اشتداد كابوس التضخم في بريطانيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اشتداد كابوس التضخم في بريطانيا

    لو كان يتم دفع مكافأة أداء للجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنجلترا، لما استحق أعضاؤها أي شيء. فقد كانت محصلة التضخم في المملكة المتحدة، ولفترة طويلة، بعيدة عن المعدل المستهدف. إذن، هل ينبغي على لجنة السياسة النقدية أن ترفع أسعار الفائدة الآن للتعويض عن حالات فشلها السابقة؟ لا، لكن مركزها بدأ يصبح غير مريح قط.

    الخبر الذي يفيد بأن الزيادة في مؤشر الأسعار الاستهلاكية كانت 4.5 في المائة خلال الإثني عشر شهراً حتى نيسان (أبريل) أكد فشل لجنة السياسة النقدية. فقد كان المعدل السنوي المتراكم للتضخم 4.1 في المائة خلال العامين الماضيين و3 في المائة خلال الأعوام الستة الماضية. وهذا أداء كئيب، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار حدة الركود. لكن الأداء لم يكن سيئاً لدرجة تبعث على اليأس، فمنذ بداية العقد الأول من الألفية كان معدل التضخم 2.3 في المائة فقط.


    ومهما كان الأداء الأخير مخيباً للآمال، إلا أن أمراً بالغ الخطورة لم يحدث، وهو أنه لم تكن هناك قفزة في توقعات التضخم. لا بل إن التوقعات التي توحي بها الفجوة بين العائد على السندات التقليدية والسندات المرتبطة بالمؤشر أقل من متوسطها منذ أوائل عام 2006. ومن المريح بالقدر نفسه أن العائد على السندات التقليدية المحددة مدتها بعشرة أعوام هو 3.4 في المائة. وينبغي على الأمريكيين الذين يخشون من أثر انتهاء سياسة التسهيل الكمي التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي على سندات الخزينة الأمريكية أن يتشجعوا أيضاً. فانتهاء البرنامج المشابه الذي كان يتبعه بنك إنجلترا في أوائل عام 2010، لم يجلب معه أية زيادة تذكر في العائد على سندات المملكة المتحدة.


    لكن يمكن القول إن التوقعات لن تظل تحت السيطرة إلى الأبد، إذا تجاوز التضخم المعدل المستهدف. وهذا قول صحيح بالتأكيد. وزيادة على ذلك، عندما تتغير هذه التوقعات، فإن تكلفة إعادتها تحت السيطرة المناسبة يمكن أن تكون باهظة.


    إذا أخذنا هذا في الحسبان، من السهل تقديم الحجج المؤيدة لرفع أسعار الفائدة بعد وقت قريب جداً. إن سعر الفائدة الأساسي ما زال متدنياً جداً، عند 0.5 في المائة. وتتوقع الأسواق أن يرتفع المعدل الأساسي في هذا العام، لكن فقط إلى نسبة 0.8 في المائة في الربع الرابع، كما يلاحظ آخر تقرير للبنك حول التضخم. ويجري حالياً ضغط الأجور الحقيقية، الأمر الذي يمكن أن يولد ضغطاً من أجل رفعها. وربما تكون الطاقة الإضافية أقل، كما أن نمو الطاقة أقل مما كان يأمل معظم الناس عندما كان الركود في أعمق مستوياته، ويعود السبب في ذك جزئياً إلى أثر الركود نفسه من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن قدراً كبيراً من الطاقة السابقة ربما كان وهمياً. وزيادة على ذلك، ربما لا يكون الارتفاع في أسعار السلع أمراً عرضياً بل توجهاً. وفوق كل ذلك، من المؤكد أن يدوم تجاوز التضخم للمعدل المستهدف طيلة عام 2012 وربما 2013.


