وإذا فارقت المرأة حصنها،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وإذا فارقت المرأة حصنها،

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
    فقد أطلعني أخي الكريم الشيخ أبوعبدالرحمن إبراهيم الأزرق على بحثه الموسوم بـ (الاختلاط بين الواقع والتشريع) فألفيته بحثاً قيماً، عالج فيه قضية من أهم القضايا الشرعية الاجتماعية المتجددة، فإن موضوع المرأة أصبح الشغل الشاغل لأعداء الله والملة، يحاولون أن ينفذوا من خلاله إلى هدم مقوم من أهم مقومات بناء كيان الأمة. حيث إن المرأة المؤمنة تمثل ركيزة مهمة في بناء الأسرة المستقرة، فهي التي تُخرج الأجيال، وتُعد الأبطال لمواجهة أعداء الملة والإنسانية.


    ولقد كانت أول فتنة بني إسرائيل في النساء، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ثم كان الهلاك والبوار، وأعداء الله من اليهود والنصارى وإخوانهم من منافقي هذه الأمة يريدون أن يسروا بنا حيث سار أولئك، حذو القذة بالقذة، ولذلك أثاروا الشُبه، وبثوا الأراجيف، واختلقوا الدعاوى، وقد أصغى إليهم فئام من الناس -رجالاً ونساء- فانخدعوا بحبائلهم، وتأثروا بأساليبهم، وصدقوا خصوماتهم.
    ومن أبرز تلك المسائل ما يتعلق بقرار المرأة في بيتها، حيث سعوا بجد ونشاط، ودَأَبٍ لا يعرف الكلل، من أجل إخراج المرأة من حصنها المنيع، وقاعدتها الحصينة، طمعاً في أن يتحقق لهم بذلك مناهم، ويظفروا بمبتاغهم، و"إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".


    وإذا فارقت المرأة حصنها، فقد سعت من حيث تدري أو لاتدري إلى حتفها، إلاّ إذا كان ذلك لضرورة أو حاجة لاغنى لها أو لأمتها عنها، مع تحري اليقظة والستر والحذر، وسرعة الأوبة إلى البيت والمستقر، لأن ذلك هو الأصل، كما تقرر في كتاب الله الفصل: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ) (الأحزاب: من الآية33).
    ولقد أجاد أبوعبدالرحمن وأفاد، وعرض الموضوع بأسلوب علمي راق، يخاطب العقل والعاطفة، يورد الأدلة ويرد على الشبهة دون إطناب مُمِل أو إيجاز مُخل.


    نفع الله بعلمه، وسدده وهداه، وبَلّغه في الخير مناه، وصلى الله وسلم على الحبيب المصطفى –محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
    وكتب/ ناصر بن سليمان العمر
    الشرقية – السبت 16/12/1424

    مقدمة :
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).


    وبعد، فإن نساء المسلمين في الصدر الأول، كُنّ درراً مصونة، ولآلئ مكنونة، غير ولجّات خرّاجات، وإن خرجن للحاجات، فهن العفيفات المتحفظات، وهكذا كانت نساء العرب أُنُفاً، وفي "المفضليات" قول الشنفرى:


    لقد أعجبـتني لاسَقُوط قِناعها إذا مشـت ولا بذات تَلَفُّـتِ
    كَأَّنَ لها في الأرض نَسياً(1) تقُصُّه على أَمِّها وإنْ تُكلِّمْكَ تَبْـلِتِ




    وهذا أبو قيس بن الأسلت –مختلف في صحبته- يمدح إحداهن فيقول:


    تشتاقها جـاراتها فَيَزُرْنهَا وتَعـتَلُّ عن إتيانهن فَتُـعْذَرِ
    وليس لها أن تستهين بجارةٍ ولكنّها مِنهنّ تَحْـيَا وتَخفُرِ




    ثم جاء الإسلام وتمم مانقص، فسجل التاريخ لنساء الإسلام في العهد الأول، نزاهة ذادت مرؤة رجالها عنها طير الرِيَب، وعلى مِنْوال أولئك السابقين الأولين، كانت عصور التابعين والأئمة المرضيين. ولاتحسبنَّ التمدح بالقرار ونبذِ مخالطة الرجال، كان شيمة العلماء والصالحين فحسب، بل هي صبغة ذلك الجيل، يقول شاعر الغزل جميل –في أوائل القرن الهجري الثاني:


