاز الكمبيوتر لفترة ، يحاول ذلك ،
يفشل ، يشعر بقشعريرة يصعب تحملها .
يسأل نفسه : ما العمل ؟ سرعان ما يجد الجواب . السوق يميل لمصلحته . هما نقطتان ، ثلاث ،
اربع نقاط ربحا . يا لحظي ! آخذها وأهرب . يبيع صفقته ، ويشمر عن ساقيه ، ويترك الحلبة
تبكي على نفسها .
بعد هنيهة يجلس صاحبنا امام الشاشة متفرجا ، لا مشاركا في المعركة . الان قد هدأت نوبة
الاعصاب ، فاذا به يتمنى ان ينخفض السوق ، وهو الذي كان منذ لحظة يتضرع الى الله ليرتفع
السعر فيجني منه الربح .
ولكن السوق يتابع الارتفاع ، 20 نقطة ربحا ، 50 نقطة ، قف ايها اللعين ! عد الى الوراء !
خذني معك ! ولكن القطار لا يتوقف الا على المحطة . والمحطة تكون على مسافة 150 نقطة لو
ان الاعصاب صمدت ولم يهرب صاحبنا من السوق .
اجل التخطيط للمعركة كان جيدا ، توقيت البداية كان جيدا ، الحصان كان من افضل ما وجد ، ولكن
المقاتل كان جبانا . لقد هرب عند بداية المعركة .
وان لم يحصل ذاك ، اخي المقاتل ، فقد يحصل هذا :
اخطط للصفقة ، ادرسها جيدا ، ادخل في السوق ، انتظر قليلا ، يجري الامر بعكس ما اشتهي .
ما العمل ؟ 20 نقطة خسارة ، 50 نقطة ، لا لن ابيع سانتظر ، 70 نقطة .
يا الهي ، ما العمل ؟
700 دولارا ! هي ثلث حسابي ! لا لن اسمح لهؤلاء الاوغاد ، لن اترك هؤلاء العلوج يقضون
علي . سأنجو بنفسي .
سأخرج من السوق باي ثمن .
وأخرج من السوق ، واذا بالعاصفة تهدأ في داخلي . واذا بالعاصفة تهدأ في السوق ايضا .
فاجلس انا لالتقاط انفاسي . ويجلس السوق ايضا ، كانما لالتقاط انفاسه .
ثم وبعين ملؤها الشماتة والخبث ، اراه ينظر الي ، يستأذنني ، يستدير ، ويعود الى حيث كان .
ايه ! اي مغفل انا ! لو انني لم ابع ! لما خسرت شيئا .
ولكن التمني لا ينفع شيئا .
هناك حقيقة لا بد من الاعتراف بها . وانا لا استطيع تغيير شيء فيها . لقد بعت ، وخسرت ،
وانهزمت .
لقد ربح غيري ، ولا يبقى لي الا انتظار المعركة التالية .
نعم اخي المبتدئ . لا بد ان تواجه مواقف كهذه .كن متيقظا . حضر لكل مقام مقال . وليوفقك الله
الى ما فيه خيرك
تعليق