    إذا أخذنا كل هذا في الحسبان، فإن حدوث ارتفاع في سعر الفائدة الأساسي ربما يدل على أن البنك يأخذ هدفه على محمل الجد. وفي واقع الأمر، هذه الحجج حدت بعضوين من أعضاء لجنة السياسة النقدية للتصويت لرفع الفائدة ربع نقطة مئوية، وحدت بعضو آخر، وهو العضو الذي سيترك اللجنة، للتصويت لرفعها نصف نقطة في الاجتماع الذي عقدته اللجنة في شهر أيار (مايو).


    هذه الحجج ليست تافهة أبداً، لكن هناك حججا قوية في الاتجاه المقابل أيضاً. فأسعار السلع متذبذبة وربما تكون قد تجاوزت بالفعل ذروتها في الدورة الحالية. ومعدل النمو السنوي لأجور العمال 2.3 في المائة. وينبغي للمرء أن يكون متشائماً بالفعل حول اتجاهات الإنتاجية طويلة المدى في الاقتصاد، ليعتقد أن تكاليف وحدات العمل من المتوقع أن تنمو بمعدل أسرع من المعدل المستهدف لتضخم الأسعار الاستهلاكية، البالغ 2 في المائة.


    لقد ظل الاقتصاد ضعيفاً جداً، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بواقع 0.5 في المائة خلال الربع الأول من هذا العام، بعد انخفاض بلغ 0.5 في المائة في الربع الأخير من عام 2010. وما زال الناتج المحلي الإجمالي يقل بنسبة 4 في المائة عن مستواه في الربع الأول من عام 2008. ومن المتوقع أن يستمر التقشف المالي حتى نهاية هذا البرلمان، لا بل إن المعروض المالي يتقلص منذ أوائل عام 2010. ومعدل البطالة قريب جداً من 8 في المائة منذ منتصف عام 2009. وينبغي أن يكون المرء في مزاج كئيب ليعتقد أن هذا المستوى غير كاف لتخفيف معدل التضخم.


    إن رفع أسعار الفائدة لا لشيء إلا لأن لجنة السياسة النقدية فشلت في تحقيق هدفها في الماضي سيكون ضرباً من الحماقة. كذلك رفع أسعار الفائدة لأنها ستتجاوز الهدف في العام المقبل سيكون ضرباً من الغباء بالقدر نفسه. فما مضى قد مضى. وفي الحقيقة، هناك ثلاثة أسباب تدعو إلى رفع أسعار الفائدة تبدو جديرة بالنظر فيها.


    الأول، ضرورة تعزيز الثقة. لكن عندما تبدو الثقة قوية أصلاً، فإن هذا يقترب من السادية المحضة.


    والثاني، أن لجنة السياسة النقدية لا تفهم العملية التضخمية في المملكة المتحدة كما كانت تعتقد، لكنها تعلم أن أخطاءها كانت دائماً في الجانب الصعودي. لكن تجاوز الهدف ليس متعذر التفسير: إنه يفسر إلى حد بعيد بالتطورات الخارجية للأسعار.


    والحجة الثالثة هي أن لدينا سبباً وجيهاً لأن نتوقع ارتفاعاً ثابتاً في أسعار الدولار للسلع التي يجب أن تعوض إما بارتفاع قيمة الجنيه الاسترليني، وإما بانخفاض في معدل التضخم الذي يتولد داخلياً، خاصة الأجور. لكن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان ينبغي أن نتوقع هذا التوجه، استناداً إلى المستويات الراهنة.


    إن الوضع الحالي غير مريح أبداً بالفعل. لكن في المجمل الحجج الداعية لعدم رفع أسعار الفائدة ما زالت تبدو أقوى من الحجج الداعية لرفعها، لكن من الصعب اتخاذ القرار. وإذا نحا الارتفاع في تكاليف وحدات العمل، أو التضخم المستهدف منحى صعودياً، لن يكون هناك مفر من رفع أسعار الفائدة، لكن الأسباب الداعية لرفع أسعار الفائدة حالياً ليست قوية. وبوسع لجنة السياسة النقدية أن تنتظر وترى.
يعمل...
X