    خُودٌ مِنْ الخَفِرَاتِ البِيْضِ لم يرها بِسُـدَّةِ البيتِ لا بَعلٌ ولاجَارُ




    وعلى هذا الأسلوب جرى مدح العرب عدة قرون، فهذا الرضي أشعر القرشيين في أوائل القرن الهجري الخامس يشيد بامرأة فلا يجد أجدر من أن يقول:


    دون القِبَابِ عَفافٌ مع خلائقِها والصَونُ يَحفَظُ ما لا تَحفَظِ الخِيَمُ




    وقد ظلت نساء المسلمين مصونة في مدن حصينة ضد غزو التغريب، عبر عقود بل قرون ازدهرت فيها حضارة الإسلام، بينما كان يقبع غيرهم في ما يُعرف اليوم برجعية العصور الوسطى، أو عصور الظلام.
    ثم مع انحسار العفاف رويداً رويداً، بدأت تنحسر دولة الإسلام شيئاً فشيئاً، ومع ذلك ظلت بعض المدن تعرف بالصيانة والعفاف، يقول ابن العربي –رحمه الله- في النصف الأول من القرن السادس: "ولقد دخلت نيِّفا على ألف قرية من بريَّة فما رأيت نساء أصون عيالاً ولا أعفَّ نساءً من نساء نابلس التي رُمي فيها الخليل عليه السلام بالنَّار فإنّي أقمت فيها أشهراً فما رأيت امرأة في طريق نهاراً إلاَّ يوم الجمعة فإنهنَّ يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهنَّ فإذا قُضيت الصلاة وانقلبن إلى منازلهنَّ لم تقع عيني على واحدةٍ منهن إلى الجمعة الأُخرى. وسائر القُرى تُرى نساؤها متبرِّجاتٍ بزينةٍ وعُطْلَةٍ(2) متفرِّقاتٍ فِي كلِّ فتنةٍ وعُضْلَةٍ(3). وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من مُعتكَفِهِنَّ حتى استشهدن فيه"(4).


    ثم استشرت الفتن، وجاءت الأهواء فساقت الناس نحو جحر الغرب المظلم، فبعد أن كان الاختلاط علقماً يشرق به الخاصة والعامة، بدأت عملية تسويغه، عن طريق المدارس الاستعمارية العالمية(5) ، بدعوى أن علاج (الرجل المريض) يكمن فيها، وذلك مطلع القرن الرابع عشر، فما بلغ أبناء تلك المدارس الخمسين، وما انتصف القرن، إلاّ وقد مات (الرجل)، بعد أن هيأت تلك المناطق المشبوهة مناخاً جيداً لتفريخ أجيالٍ من المستغربين، الذين رأوا أن استعادة الأمة مجدها، وعودها إلى سابق عهدها، وخروجها من واقعها المظلم، لن يكون إلاّ بإحراق كل فضيلة، في سبيل (التنوير).


    هذا ومع خفوت وهج مصابيح الدجى، عميت أنباء الشريعة على كثير، واستُبهمت واضحاتها، فاختلط حكم الاختلاط، والتبست أحكام اللباس، و(استعجم) العرب ما جاء في التشريع وبخاصة ما يخص المرأة.
    فكانت الفرصة مواتيةًً لخروج دعايا ودعِيّات التحرير، اللآتي لم يرفعن بهدى الله رأساً، ولم يرين في وأد العفة بأساًً.


    أولئك ما أتين بنصح (خِلَّةْ) ومـا دِنَّ الإلـه ولايـدِنّه




    فنادوا بتغريب الفتاة، وعمدوا إلى إلغاء كل تشريع إسلامي يخص المرأة، بتدرج محسوب، وخطوات بطيئة، يستدرجون بها الغافلين والغافلات، "فقال قائلهم أول الأمر: مادام الرجل التركي لايقدر أن يمشي علناً مع المرأة التركية، وهي سافرة الوجه فلست أَعُد في تركيا دستوراً ولاحرية.
    ثم بعد هنيئة قال الآخر: ما دامت الفتاة التركية لا تقدر أن تتزوج بمن شاءت، ولو كان من غير المسلمين، بل ما دامت لا تعقد (مقاولة) مع رجل تعيش وإياه كما تريد، مسلماً أو غير مسلم، فإنه لا تعد تركيا قد بلغت رقيا.


    ويعقب شكيب أرسلان بقوله: فأنت ترى أن المسألة ليست منحصرة في السفور، ولاهي بمجرد حرية المرأة المسلمة في الذهاب والمجيء كيفما تشاء، بل هناك سلسلة طويلة حلقاتها متصلة بعضها ببعض"(6).
    "لقد كنا وكانت العفة في سقاء من الحجاب موكوء، فما زالوا به يثقبون في جوانبه كُلَّ يومٍ ثقباً، والعفة تتسلل منه قطرة قطرة حتى تَقَبَّضَ وتَكَرَّش، ثم لم يكفهم ذلك منه حتى جاءوا يريدون أن يحلوا وكاءه حتى لا تبقى فيه قطرة واحدة"(7).


    إن من أمعن النظر في حال المسلمين اليوم، وحالهم قبل عقود رأى كيف يسير ركب التغريب، وعلم أين يحُطُّ من يَمَمَ سَمْتَهُم، واقتفى أَثَرَهُم.
    وكما ترى فإن الطريق دون ما يريده قَذِعُ المنطق(8) بعيد، له مراحل شتى، ربما حل أول تلك المراحل طيبون، استبعدوا أن يحط بهم من يعزم قطعه، ولكن سرعان ما جاورهم آخرون، فتتابع الناس في طريق الفتنة.
    ولهذا كان التحذير من تلك السبيل أحد المهمات، ولاسيما بعد أن بدأ الاختلاط يشيع في المجتمعات المحافظة، فضلاً عن غيرها، ولعله من المناسب أن يكون ذلك ببيان حكم الشرع في تخطي باب الحجاب بتلك الخطوات التي تخطوها المرأة، فتخرج بها عن حرز عفتها مختلطة بالرجال، مع تنبيه أخت الإسلام إلى حيث ساقت غيرَها تلك الخطواتُ.


    وهذا البحث محاولة لتقرير الحكم الشرعي لاختلاط الرجال بالنساء، مع بيان شيء من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة، التي لحقت من انساق وراء تلك الفتنة.
    وقد جعلته قسمين؛ الأول: دراسة فقهية تبين مراعاة الشريعة، لأصل الفصل بين الرجال والنساء، وفيها تسليط الضوء على بعض التشريعات التي ربما اشتبهت على البعض، وبيان مراعاة صاحب الشريعة فيها المنع من الاختلاط، ثم تأكيد ذلك بذكر طرف من الأدلة على حرمة اختلاط الرجال بالنساء، مع بيان وجه دلالتها، ثم عقبت بذكر بعض كلام أهل العلم في المنع من الاختلاط، وأخيراً تناول البحث بعض الشبه التي ربما أثيرت حول الموضوع.


    والقسم الثاني: دراسة ثقافية في أضرار الاختلاط ومفاسده، جمعت فيها شيئاً من أقوال الغربيين، وإحصائياتهم الرسمية من مصادرهم المعتمدة، مع ذكر حقائق وأرقام من أرض الواقع، تبين لذوي العقول السليمة، والفطر المستقيمة، الحكم العظيمة في منع اختلاط الرجال بالنساء في الشريعة.
    وقد حرصت في هذه الدراسة على الإحالة إلى أصول النقول، من باب نسبة الفضل إلى أهله، ولأن المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، "نعوذ بالله من طفيلي تصدر بالوقاحة"(9).


    اللهم إلاّ ما طوى النسيان موضعه أوصاحبه، وبقي معناه في الذهن، فأنشئ له العبارات، وأطلقه عن أهل العلم أو بعضهم.
    أما الشبهات فلم أحرص على عزوها لأمور أهمها أنها ليست مما يتكثر به، ولأن أكثرها عرض إما في صحيفة سيارة، أو مجلة مشهورة، أو وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة، كما أنك لاتدري أيُّ القائلين ابتدرها أو تولى كبرها.

    منقول

  • #2
    رد: وإذا فارقت المرأة حصنها،

    تعليق


    • #3
      رد: وإذا فارقت المرأة حصنها،

      جزاك الله كل الخير

      تعليق


      • #4
        رد: وإذا فارقت المرأة حصنها،

        جزاك الله خيرا

        تعليق

        يعمل...
        X